خطط طوارئ في أزمنة التقشف

علي المعشني

ماشدَّني وأجبرني للعودة مجددًا، والخوض في حديث التقشف والأزمة المالية التي تعيشها سلطنتنا الحبيبة -نتيجة انهيار أسعار النفط- رغم تناولي له في مقالات سابقة، هو معلومة طريفة وعلمية لشاب جزائري تقول:نطالب بتقليص عدد أعضاء البرلمان الجزائري إلى 15عضوًا فقط؛ لنتمكن من توفير مبلغ 200مليار دينار جزائري، تُمكِّننا من تشغيل 4 ملايين شاب عاطل عن العمل براتب شهري يقدر بـ500ألف دينار، المجلس الشعبي الوطني في الجزائر (البرلمان) يتكون حاليًا من 462 عضوًا.

على كل حال، حديثنا هنا ليس عن الجزائر الشقيقة وبرلمانها، بقدر ماهو حديث عام عن أوجه الإنفاق العام للدولة -أي دولة- وأهمية معرفة الثابت والمتحول فيه، والضروري والكمالي منه. ففي مقالات سابقة تحدثنا عن مسلمات تغيب -على مايبدو- عن أذهان مخططي السياسات المالية في السلطنة، حيث نجتر ذات الحلول ونعيد ذات المخاوف عند أول إخفاق لنا، وهذا الإخفاق على الدوام هو الاعتماد شبه الكلي على النفط كمصدر وحيد للدخل، وأثر ذلك على الإقتصاد الوطني والسلم المجتمعي للدولة. والأمر الآخر هو عدم وجود خطة طوارئ تواكب كل موازنة سنوية وكل خطة خمسية لتجنب العثرات وتجاوز المخاطر المحسوبة أو الساقطة من الحساب كحالة تذبذب وانهيار أسعار النفط بخلاف الدين والسحب من الاحتياط.لن نعيد اجترار الحديث المُمل والمسلم به بضرورة البحث عن تعدد مصادر أخرى بديلة للنفط، خاصة لدولة تنضح بالخيرات الطبيعية والبشرية كالسلطنة، والتي لاتحتاج سوى إلى إدارة رشيدة لتلك الموارد، ولكننا سنخوض في معالم بعض خطط الطوارئ المتاحة لنا ووفق الممكنات دون المساس بالثوابت المالية أو المفاصل التنموية المهمة أو تعطيلها.فالإنفاق العام وهاجس التقشف وحلول وبدائل انهيار أسعار النفط، لم تعد شأنا ولا هاجسآ حكوميًّا محض، وكما كانت عليه الحال قبل بضعة سنين، ولم يعد همًّا وهاجسًا مؤسسيًّا حصرًا، بل أصبح همًّا وهاجسًا شعبيًّا واسعًا في التشخيص والحلول، وحين تصبح القضايا شأن رأي عام وبهذا الحجم والسعة، لاتجد الحكومات الفاعلة في العالم، بُدًّا من سرعة العلاج ودقته وحكمته، لتلبي مطلب الشارع وتعيد المخاوف والأوضاع إلى نصابها وحجمها الطبيعين،كون السياسة في لبها وعمق مقاصدها هي تلبية مطالب السواد الأعظم من الناس، حتى يساهم الجميع في المسؤولية ويتساوون في النفع.معلومة ورسالة الشاب الجزائري استفزَّتني كثيرًا وجعلتني أبحث عن إسقاط لها في واقعنا العُماني، وبالتحديد عن أوجه الهدر والإنفاق من المال العام، وإمكانية طرق حلول ذكية وغير مسبوقة بعضها آني ومرحلي كمقترح الشاب الجزائري، وبعضها بعيد المدى وإستراتيجي كالبحث الجاد عن بدائل للنفط كمصادر دخل إضافية، شريطة ألا تكون تلك البدائل من فصيلة الاقتصادات الطفيلية والهامشية كالخدمات والعقار والأسهم والسياحة بأنواعها، بل باعتماد الاقتصادات ذات القيمة المضافة العالية والتي تعتمد الصناعة والزراعة والتنمية البشرية كركائز ثابتة لها.

