رسالة الإسلام الحضاري

حاتم الطائي

فِي الوَقْت الذي يَتَصَاعد فيه مدُّ حركات التطرُّف الدِّيني في المنطقة -بمُختلف أشكاله وصوره- تُقدِّم عُمان للعالم نموذجًا حضاريًّا قائمًا على التَّسامح، ومُرْتكِزًا على المشترك الإنساني.

ويُعتبر مَعْرض "رسالة الإسلام" -الذي تُنظِّمه وزارة الأوقاف والشؤون الدينيَّة، والذي جَابَ حتَّى الآن أكثر من 72 مدينة في العالم في أكثر من 26 دولة- مُجسِّداً لجانب من هَذِه القِيم، ومُبشِّراً بمبادِئ الإسلام الحقيقيَّة والأصيلة التي كانتْ جَوْهَر الحضارة الإسلاميَّة، ومُرسِّخاً للصُّورة الإيجابيَّة عن الدِّين الخَاتَم.

يُقدِّم "رسالة الإسلام" أفْضَل ردٍّ على حَمْلة تشويه الإسلام وقِيَمِه النَّبيلة -خاصَّة في الإعلام الغربي- حيثُ تنتشرُ الصُّور السلبيَّة عن الإسلام، والتي تُغذِّيها حَرَكات التطرُّف المختلفة؛ مثل: "داعش"، و"النصرة"، و"طالبان"...وغيرها من جَمَاعات مُتأسلمة تنتشرُ فِي منطقتنا، وتمتدُّ ذيولها إلى مختلف دول العالم.

جاء "رسالة الإسلام" ليقول للعالم هذا هو الإسلام الحضاري، دينُ التَّعارف والتَّسامح الذي أقرَّ التعدديَّة قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، وأبَاحَ حُريَّة المعتَقَد؛ ليطرح نموذجًا مُتقدِّماً للتَّعايش ضِمْن مفاهيم المساواة والعدالة الاجتماعيَّة.. وهي القيم ذاتها التي نَادَى بها النبيُّ الكريم -صلَّى الله عليه وسلم- وهو يُؤسِّس دولةَ المدينة الأولى في أعقاب الهِجْرة النبويَّة الشَّريفة التي نستظلُّ هذه الأيَّام بذكراها، وهي مُناسبة جديرة بأن نستلهمَ دروسها، ونستدعي عِبَرها؛ كَوْنها ضربتْ أروع الأمثلة في التَّسامح والتَّعايش ودورهما في بناء قِيَم سامية لمجتمع جديد، بعيداً عن الصِّراع والثأر والقبليَّة؛ فالهجرة أرستْ مبادئَ وأسسًا حضاريَّة قامت على العدالة والمساواة؛ فقد كان أول ما فعله النَّبي لدى وصوله إلى يثرب أنْ قام بتغيير الاسم إلى المدينة؛ كونها تَجْمع مُختلف الطَّوائف والأديان والقبائل تحت لواء المساواة والعدالة والتعايش، وآخى بين المهاجرين والأنصار، كما صالح بين الأوس والخزرج، وأبرم -عليه الصَّلاة والسلام- وثيقة المدينة بين المسلمين واليهود؛ على أن يكون للجميع حقُّ حُريَّة العبادة والرأي والاعتقاد.. وتمَّ تطبيق بنود الوثيقة على الجميع دون استثناء، ودون تفرقة، كما عمل -صلى الله عليه وسلم- على بناء مجتمع قوامه التَّآلف والمحبَّة والعدالة الاجتماعيَّة؛ ليؤسِّس بذلك لمفهوم المواطنة التي تعني في معناها البسيط "تحديد الحقوق والواجبات لجميع أفراد المجتمع دون تمييز، بغضِّ النَّظر عن معتقداتهم أو دياناتهم".

واتِّساقا مع نبراس هذه السِّيرة العطرة، انطلقَ معرض رسالة الإسلام، ليُطل علينا هذه المرة من منبر "اليونسكو" في قلب عاصمة النُّور؛ ليُثري الحوار الحضاري، ويُسهم في إغناء رسالة المنظمة كملتقى لأطياف التَّنوع الإنساني والحضاري.

... إنَّ احتفاءَ "اليونسكو" بـ"رسالة الإسلام"، والإقبال الكبير الذي حَظِي به المعرض من قِبل مسؤولي المنظمة والجمهور الفرنسي، يُؤكد نجاحه في تقديم الإسلام الحضاري القائم على التَّسامح والتعايش بين الحضارات، سيما وقد ركَّزت معروضاته على إبراز معاني الأخوَّة الإنسانيَّة؛ من خلال اللوحات التشكيليَّة والكتب التي تُبرز دَوْر عُمان الحضاري، وحرصها على التَّواصل الإنساني عبر التاريخ.

ويُعدُّ توقيت المعرض مُلائما بكل المقاييس، في ظلِّ اشتداد الهجمة الظلاميَّة التي تستهدف مُجتمعاتنا العربيَّة والإسلاميَّة، وما يُصاحبها من تأجيج طائفي وتوتر وصراعات، تلقِي بظلالها السلبيَّة على صورة الإسلام والمسلمين في المجتمعات الغربيَّة.

ومن هُنا، فإننا نُجمل القول بأنَّ رسالة عُمان إلى العالم هي رسالة حضاريَّة وإنسانيَّة تستمدُّ جُذورها منذ فجر الإسلام، ليقوم العمانيون بدورهم الحضاري في نشر الإسلام بكافة رُبوع المعمورة، بالقدوة الحسنة والأخلاق الفاضلة والقيم النبيلة وحسن المعاملة كتجار وبحَّارة -كما كانت الحال في الهند والصين وزنجبار ودار السلام- فقد عملوا على نشر رسالة الإسلام دون إكراه أو تشدد أو مغالاة، في أجواء من السلام والمحبة والتوافق بين الشعوب، وهي ميزة إنسانيَّة في غاية الأهميَّة تأخذ أبعادها من كون الاختلاف والتنوع سُنة الحياة. ويبقَى التحدِّي في التركيز على بناء العلاقات الإنسانيَّة، وتبقَى رسالة عُمان هي رسالة الإسلام الحضاري بقِيَمِه السَّمحة وتعاليمه السامية.

تعليق عبر الفيس بوك