حينما يبيض المواطن ذهبا!

سلطان الخروصي

"التقشُّف الحكومي والبساطةفي تنفيذ الكثير من البرامج الوطنية" أضحت لغة ترتفع وتيرتها بالساحة العمانية في الآونة الأخيرة، وبدأ المواطن يبحث في معجم الاقتصاد عن ماهية "التقشف" ودلالاته وما يترتب عليه، وقد استفرد ملك التواصل الاجتماعي "الواتساب" في تسريب بعض الوثائق الخاصة ببعض المؤسسات الخدمية والسيادية بالدولة حول إستراتيجية التقشف الحكومي المزعم تنفيذه، فلا إسراف في القرطاسيات والشاي والبدلات والدورات التدريبية وحضور المؤتمرات والندوات والتوظيف...وغيرها الكثير، والتي تعد من واجبات الدولة في المرحلة الراهنة، بل تعدَّى الأمر عند بعض الكتاب والمثقفين ورجال الأعمال بأن طرحوا حزما استرشادية ورسمواخطَّ عودةللوقوف في المربع الصحيح حول واقع الخطوات الاقتصادية التي تمضي عليها الدولة في الوقت الراهن؛ فهناك من رمى التهم علىالمواطن بأنه مهمل إلى حدٍّجعل من إنتاجيته هزيلة وغير مقبولة، ومنهم من برَّر الحال نظرا للانهيار الحاد في أسعار الذهب الأسود، وهناك من يراها لعبة اقتصادية قذرة يقودها بعض سماسرة الاقتصاد العالمي وكل يدلو بدلوه "وعند الله تجتمع الخصوم"!

وعَوْد إلى الرؤية العمانية حول حيثيات الأزمة التي تعصف بالاقتصاد الوطني وبرؤية فاحصةللحزم التي تود الحكومة تطبيقها، نجد أنهاتعطينا مؤشرا له تبعاته الاقتصادية والاجتماعية والتي قد تسبب حالة من الإحتقان بين المواطنين وبعض مؤسسات الدولةبل ربما ينعكس سلبا على مستوى الثقة بين الحكومة والمواطن؛ وذلك إن تحقق فقد يُعزِّز من احتكار بعض الأسر للاقتصاد الوطني وتقوية شكيمة الفساد؛ وبذلك تنسف جهود الحكومة في مكافحة الفساد وسعيها للإصلاح المؤسساتي بالدولة منذ عام 2011م، وحتى نكون على مقربة من واقع الحزم التي (يطبل) بعض المسؤولين والمثقفين بضرورة تنفيذها (لتحرير) الاقتصاد العماني من متطلبات أثقلت كاهله واستثمارها في تطوير البنية التحتية.. دعونا نحسبها جيدا ونأخذ من تلك الحزم رفع الدعم عن المحروقات على سبيل المثال؛ إذ إنَّ أصحاب هذا الرأي يرون أن إنفاق مليار ريال سنويا يعد استنزافا لميزانية الدولة دون الحديث عن مئات الملايين التي تخصص لمناقصاتمشاريع ومهام تقل قيمتها الحقيقة عن ذلك وفقا للقيمة السوقية المدرجة، وحتى لا نكون في موقع سلبي دعونا نحسبها بالورقة والقلم على اعتبار أن الحكومة قد رفعت الدعم عن المحروقات فالنتيجة كالتالي: سترتفع أسعار جميع السلع التي تمس حياة المواطن بصورة مباشرة، أضف إلى ذلك أن الأمر سيتطلب تخفيضا في رواتب اليد العاملة بالقطاع الخاص باعتباره يتكفل بالدفع الكامل للمحروقات التي يستهلكها. وعليه؛ فإنَّه من الضرورة المحافظة على التوزان الاقتصادي بالمؤسسة خشية زيادة الإنفاق مقارنةبالإنتاج والابتعاد عن شبح الإفلاس؛ وذلك سيفتح الطريق للاستقالات الهائلة من الكوادر الوطنية؛ وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة وخلق ضغوطات مهولة على الحكومة للالتحاق بالقطاع المؤسساتي الحكومي للدولة، كما أن المشاريع والإنشاءات المليونية التي تقيمها الحكومة حالياممثلة بمجلس المناقصات مع مؤسسات القطاع الخاص سترتفع أضعافا كثيرة، وأمام كل ذلك وأكثر لا يزال البعض يجر الحكومة للوقوع في مستنقع وحل قد يلتهم الطبقة الفقيرة والمتوسطة الدخل وأصحاب الضمان الاجتماعي والدخل المحدود والذين سيعانون من ويلات هذا الإجراء والذي حتى اللحظة لا يرتكز على رؤية واضحة أو دراسة مستفيضة حول ملامح معدلات رفع الأجور وتبعات سلبية أخرى على الدولة، كما أشار إلى ذلك نائب رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى علي بن عبدالله البادي، حينما خصَّ قناة "الجزيرة" بأنَّ مجلس الشورى رفع مذكرة رفض لهذا المقترح إذ يقول حرفيا:"رفع الدعم الحكومي عن المحروقات سيولد آثارا سلبية على الدولة والمواطن، كما أنه لا توجد دراسة توضح المردود الاقتصادي لهذا التوجه، وكم مقدار الزيادة في الأجور! وماذا عن الفئات الأخرى من غير الموظفين والمتقاعدين والحرفيين والأسر الفقيرة في حال قرَّرت الحكومة تعويض المواطن بزيادة الأجور بدلا عن الدعم!"؛ فالارتجال في اتخاذ مثل هذه القرارات سيدخلنا في نفق مظلم.