أكاد أُجزم بأنَّ تقليل ساعات الدوام الرسمي وضغطها إلى 4ساعات بدلًا من 8ولمدة عامين فقط، مع التسريع بخُطى الحكومة الإلكترونية،سيوفر على خزانة الدولة مبالغ خرافية تغنيها عن التفكير في وسائل أخرى غير آمنة لمواجهة العجز. فذلك الضغط سيوفر النصف (بالمنطق)من نفقات استهلاك الماء والكهرباء والهاتف والمحروقات في الوحدات الحكومية، وسيتبع ذلك تلقائيًا، ضغط نفقات الضيافة، والصيانة للمركبات والمباني والأجهزة واستهلاك القرطاسية والأدوات المكتبية.فنحن بطبيعة الحال دولة تعتمد الاقتصاد الريعي الأحادي الدخل، وهذا النوع من الاقتصادات تستهلكه بإفراط أوجه الإنفاق غير المتجددة، كالرواتب والعلاوات وماذكرناه آنفًا. ويتعاظم بفعل التقليل من ذلك الإنفاق الاستهلاكي وباعتماد ضغط الوقت وكثرة الإجازات الرسمية وطولها كذلك.بينما يقع الضرر كبيرا من جراء تقليص الوقت والإجازات على الاقتصادات العميقة المتنوعة والتي تقدر مداخيلها بالساعة، وليس بالبراميل.بكل تأكيد حين نقدم على خطوة استثنائية كهذه، لابد لنا من دراسة وافية وعميقة لعدم الإضرار بالخدمات الضرورية والأساسية للمواطن، كالخدمات الصحية والتعليمية والمؤسسات القضائية والأمنية، وتحديد آليات عمل الوحدات ذات الطابع الخدمي، والاعتماد على الكيف بدلًا من الكم، عبر بسط الخدمة وتفشيها وتيسير الحصول عليها من قبل المعنيين. قد يكون المقترح بالنسبة للبعض غير منطقي من زاوية هذا ماوجدنا عليه آباءنا الأولين، وغير ممكن من زاوية الذين يقارنوننا باليابان وكوريا ومشبعين بالنظريات ومغرمين بالترويج لها من باب الوجاهة الفكرية، ولكنني أعتقد جازمًا -وسيؤيدني الكثير- بأننا في مرحلة مفصلية استثنائية تتطلب منا حلولًا استثنائية وغير تقليدية.

كما يجب ألا يغيب عن أذهاننا أنَّ الإجازات وتقليص وقت الدوام، إن ظهر لنا بأنه مضر بالقطاع الخاص في المدن الكبرى كمسقط مثلًا، فإنه ينعش بالضرورة والنتيجة الأطراف، وهي الأنشطة التجارية في الولايات بفعل التوافد البشري وتحول القوة الشرائية المؤقتة، والتي تقتات في الغالب على التجارة الموسمية.

يقول لي صديق أثق كثيرًا بعقليته الاقتصادية وقدرته التحليلية: "إن دخل السلطنة والمتمثل اليوم في 35 مليار دولار سنويًّا، يمكن مضاعفته خلال أعوام وجيزة، بفعل تحسين الجودة ورفع سقف الإنتاجية، دون الحاجة إلى إنفاق ريال واحد إضافي!! فهذا الرقم هو نتيجة ساعتين أو ثلاثة فقط من العمل اليومي الجاد".

---------------------

قبل اللقاء:"الغريب أنَّنا نتحدث عن أهمية الوقت في تعزيز الدخول وتعظيم الاقتصاد، في الوقت الذي يُهدر القطاع الخاص بشقه الخدمي4ساعات يوميًا "فترة الظهيرة"، ويقلل من فرص ربحيته رغم تغيُّر أنماط الحياة وتسارع وتيرتها!! يُضاف إلىذلك عدم ولوجه لعالم التجارة والتسويق الإلكتروني كما ينبغي ويُفترض منه".

وبالشكر تدوم النعم.....!

Ali95312606@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك