وقفات عبر التاريخ

عائشة البلوشيَّة

المشهد الأول: بلدة بسياء في ولاية بهلاء بمحافظة الداخلية، وتحديدا في "حصن سلوت"؛ ذلك الموقع الأثري الذي يعود إلى الألف الثالثة قبل الميلاد، تقول الأسطورة التي لا أعلم نسبة الدقة في صحتها، بأنَّ نبي الله سليمان -عليه السلام- كان عائدا من مملكة سبأ على بساط الريح، فشده ذلك البناء الهندسي الرائع لحصن سلوت، فقرر البقاء لمدة عشرة أيام ليتعرف على أهل تلك البلاد، ويتجول في ذلك الحصن الرائع بتحصيناته الدفاعية، وجدرانه القوية، وتوزيع زواياه المدهش، وردا على ما وجده من ترحاب وكرم، فقد أمر الجن بأن يقوموا ببناء ألف فلج ﻷهل تلك البلاد خلال مدة مكوثه، وتعليم أهلها هندسة الأفلاج، وبعد أن انتهت المدة -التي وجدها أهل تلك البلاد قصيرة جدا- شكر أهلها وشكروه وطفق عائدا إلى القدس ليشرع في البناء.

المشهد الثاني: ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، عندما امتطى خير من وطئ الثرى -عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام- ظهر البراق، وأُسري به مع رفيقه السماوي إلى القدس، وهبط فيها إلى جانب حائط البراق، وثم من على تلك الصخرة الموجودة تحت "قبة الصخرة" إلى يومنا هذا كان معراجه إلى السموات، ليصل إلى السماء السابعة، ليلقى ربه وتفرض على أمته الفرائض الخمس، وتكون هذه إحدى أعظم معجزاته -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ويعود بعدها إلى الأقصى -أولى القبلتين وثالث الحرمين- ومنه إلى مكة، ليتوجه كل من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبد الله ورسوله بوجهه قبل المسجد الأقصى كلما نودي للصلاة، خمس مرات في اليوم والليلة، ويظل ذلك المسجد هو قبلتنا حتى أمرنا الله تعالى أن نيمم وجوهنا قبل المسجد الحرام في السنة الثانية للهجرة.

المشهد الثالث: ثلاثة أطفال يديرون حدقاتهم الممتلئة براءة وألما في الوجوه حولهم، يتساءلون عن أمهم إسراء، إسراء التي عرجت روحها إلى السماء السابعة بعد أن أردوها شهيدة، وهي تصرخ لجنود بني صهيون بأنها حبلى ولا تحمل حزاما ناسفا، وهم يحومون مقتربين منها كذئاب اشتمت ريح فريسة بعد جوع شهور، أرقب الفيديو ودموعي تتحدر وأنا أشاهدهم يطلقون عليها الرصاص الحي، كان حقدهم أكبر وغيظهم أعظم من أن يصغوا إلى توسلاتها رافعة يديها إلى الأعلى، ليختموا بجريمتهم هذه عام ألف وأربعمائة وست وثلاثين هجرية، بعد سلسلة حوادث الطعن المجنونة، ضد عرب إسرائيل وكل فلسطيني، لا فرق بين رجل وامرأة، شيخ أو طفل، فقد استباحوا الحرمات جميعها.

سيناريو تأريخي سريع بتقنية الـ(time lapse)، لمشاهد تبعد مئات السنين عن بعضها، والرابط بينها قدس العروبة، التي تحتضن أقصانا السليب، الذي يمنع المصلين من تأدية الصلوات فيه بالقوة والقنابل والرصاص الحي، تارة بحجة الاحتفال بالسنة اليهودية، وتارة بدعوى الصلوات التلمودية والدعاء، لتنتشر المقاطع المخزية وهم يدنسون الساحات بشتى الطرق، هذا غير عمليات الحفر تحت الأرض بدعوى البحث عن الهيكل المزعوم، وعمليات الهدم والتهجير وقلع أشجار الزيتون والبرتقال فوق الأرض، ونحن نطالع نتصفح الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، لنسح الدموع حزنا على هذا الظلم الصارخ الذي نراه ينهال على زهرة المدائن، حتى تقرحت قلوبنا قبل المآقي، ننتظر معجزة تحدث ليرتفع هذا الجور عنها.

--------------

توقيع: "حزينة عيناك يا مدينة البتول.. يا واحة ظليلة مر بها الرسول" (نزار قباني).

تعليق عبر الفيس بوك