حاتم الطائي
اعتادَ المتطرِّقون للأزمة الاقتصادية الناجمة عن التراجع الحاد لأسعار النفط -وإسقاطاتها على اقتصادنا الوطني- التركيزَ على جانب واحد عندما يجترحون الحلولَ؛ وهو: ترشيد الإنفاق، مُتجاهلين جانبًا آخر في منتهي الأهمية، والذي يمكن أن يشكل جسرا لتجاوز هذه الأزمة إلى شواطئ الأمان.
وقد انساقَ المجتمعُ -وبمختلف أطيافه- خلال الأشهر الأخيرة، وراء فرضية أنَّ الحلَّ للأزمة الاقتصادية الراهنة يكمُن في الحد من الصرف الحكومي وترشيد الإنفاق، والكل يُدلي بدلوه ما بين مؤيِّد ورافض لهذا الحل؛ فالرافضون يرون أنَّ فيه مساسا مباشرا بدخول ومعيشة المواطنين -باعتبار أنَّ مقترحات الترشيد تطال رفع الدعم عن المحروقات وبعض السلع الأخرى، وإلغاء العديد من بنود العلاوات...وغيرها من إجراءات- للسيطرة على العجز المادي في الموازنة العامة، والمقدر وصوله إلى خمسة مليارات ريال مع نهاية هذا العام.
والمتابع لهذه النقاشات وما يدور فيها، يستشفُّ أنها تتغاضى عن التطرق إلى حلول أخرى قد تكون أكثر إيجابية؛ مثل: تعزيز الدخل الوطني، ورفع كفاءة القطاعات غير النفطية، وزيادة الاستثمار الأجنبي؛ حتى تُسهم بشكل أكبر في زيادة الناتج القومي عبر تحديد أهم القطاعات التي ينبغي التركيز عليها.
ولابد في هذا السياق من التفكير في مصادر دخل إضافية تكفل مُضي سفينة التنمية إلى غاياتها، دون تأجيل أو إرجاء لمشروعات حيوية تسهم في خدمة المواطنين وتعزيز نهضة البلد؛ الأمر الذي يبث رسالة تُطمئن المواطن بأنَّ الحكومة تسعى جاهدة للمضي قدما في المسار التنموي والحفاظ على المكتسبات الوطنية، وأنَّها -الحكومة- لن تقبل المساس بالحاجات الأساسية والضرورية للمواطن.
نعم.. ينبغي التركيز في المرحلة المقبلة على تطوير الدخل القومي وزيادة مصادره -خاصة غير النفطية- والاستفادة من المقومات الطبيعية لبلادنا، عبر وضع إستراتيجية طموحة تهدف إلى رفع كفاءة القطاعات غير النفطية؛ والتي من أهمها: السياحة، والثروة السمكية، والصناعة، والتعدين، والمركز اللوجستي.
... إنَّ مستوى مساهمة هذه القطاعات الحيوية حتى الآن دون الطموحات بكثير، ولكي ننجح بشكل أكبر في ذلك لابد من عقد شراكات استثمارية دولية حسب نموذج الشراكة الذي تمَّ توقيعه أمس الأول لتطوير ميناء باجامويو بتنزانيا بشراكة صينية-عمانية.
كما أنَّ بلادنا تتمتع بسمعة طيبة دوليًّا؛ كونها دولة سلام، وتتمتع بعلاقات طيبة مع مختلف دول العالم -شرقاً وغرباً- الأمر الذي يُتيح لنا فرصة استثمار هذه العلاقات الطيبة، وتحويلها إلى فرص وشراكات، وترجمتها إلى مشروعات تعود بالفائدة على اقتصادنا الوطني.
فلو أخذنا اليابان ممثلة في شركة "تويوتا" مثلاً، فلِمَ لا تتم دعوتها إلى بناء مصنع لقطع الغيار على مستوى الشرق الأوسط -نظرا لحجم التداول الكبير لسياراتها في المنطقة- ضمن مفهوم الشراكة؟ ولليابان مصانع في مختلف دول العالم؛ مثل: الهند، وأستراليا، وأوروبا، عدا الشرق الأوسط، فلِمَ لا تكون هذه البادرة نموذجًا لشراكات عالمية في جذب الاستثمارات وخلق فرص وظيفية لأبنائنا؟
ويُمكن تعميم هذا النموذج مع دول متقدمة تكنولوجيًّا، على أن تقوم الصناديق العمانية بالدخول في شراكات معها؛ لإنشاء مشاريع ذات جدوى اقتصادية وقيمة مضافة.
كما يُمكننا التوجه إلى دولة مثل أستراليا -المتقدِّمة في التعدين- والدخول أيضا في شراكات معها، تقدِّم لنا بموجبها التقنية والمعرفة والخبرة الصناعية، بينما نساهم نحن بالمواد الخام والقوى العاملة...وغيرها من التسهيلات اللازمة لإنجاح مثل هذا النوع من الصناعات، على أن يسبق ذلك إعداد خارطة جيولوجية للمعادن العمانية التي ينبغي التركيز عليها.
... إنَّ خلق البيئة الجاذبة للاستثمار ينبغي أن يكون شغلنا الشاغل في الفترة الحالية؛ من خلال مراجعة قانون الاستثمار على وجه السرعة؛ لأنه تأخر كثيراً، وتشكيل فريق عمل مشترك بين القطاعين الحكومي والخاص؛ بغية القيام بدور رئيسي يتمثل في جذب الاستثمارات العالمية إلى السلطنة.
وهُنا؛ ينبغي أن يُوكل للهيئة العامة للترويج وتنمية الصادرات مهام أكثر فيما يتعلق بجذب الاستثمارات وعقد الشراكات بين عُمان والعالم، حتى وإن تطلَّب ذلك التخلِّي عن جزئية من مهامها المتعلقة بتطوير الصادرات لوزارة التجارة والصناعة؛ ليتسنى لها التركيز بشكل أساسي على جذب الاستثمارات والترويج للفرص الاستثمارية التي تتمتع بها السلطنة.
وفي الجانب الإجرائي، من المهم تفعيل المحطة الواحدة، وإعادة النظر في التعمين وتوجيهه بالشكل الأفضل، وتهيئة كافة الأمور المتعلقة بالبيئة التشريعية.
ويبقى القول.. إنَّ ترشيد الإنفاق من الأهمية بمكان، خاصة في الظروف الحالية التي يمرُّ بها اقتصادنا الوطني، إلا أنه ينبغي أن تُواكب جهودَنا في هذا الصدد، جهودٌ موازية لاستحداث مصادر ترفد اقتصادنا الوطني بدخول إضافية تساعده على عبور هذه الأزمة بأمان.