الشورى والواجب الوطني

حميد السعيدي

الدورة الثامنة لاختيار أعضاء مجلس الشورى تمر بمرحلة تنكشف خلالها العديد من الأحداث التي تحتاج لقراءة وتحليل، خاصة وأننا أمام مناسبة وطنية تتطلب منا كمواطنين أن نكون على قدر عال من المسؤولية الوطنية، مما يتطلب القيام بواجبنا الوطني في اختيار الكفاءات التي يحق لها أن تمثلنا تحت قبة الشورى، فالشارع العُماني يمر بمرحلة من الحوار الهادف بغية الوصول إلى الطريقة المثلى في اختيار عضو مجلس الشورى، مع أن المجتمع أصبح بمستوى عالٍ من النضج الفكري والوعي الاجتماعي، والمسؤولية الوطنية، خصوصا وأن عملية الاقتراع يُتوجب معها أن تكون على مستوى عالٍ من المسؤولية الوطنية التي تفرض عليها الاختيار المناسب وفقا لمعايير وطنية قائمة على اختيار المترشحين الذي يمتلكون من المهارات والخبرات الاجتماعية والعلمية، والمقدرة على الحوار المنطقي، والرؤية البرلمانية الهادفة، وليس وفقا للتوجهات والمؤثرات الخارجية والتي تخرج عن نطاق المسؤولية الوطنية ويصبح الناخب تحت تأثيرها مما يضرُّ كثيرا باختيار المرشحين الذين لا يستحقون أن يُمثلوا المجتمع العُماني؛ لأنَّ أهدافَهم الخاصة أكثر رغبة في تحقيقها من تحقيق الأهداف الوطنية، وهذا ما أثبتته الدورات السابقة؛ حيث غاب معظم الأعضاء عن المجتمع ومشاكله، ولم يُروا إلا خلال الفترة الماضية التي تسبق الانتخابات؛ مما يعطي مؤشرات على أنَّ المصلحة الخاصة كانت هي الغاية، فظهرت بعض الملامح المتمثلة في ضعف مقدرة الأعضاء على تحقيق ما يطمح إليه المجتمع من نقل الصورة الحقيقية لاحتياجاتهم، ومتابعة القضايا الوطنية ومعالجتها.

... إنَّ المجتمع اليوم يتحمل المسؤولية العظمي في اختيار الأعضاء، فهو من يصنع تلك الشخصية لتعتلي ذلك المنصب، وهو القادر على استبعادها وفقا لرؤيته القائمة على المعايير الوطنية؛ ففي ظل ما وصل إليه المجتمع من مستوى تعليمي وثقافي، فهل يستطيع القيام بذلك؟ وهل هو مدرك لمعنى أن يصيغ معايير وطنية لاختيار المترشحين لعضوية المجلس؟

الاستطلاع الذي أجرته مبادرة "الشورى 8" كشف العديد من المؤشرات التي تعطي لنا صورة من الواقع الحالي؛ حيث أظهرت النتائج أن 72.4% من الناخبين العمانيين لم يطلعوا على البرامج الانتخابية للمترشحين، و40.6% منهم لا يثقون بها إطلاقاً، ارتفاع نسبة من لا يثق في البرامج الانتخابية للمترشحين، يعطي دلالة على أنهم لن يذهبوا لصناديق الاقتراع، ومن سيذهب إلى هناك فقط للبحث عن ورقة الإجازة، وهذا ما لاحظته في الدورة السابعة حيث كنت ضمن لجان تنظيم صناديق الانتخابات، ويرى الكثير من المثقفين أن وصول بعض الأسماء لمجلس الشورى وفقا لعوامل قبيلة أو مالية يفقد المواطنين الثقة في تحقيق المجلس للأهداف والرؤى الوطنية، لهذا نجد أن نسبة عدم معرفة الناخبين بالبرامج الانتخابية مرتفعة، هذا إذا كانت هناك في الأصل برامج للمترشحين!

كنتُ أعتقد أنَّ الفترة الحالية ستشتعل بالحملات الإعلامية وسيصبح الشارع العُماني مغرما على حضورها ليتعرف على البرامج الانتخابية والأهداف التي يسعى المترشحون للوصول إليها، إلا أنني لا أرى إلا تلك اللوحات الإعلانية التي تُعلَّق هنا وهناك، وتضم كلمات قصيرة لا أعرف معناها وغايتها، إلا أنه هناك بورصة أخرى تشتعل في الخفاء وهي شراء أصوات الناخبين والتي اشتعلت ارتفاعاً خلال الأيام الماضية مستهدفه فئة معنية كطلاب الدراسات الجامعية والكليات، والفئات المحتاجة وذوي الدخل المحدود، فالبعض يرى أنها تنافسية جميلة لأنها تمثل دخلا مناسبا يحصل عليها الناخب من هذا وذاك، وكلما صار المبلغ أكثر ارتفاعا كان الصوت يتجه إليه أكثر... إنَّها قاعدة الانتخابات الحالية.

إنَّنا كمجتمع وطني اليوم يتوجَّب علينا أن نتحلى بالمسؤولية الوطنية وأن نكون عند الندى الوطني، والذي يفرض علينا أن تكون المصلحة الوطنية هي المعيار الذي يتوجب التمسك به في اختيار الأعضاء، لطالما أننا نرغب في معالجة العديد من الإخفاقات التي حدثت خلال الدورات السابقة بالرغم من كل التشريعات والصلاحيات التي منحت للمجلس، إلا أنها لم تستطع أن تحقق طموحات الوطن؛ فظلت رهينة نفسها، وهذا السبب الرئيسي في أننا كمواطنين لم نكن عند الواجب الوطني فكانت الاختيارات ذهبت بعضها لأعضاء لم يتمكنوا من القيام بواجبهم الوطني في مجلس الشورى؛ لذا فإن هناك العديد من المثقفين ممَّن يرون أن المجلس بعيد عن أهداف الوطنية، وهذا جانب مؤثر لأن هذه الفئة اختياراتها قائمة على مدى قناعتها بأن المترشح قادر على القيام بواجبهأم لا.

لذا؛ فإنَّ نزاهة الانتخابات البرلمانية تعتمد على مقدرة المواطن على الاختيار الصائب؛ لأن اختياره للمترشح المناسب هو ما يساهم في إحداث التطور في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية في البلد. وعلى العكس من ذلك، فالاختيارات التي تأتي نظرا لتأثيرات معينة، لن تحقق إلا مصالحها الخاصة، وتصبح مصلحة الوطن ثانوية وليست رئيسية لان الأهداف أصبحت متشوهة بالحقائق المزورة.

أننا ننظر للدورة الحالية وفي ذواتنا كمواطنين الكثير من الآمال والرؤى والطموحات الوطنية والتي يصبح فيها المواطن شريكا حقيقياً في صناعة مستقبل هذا الوطن، والوقوف إلى جانب القيادة العليا في مساندته الإيجابية، ومشاركته في اتخاذ القرارات والسياسيات الوطنية التي تحقق طموحات الوطن.

Hm.alsaidi2@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك