نحو علاقات خليجية جديدة مع طهران

علي بن بدر البوسعيدي

التعقيد والتشابك عنوانان متلازمان للعلاقات الخليجية-الإيرانية، ففي الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الثنائية تقارباً وتعاوناً على الصعيد الاقتصادي، لا تزال هناك العديد من المسائل العالقة على الصعيد السياسي والأمني.. ناهيك عن كون الاتفاق النووي الأخير مع الجمهورية الإسلامية لا يزال يثير مخاوف البعض من دول المجلس، التي ترى أن الاتفاق يرمي لنفوذ إيراني واسع يُهدد استقرار المنطقة، ساعية في هذا الصدد لانتزاع تطمينات حقيقية من طهران تشفي الصدر وتريح البال.. ولابد هنا من الإشارة إلى الجهود البنَّاءة التي بذلتها الدبلوماسية العمانية في الوصول إلى هذا الاتفاق التاريخي الذي جَنَّب المنطقة ويلات الحرب.

وفي رأيي أن تزايد القلق الخليجي من طهران، مرده غياب رؤى مُتوافَق عليها من جميع دول المجلس، وغياب إستراتيجيات وسياسات تقدم إجابات وحلولا لهذا القلق السياسي.. خصوصا وأن الواقع الآن يفرض على كلا الطرفين ضرورة نبذ الخلاف، بما يضمن تحقيق التقارب والتعاون؛ سيما في ظل الصراعات التي تحدق بالمنطقة؛ والتي تتطلب أجواءً سياسية أكثر اتزانا وهدوءًا؛ تنتشل الخليج من براثن النيران المحدقة به من كافة الاتجاهات.

وكما أنَّ دول مجلس التعاون الخليجي مطالبة بتخفيف حدة شكوكها من السياسات الإيرانية تجاه المنطقة -خصوصا بعد اتفاق (5+1)- فإنه يُتطلب كذلك من إيران أخذ خطوات ملموسة تؤكد من خلالها أنها مستعدة لتغيير سياساتها في المنطقة، وهو ما يضمن إيجاد نقاط التقاء مشترك بين الطرفين؛ بما يُؤسس لمرحلة جديدة من التعاون، تقوم على ثوابت الثقة المتبادلة التي ترتدي فيها العلاقات الثنائية ثوب القوة والاستقرار.

ومن منطلق الدور الذي تلعبه السلطنة في منطقة الخليج، وما تملكه من علاقات مميزة تفتقد إليها بعض دول المنطقة، وعلاقاتها الجيدة مع طهران -التي يفصلها عنها مضيق هرمز- فإنه لا بأس أن تكون الدبلوماسية العُمانية حمامة السلام، ومفتاح الوساطة بين الفرقاء، فعُماننا دولة مقبولة من كلا الطرفين، من منطلق أنها ترمي لجعل منطقة الخليج منطقة هادئة بعيدة عن الحروب والمواجهات، خصوصا الخلافات حول مضيق هرمز الذي تشرف عليه السلطنة، والذي يفرض عليها الإبقاء عليه مفتوحاً للعبور الآمن أمام الجميع، دون أن تكون لديها أية مصالح خفية (كما هو معهود عنها على الدوام)، وأرى أن تحركا دبلوماسية كهذا، بلاشك سيجنِّب المنطقة مرارة الصراع والخلاف، وسينهي رِدْحا من الزمن قضته في الخلاف، ويجعل منها قوة إقليمية لا يُستهان بها، في زمن مَوْبوء بالاضطرابات والخلافات.. فلتكن المبادرة عُمانية كما هي العادة!

----------------

- "الوطن لا يتغيَّر حتى لو تغيرنا.. باقٍ هو، ونحن زَائِلُون".

تعليق عبر الفيس بوك