أزمة صناعة الكتاب العربية

عبيدلي العبيدلي

لفت نظري وأنا أتصفح موقع الأخبار التي ينشرها محرك "غوغل" على الإنترنت تصريح رئيس مجلس إدارة شركة جرير للتسويق في السعودية محمد العقيل، في مقابلة مع قناة "العربية"، الذي أشار فيه إلى أنّ "الشركة خصصت 150 مليون ريال استثمارات، للتوسع بفتح 7 إلى 8 فروع داخل السعودية وبعض دول الخليج، منها فرع في الكويت، (مضيفاً) وسجل صافي أرباح شركة جرير للتسويق ارتفاعاً وصل إلى 620.4 مليون ريال في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي 2015، مقابل 539.6 مليون ريال بنسبة ارتفاع بلغت 15%.". لكنه استدرك منوها إلى أن "زيادة أرباح جرير للربع الثالث، (يعود) إلى ارتفاع قوي في مبيعات الأجهزة الإلكترونية، ممتنعا عن تحديد قيمة مبيعات تلك الأجهزة".

أثارت تلك الأرقام التي وردت في المقابلة مسألتين هما: أن مصدر الارتفاع في نسبة أرباح مكتبة جرير، وهي ناشر أيضًا، يعود -ربما في معظمه - إلى الزيادة في مبيعات الأجهزة الإلكترونية، ومن ثم فمن الخطأ اعتباره مؤشرا على تنامي صناعة الكتاب العربية. ثانيهما واقع صناعة الكتاب العربي، التي تحظى بما يشبه الإجماع على أنها تعاني من مشكلات حقيقية تؤكد على وجود "أزمة" ملموسة تعيشها هذه الصناعة. وهو أمر تثبته تصريحات الناشرين، وتكشف عنه العديد من الدراسات الأكاديمية التي عالجت هذه المشكلة.

مدرس المعلومات بقسم الوثائق والمكتبات والمعلومات بكلية الآداب بجامعة المنصورة، يقول في دراسته المعنونة "تسويق الكتاب العربي: دراسة للواقع واستشراف المستقبل، معتمدا على دراسة ميدانية قامت بها منظمة "اليونيسكو"، ومؤكدا على تلك الأزمة الطاحنة التي تُعاني منها هذه الصناعة العربية، "إن إنتاج الكتب التقليدية (العربية بطبيعة الحال) في البلدان العربية لم يتجاوز 1.1 % من الإنتاج العالمي، رغم أنّ العرب يشكلون 5% من سكان العالم".

ويورد موقع "دار الكتب"، ما هو أسوأ من هذه النسبة، حيث يشير إلى أنّ نسبة إنتاج الكتب العربية لا تتجاوز " 1% من الإنتاج العالمي على الرغم من أن نسبة سكان الوطن العربيتبلغ 7% من سكان العالم".

ويرجع بعض الناشرين العرب أسباب المشكلة إلى الناشرين العرب أنفسهم، حيث يتحدث مؤسس دار الجمل للنشر خالد المعالي، إلى محطة "راديو سوا، فيشير"إلى أن أهم المشكلات التي ترزح تحتها طباعة الكتاب العربي ونشره منذ نشأتها هي الناشر العربي نفسه، فأغلب الناشرين العرب لا يفكرون بطريقة إيجابية، ليس هناك ناشرا يمكن أن يقدم كتباً أساسية ويغامر بالاصطدام بكل الحواجز الثقافية والاجتماعية والرقابية في العالم العربي".

ويحذر، في اللقاء ذاته، مدير المبيعات في دار الشروق للنشر مصطفى الفرماوي، من أن المستقبل لا يحمل في طياته ما هو أفضل من الحاضر، إذ يؤكد على "أن الانكماش الراهن في النشر أتى على حساب الازدهار الذي شهدته صناعة الكتاب في مصر خلال السنوات السابقة، مشيراً إلى أن حركة النشر قبل الثورة كانت كبيرة فصناعة الكتاب العربي تعاني من مشكلات مزمنة ما يزيد من وطأة تداعيات الربيع العربي، ويؤدي بالتالي إلى انحسار النشر في عدد من البلدان العربية واقتصاره على موضوعات محددة".

أما الكاتب الصحفي عبد الله أحمد فيرى، بخلاف من سبقاه، أن "المشكلة الرئيسية التي تواجه صناعة الكتاب في الوطن العربي هي أن عدد القراء العرب قليل جداً بالقياس إلى ما يجب أن يكون عليه الحال، ويعود ذلك إلى عوامل عدة أهمها: تفشي الأمية والتي تزيد نسبتها في كثير من الدول العربية على 50%، وعدم الوعي الكامل بأهمية القراءة ودورها الرئيسي في التطوير الفكري والثقافي". وهذه أمر تؤكده العديد من الدراسات التي تشير "إلى أن نسبة الأمية في الدول العربية تصل إلى 70%، وفي مصر تصل نسبة الأمية إلى 45% حيث تبلغ نسبة الأمية بين النساء 60% وتصل نسبة الأمية بين النساء في بعض المناطق الريفية بصعيد مصر إلى أكثر من 90%، وبين الذكور 36%، كما احتلت مصر المرتبة الأولى بين الدول العربية من حيث انتشار الأمية، ثم تلتها السودان والجزائر والمغربواليمن".

بدوره يشير موقع "دار الكتب" الإلكتروني، إلى سبب يستحق التوقف عنده، وهو انخفاض نسبة المكتبات العامة مقارنة بنظيراتها في الدول التي يقدم سكانها على القراءة، ويأخذ عينة من واقع المكتبات العامة في مصر، حيث بلغ "إجمالي المكتبات بمصر 1796 مكتبة، منهم 1127 مكتبة عامة و 415 مكتبة متخصصة و 254 مكتبة أكاديمية بجانب دار الكتب والوثائق القومية، (مضيفا) وعلى الرغم منأن المعايير الدولية توصيبإنشاء مكتبة لكل ستة آلاف مواطن نجد أنّ كل مكتبة من المكتبات العامة بمصر تخدم 62.111 مواطناً، وهذا يعنيأن العجز الموجود بالمكتبات العامة بمصر يصل إلى 10.540 مكتبة ".

ويرصد موقع "مجلة فكر" الإلكتروني مجموعة من الأسباب التي ما تزال تشكل عقبات حقيقية أمام تقدم صناعة الكتاب العرب، نختار الأهم منها، ونرصدها في النقاط التالية:

- تدني مستوى عدد كبير من الكتب المنشورة.

-الرقابة بمختلف أشكالها: السياسية والاجتماعية، والدينية.

-انتشار ظاهرة السرقات الأدبية (القرصنة) والاعتداء على حقوق المؤلف والناشر.

-انتشار وسائل الإعلام الجماهيرية كالإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما، وأخيرًا وسائل التواصل الاجتماعي.

-العلاقة غير السليمة بين المؤلف والناشر الموزع والقارئ.

-انتشار شبكات المعلومات والنشر الإلكتروني.

وبعد كل ذلك، ربما يحق لنا أن نستفسر من رئيس مجلس إدارة شركة جرير للتسويق في السعودية محمد العقيل عن نسبة الأرباح المحققة من بيع الأجهزة الإلكترونية، مقارنة بنظيرتها من الكتب التقليدية.

تعليق عبر الفيس بوك