متى يهدأ العالم؟

عهود الأشخرية

الفيلم التركي "جاءت عمتي" والذي يحكي عن تفاصيل حقيقية، يبدأ بمشهد الطفلة في قرية (لوريجينا) في قبرص الشمالية التي تتخلص من بعض الفضلات في سلة المهملات وكأنّها تُريد أن تقول للعالم يجب أن تتخلصوا من أفكاركم التي من شدة ابتذالها وعدم صلاحيتها لابدّ أن تنتهي. الأفكار التي صارت في النهاية (عادات وتقاليد) بالرغم من أنّها مستهلكة جدا، لكن هذه العادات يعتبرها المرء في مجتمعنا شرائع لا بدّ أن يتبعها باعتبارها صحيحة ولا مجال فيها للخطأ فيها، هنا أتحدث عن مجتمع لا يقّدر حق الأنثى في أن تعيش حياة كاملة، حياة حرة. الحياة التي تغتصب حقها في الحياة حسب رغبتها والتي تصل في النهاية للإيمان بقول وديع سعادة: "الذين ألفناهم شجراً باسقاً، صاروا قشًا حين حزنوا"، وكذلك ينتهي هذا الفيلم الحقيقي أو المسرحية الهزلية بأغنية حزينة فيها الكثير من اللوم والعتاب من الطفلة المظلومة إلى العالم حين كانت أمها تعتذر منها لأنّها تركتها لرجل قاسٍ وهي لازالت طفلة تقول: "لا تعتذري مني، من جسدي الصغير، لا يمكنني مسامحة أحد، بينما روحي تحترق هكذا، كيف فرطتم بي؟ بينما ما زلت في عُمر اللعب.. بقيت عاجزة ووحيدة قبالة الحياة، لم تعد ريحان تخاف من بعد الآن، رائحة الغرباء على بشرتي.. وفستان عرسي هو كفني"

وفي النهاية توجه خطاباً لكل الظالمين بقولها (ألا تخافون الله)؟

إذن ما قصة ريحان؟ وإلى أين أوصلتها هذه العادات الغبية حين وجهت نداء للجميع بأنّها ميتة بسببهم، بسبب عاداتهم القاتلة، ونظرتهم السطحية للأشياء.

ريحان هي طفلة تركية تعيش في مجتمع فاسد، تظهر وهي ترتدي ملابس المدرسة مما يُشعرنا في بادئ الأمر أنّها تعيش حياة فيها اهتمام بمصلحة المرء، وذلك الذي دفع أهلها لبعثها للتعليم، لكن هذا الظن سرعان ما ينتهي حين تبدأ ملامح هذا المجتمع بالوضوح شيئاً فشيئًا، بداية من تركيز الكاميرا على الابن المُعاق لدى العائلة بالرغم من أننا جميعا حين نشاهد الفيلم نظن أنّ هذه الإعاقة لأسباب غير إرادية.

نعود إلى ريحان فقد كانت العادة في هذا المجتمع أن الفتاة حين تبلغ يجب تزويجها فورًا باعتبار أن سن البلوغ هو ذاته سن الزواج، وأن الفتاة يجب أن تعيش حياتها لأجل زوجها فقط حتى وإن اضطرت بذلك إلى ترك تعليمها وطفولتها المنسية على الرّف، فبعد أن كانت تتعامل مع لعبتها صارت مسؤولة عن حياة كاملة لا علاقة لها بها ولا ذنب لها إلا أنها بلغت!.

ما الذي يمكن أن تفعله فتاة صغيرة في هذا المجتمع إلا أن تتحول إلى امرأة متزوجة بهذه السرعة التي لا تشبه إلا نشوب حريق في مكان ما -النار التي لا تعرف التردد بل تواصل طريقها دون توقف؟

كان الحل الوحيد لهؤلاء الفتيات ألا يعترفن بالأمر -أعني أنهن وصلن لمرحلة البلوغ- لكن هذا الأمر بالطبع لن يستمر طويلاً كما حدث مع صديقة ريحان حين اكتشفت أمها أنها أخفت أمر بلوغها عنهم فغضبت منها وصفعها والدها وفورا تحولت من طفلة إلى امرأة مُسنة بهذه الطريقة البشعة.

في الفيلم يظهر مشهد الطفل القادم من إسطنبول إلى تلك القرية ويكون في الصف ذاته الذي تدرس فيه ريحان، وهناك ما دعاه للاقتراب من روحها الحزينة جداً وأهداها كتابًا ما قد أنهى قراءته، شغفها في القراءة كان يدفعنا للتفكير في أنها ترغب بأن تعيش حياة حرة تصل فيها لتحقيق حلمها، لا إلى الزواج.

لكنها في النهاية أُرغمت على الخروج من المدرسة والزواج من رجل لا تعرف عنه شيئاً ولم تره إلا في تلك الليلة البائسة. وكنتُ أظنها النهاية؛ النهاية ذاتها التي يتحدث عنها ريلكه "ألا أصغر ما نعاركه، وما أكبر ما يعاركنا"، هنا نشعر بالضعف وألا داعي لأن تحارب مجددًا لأنك تعلم أن مصيرك هو الخسارة.

لكن ريحان هي التي هزمت كل توقعاتي حين هربت من مصير الزواج إلى عالم أكثر انفتاحاً، هربت وهي غير خائفة من شيء لأنّها أقوى من المصير الذي أُعدت له، بعيدًا عن زواج القاصرات، بعيداً عن زواج الأقارب.

المجد لكل الفتيات اللواتي يشبهن ريحان في قرارها الذي غيّر كل شيء.

Ohood-Alashkhari@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك