أخبار لا تحمل الأخبار

جمال القيسي

هل صارت الأخبار؛ أخبار نكباتنا، عادية، أم أنّها عادية على مر تاريخنا، لكننا صرنا نعيش الاعتياد حالة من الرتابة في التنكب، أكثر من حالة الشعور بالألم واليأس حتى صار الأمر عادياً؟ هل أخبار نكباتنا وفراغنا الذي يأتي بحكم مجريات ما تجنيه المواقف السياسية، بمساندة الآلة العسكرية، وفتكها بالراكد وإخراجه من طور الاعتيادي إلى الصادم إلى المروع نحو الكارثي وصولاً لمرحلة المأساة الشاسعة ثم امتلاء هذا الدورق/الألم حتى يفيض فيصير الأمر عاديًا.

ثمة ظاهرة أحب التأكد مما إذا كنت أحس بها وحدي، أم أنّي ضمن فئة تشاركني الشعور تجاهها، وتشاطرني الاعتياد في التعاطي معها وإزائها. فقد صار يلفت نظري كل يوم وليلة، خلال قراءاتي الطويلة المتشعبة للصحف والمواقع الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي، أنّ الأخبار بلا أخبار، والتحليل بلا فائدة، والتقارير سقيمة، والفضاء مرشوم بطعنات الفراغ، ومُمزق بنصال الهواء. ربما لأنّ الواقع لا يحتاج إلى كلام، ولا يُفضي الكلام عن الواقع إلا لمزيد من هذر وهدر الكلام.

أحس بذلك، وأنا أتابع مقالات يُشير كُتابها، اليوم، بعد مئات قبلهم، إلى أدلة تُدين جورج بوش وتوني بلير، وظهور وثائق وتسريبات تفيد بأنهما كانا على علم بخلو العراق من الأسلحة الكيماوية، ورغم ذلك شنت أمريكا وبريطانيا الحرب على العراق، لا بل يضاف إلى هذه الحفلة الإعلامية استشهادات من التاريخ السياسي الأمريكي، وسيناريوهات العلن والخفاء. كأن السياسة يوماً كانت هي العلن، أو فقط ما يكون لعوام الدول.

وعلى صعيد التفاصيل التي يكمُن فيها الشيطان، أشعر كثيرا بخلو الكلام من الكلام، من هذه التفاصيل؛ حين تتكرر الكلمات فتأتي بلا كلمات، فتحاول القول: مناقشة العلاقات الوثيقة بين البلدين (من المفترض أن العلاقة الوثيقة ليست محل نقاش). ويدهمني شعور يفرض عليّ الأسى من بلادة السطور وعقم الصوت حين يخرج إعلاميون معلنين عن (تفاقم الأوضاع في سوريا) . صباح الخير يا أستاذ.

ولربما حال الشاب الذي يصف الخراب الكوني في سوريا أقل خطورة من وصف البعض لما يجري في سوريا بـ (الأزمة السورية). ولن أنزلق أو أهوي في واد انتقده فأحاول وصف ما يجري في سوريا!.

في مرحلة (لاحظوا مرحلة) كانت مذيعة الرئيس الليبي البائد القذافي تنتقد قرار مجلس الأمن بالتدخل الدولي في ليبيا وتبني مجلس الأمن (المخلص/ الكارثي) بالقول قضية التبني محرمة شرعًا، كنّا آنذاك نلمس أصداء ضحك وسخرية من واقع الإعلام الرديء، لكن المذيعة (الشهيرة بالتبني) ويعرفها يوتيوب بعناوين كثيرة منها (مذيعة ليبية تهلوس) ما هي إلا ابنة كيان لا يشبه أيّ كيان في التاريخ. لكن في تلك المرحلة (لاحظتم المرحلة) كان لدينا أمثلة صارخة على الخروج على النص الإعلامي بالتشخيص السهل (الهلوسة) لكننا اليوم نحن من أصبنا بالهلوسة في هذا الجو الساخر منّا حدا أوجع من المهانة والذل وبسبب فلسطين وسوريا..إلخ (البقية بحياتكم).

وبمناسبة الشقيقة فلسطين، التي لم أسمع أيّ بيان سياسي يصفها بالشقيقة، وهي تطل على البحر الأبيض المتوسط تاركة الغربة للمصورين بالتقاط الصور التذكارية أمام البحر ومن خلفه. يكفينا نمطية قاتلة بوصف الكيان الصهيوني بالغاصب أو المحتل أو الهمجي، لا أعرف ما البديل لهذه الأوصاف، كما لا أجد أي اجتراح لحل نمطية التقاط الصور أمام البحر لدى غالبية الناس. كأن فلسطين هي البحر التي لابد أن تكون في الخلفية، ديكورا لازما للصورة، وغير مهم بعد ذلك أية تفاصيل، حتى لو كانت الصورة على درجة كبيرة من البؤس، وتفتقر إلى معنى الانطلاق والجمال، ولا يدانيها أي معنى من معاني البحر التي لا شك بأنّها تختلف من شخص لآخر، لكن يبدو الإجماع البشري على حب منظر البحر، وذلك من خلال مليارات الصور التي التقطوها له بمعيتهم، ولكن الإعلام والكلام الفارغ من الكلام يستذكر ويجتر تلك الأوامر العسكرية التي كانت تصدر للسمك بضرورة أن (يتجوع) لالتهام الصهاينة!

يكفي.

تعليق عبر الفيس بوك