الصَّيف الطويل

أمل السعيدية

عندما كُنت صغيرة، انشغلتُ بالتفكير في شأن أهلي عندما تُمطر علينا في القرية أو حتى في أقصى مكان في عُمان، المهم مُلاحقة المطر، السُّحب في عمان وهذا كافٍ. كنت أتعجب من ذلك الشغف الذي يوليه أعمامي بمسألة الطقس والحديث عنه، حتى إنَّ بعضهم عملوا مديرين لمنتدى على شبكة الإنترنت عن الطقس.

في الأيام التي تمطر فيها السماء وقبلها، وبعدها، نعيش حفلة من الإثارة.. الجميع يحاول أن يفهم الحالة الجوية، لم أكن ألحظ هذا أبداً حتى عندما يكون الكلاسيكو المعروف بين نادي ريال مدريد الرياضي ونادي برشلونة الإسبانيين. كان الطقس هو حالة التوتر التي تبلغ فيها أيامنا ذروة التعقيد قبل أن تعود بنا إلى تلك الرتابة المملة والهدوء الذي لم يكن صاخباً في حالتنا أبداً. عندما كبرت عرفت معنى ان تكون في مكان لا شيء يتغيَّر فيه، حتى المسؤولين، وطريقة التفكير ومعالجة الأمور، عرفت الهوس الذي ينتابنا عندما نكون أمام مشروع تغيير، والتزامنا المقيت بعادات وتقاليد حتى في المؤسسات التي نتوقع منها شيئاً آخر.

أحياناً لا أحتمل الجواب الذي يحمل في مضمونه إشارة إلى أنَّ العمر والخبرة كفيلان بأن يمنحا شخصاً القدرة على أن يحدد الطريقة المناسبة للعمل، وكأنما هنالك طريقة واحدة لفعل ما ينبغي فعله، يستند المسؤول في هذا إلى هذا التقليد الجائر الذي ينبغي علينا أن نسلم أنفسنا له خانعين. لأننا في مكان لا شيء يتغيَّر فيه، ولا جلد لنا لأن نجرب فالتجربة مغامرة. لكننا بانتظار سحابة، قد تمطر وقد لا تفعل. هذا السؤال القائم، هو المثير؛ لأن السؤال حركة، السؤال ارتباك، علثمة وتقليب للداخل. ولأن الأشياء لا تتغير، أشعر أننا نعمل على تأهيل أنفسنا من أجل ذلك. هنالك حالة من اليأس نخوض فيها، لعل قصة حكاها لي أحد الأصدقاء عن صديق آخر لنا لهي دليل على ذلك. يقول وقفت عند إشارة مرور كانت قد تعطلت لمدة ساعة تقريباً، قررت أن أحادث مركز الشرطة، وفوجئت بأنني المتصل الأول بعد ساعة تقريباً من الحادثة. أي تأويل يمكننا قراءته في هذا؟ حتى في مظهرنا نرتاب كثيراً من التعبير عن أنفسنا بالملابس التي تناسب ذوقنا الشخصي؛ لأننا نخاف من وقع تلك الطاقة التي سيبثها التغيير في مظهرنا على الآخرين وردود أفعالهم حول ذلك. كم هو رائع أن نعبر عن خياراتنا حتى وإن كانت مختلفة؛ فالمظهر مثلا أصبح اليوم يدلل على أسلوب الحياة والاهتمامات بل حتى إنها دلالة على علاقتنا بهذا العالم؛ فلماذا قد يكون مزعجاً إن نقول هذا كله. لا أعني أننا جميعاً نفعل ذلك بالطبع؛ فهنالك شباب كُثر تمكنوا من تخطي هذا الحاجز وواجهوا هذا المجتمع وواجهوا أنفسهم.

عندما شاركت في الملتقى الأدبي الأخير في نزوى، طلبوا مني تقديم أمسية شعرية، ففعلت، لكنني فوجئت عندما بدأت بالتقديم بذلك الصمت الغريب في المسرح، حتى بعد أن ينتهي الشاعر من قصائده المختارة هنالك تصفيق خجول. كنت أحاول أن أكون عفوية في التقديم، فبدا ذلك منفراً وغريباً، لقد تعوَّدت على أن أقول "الله" عندما يعجبني بيت شعري. لكنني لم أسمع أحداً يقولها ذلك اليوم، وعندما جربت دورهم في أمسية أخرى اكتشفت خوفي من التصريح بها نظراً لما قد تسببه من نظرات استفهام أو التفاتات. لا أريد أن أتغير، وإن فعلت فلن أعبر عن هذا التغيير حتى لا يقترب مني أحد. أحد الزملاء يقول إنَّ السبب في أننا -ويقصد بالضمير هنا (المنتمين إلى هذا المجتمع)- عاجزون عن التعبير عن مشاعرنا، وخجولين، وأنا لا أرى ذلك صحيحا؛ فالجميع يحب قائد بلادنا المفدى، ويعبر عن هذا، ولعل خروج الناس إلى الشوارع عندما عاد والاحتفالات التي كانت هناك لهي شاهد على ذلك؛ فلماذا لا نقول إننا هنا ونحب هذا دون ذلك أو العكس، حتى وإن بدا ذلك تغييراً في الوسط الذي سنعبر فيه عن ذلك.

اقترح عليَّ أحد أساتذتي قراءة كتاب أجدني معجبة به قبل قراءته عنوانه "الصيف الطويل"، حسنا لم أقرأ الكتاب حتى اللحظة، لكنني سأستخدم العنوان الذي أحب في السؤال التالي: ماذا لو أن صيفاً طويلاً حل علينا ولم تمطر؟

تعليق عبر الفيس بوك