إذاً من الواضح أننا نعيش في وسط أزمة اقتصادية والتي قد تلجمنا بين حين وآخر إلى اتخاذ قرارات عفوية تخبطية لا يشعر السيد المسؤول عن آثارها بقدر ما ينتظر أن يبيض له المواطن ذهبا ليبيعه في السوق البيضاء أو السوداء حتى لا تستنزف ميزانية الدولة، والسؤال الأساسي: أين الخطط المحكمة التي بنت عليها الحكومة الأصول الاقتصادية حينما كان سعر برميل النفط يناطح المائة دولار؟ هناك أصوات لطالما تغنَّت بالإستراتيجيات الوطنية الباهرة الموضوعة؛ ومنها: رؤية عمان 2020، وعمان 2050لتنمية التعليم، والبنية الأساسية، والصحة، ورفع مستوى معيشة المواطن، وزيادة نسب التوظيف، وتحقيق الجودة في البرامج التدريبية، وتحقيق المستوى الآمن من الدراسات التي تضمن الحقوق للموظف منالترقيات والعلاوات، وإنشاء صندوق الزواج وغيرها الكثير، كلها أضحت بين غمضة عين وانتباهتها مجرد فقاعة كبيرة! اليوم يتحدث بعض المثقفين والمسؤولين عن ضمادات التقشف وبندول رفع الدعم..تارة عن البترول، وأخرى عن الكهرباء ومرة عن التعليم وتخصيصه دون أن تفتح ملفات استنزفت أموالا طائلة كان حريًّا أن تبذخ بسخاء لحقوق الموظفين والقطاعات الفاعلة في المجتمع من أفراد ومؤسسات حكومية وجمعيات المجتمع المدني الناضجة العاملة النافعة، لماذا لا يُسمع صوت مجلس الشورى وهو يستصرخ بعدم الرضا والرفض لكثير من الملفات!

المواطن يُولي ثقة تامة لمؤسسات الدولة الحديثة في البلاد والتي أرسى معالمها الراسخة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس -أعزَّه الله- بتبصر وعناية تحفظ حق المواطن والدولة بالعدل والشفافية والمسؤولية، لكن حينما يُخطئ بعض المسؤولين في حسابات تُكلف الدولة ما لا تستحقه، فيرمي ثقل خطئه على كاهل المواطن باسم خدمة الوطن واعتباره كالدجاجة التي تبيض له ذهبا، فإنَّ في ذلك حرجا كبيرا يزعزع الثقة بينهما، نحن بحاجة إلى الرجوع للمربع الأول الذي يجيبنا بصدق وأمانة: لماذا وصلنا إلى هذه المرحلة؟... دمتم بحب وأمان!

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك