سوق الرِّستاق.. حضارة طُمست معالمها

طالب المقبالي

يُعتبر سوق الرستاق من أعرق أسواق عُمان،حيث كان بمثابة سوق مركزي للمنطقة والولايات المجاورة وغير المجاورة؛ فقد كان معلماً من المعالم التي يقصدها الزوار من كل حدب وصوب، وكان وجهة لكل من البائع والمتسوِّق، وكان يزخر بوفرة البضائع التي يحتاجها الإنسان في حياته اليومية، وكان الوجهة الثانية للسواح عند زيارتهم لقلعة الرستاق التاريخية، فقد كانا كالتوأم اللذين لا غنى لأحدهما عن الآخر.

هذا المعلم التاريخي الحضاري الثقافي يعاني الإهمال؛ وبإهماله طُويت حضارة ومتنفس لكل أبناء الرستاق والولايات المجاورة،كما انقرضتْ صناعات وحرف يدوية ومهن كانت متوارثة من جيل إلى جيل؛ فقد كان السوق يعج بالحركة من شروق الشمس وحتى غروبها، وكان لكل شخص فيه ذكريات جميلة، حتى الأجانب الذين زاروه في أوج نشاطه يتحسَّرون عند رؤيته على هذه الحال التي أصبح عليها، هذا ليس كلامي وإنما هو لسان حال أي شخص عايش السوق قبل وبعد وضعه الحالي.

فمن أراد أن يستأنس بالحديث عن مكانة هذا السوق وتاريخه، فعليه أن يجلس إلى جانب أحد الكبار الذين عايشوا هذا السوق، واطلعوا على تاريخه التليد سواءً معايشة مباشرة أو رواية عن الآباء والأجداد.

وأحسب نفسي من المحظوظين حين لحقت بحقبة من تاريخ هذا السوق قبل طمس معالمه على مدى أربعة عقود من عمري، منذ بدأت تذكر الأشياء الجميلة التي صادفتني في طفولتي.. فقد كان سوق الرستاق قديما وحديثاً منفذا مهمًّا للبضائع الواردة من ولايات الباطنة من المنتوجات البحرية من أسماك طازجة وأسماك مجففة...وغيرها من المنتجات التي تشتهر بها ولايات ساحل الباطنة، فيما كانت تستورد الفواكه والمنتجات الموسمية من الجبل الأخضر الذي يتميز بالمنتجات التي لا يمكن زراعتها إلا في الجبل الأخضر مثل الرمان والجوز واللوز والخوخ والمشمش، فيما يلتقي الباعة والمشترون من الساحل والجبل فيتبادلوا المنتجات، حيث إنَّ أهل الجبل يشترون الرطب والتمور والأسماك المجففة التي لا تتوافر في الجبل الأخضر، كذلك كانت تنشط الزراعة في ولاية الرستاق فتزرع الحبوب كالذرة والقمح والحمص واللوبياء والثوم والبصل...وغيرها من المنتجات؛ ليجد المشتري حاجته في هذا السوق كل حسب حاجته، وكان الناس يأنسون بالذهاب للسوق ليس للتسوق فحسب وإنما للتنزه ولسماع الأخبار الجديدة التي تعلن في هذا السوق؛ حيث لا وسائل للتواصل غير هذا السوق.

فإذا ما كان هناك خبر تريد الحكومة -ويمثلها الوالي والقاضي- إيصاله للناس، فيُبلَّغ المختصين بالمناداة، وتعرف هذه العملية بـ"الزعقة" ليصل الخبر لمن حضر السوق أو من لم يحضر؛ وذلك بالتناقل بين الناس.ومن هنا، تأتي أهمية السوق، فهو التقاء للثقافات وتعلم الصناعات والحرف.

كما كان سوق الرستاق معلماً من المعالم الحضارية والإنسانية العريقة، وكان ينبغي أن يُحافظ عليه وتقوم الجهات المعنية بترميمه وصيانته كما هو للمحافظة على عراقته أسوة ببقية الأسواق في السلطنة مثل سوق نزوى وسوق مطرح وبقية الأسواق التي تمت المحافظة عليها.

تعليق عبر الفيس بوك