التوجيه الصائب للنزعات الإنسانية

علي بن كفيتان بيت سعيد

لكل إنسان ذاته التي تميزه عن غيره من البشر ولقد احتار علماء الاجتماع والنفس في تصنيف الذوات الإنسانية وهل الذات مرتبطة بالروح أم هي سلوك بشري بحت أم هي طموحات أم نزوات خفية يطلقها الجسم البشري. في الحقيقة هناك من يعرف ذلك بشكل يومي من خلال قوله أبحث عن تحقيق ذاتي فالذات بهذا المنطق موجودة في مكامن البشر الداخلية منذ ولادتهم ولكن الإنسان بعد اكتمال نموه يرغب في تحقيقها.

وقد ذهب بعض العلماء إلى أنّها الروح الموهوبة من الخالق عز وجل هي قرينته منذ نفخ الروح في الجسد وحتى لحظة صعودها للسماء عند وفاته وربما هي خليط من الطموحات والمواهب والنزوات معاً تتصارع داخل الإنسان وفي النهاية تغلب الصفة الأساسية للذات على كل مخلوق فهناك الطامح وهناك الموهوب وهناك الباحث عن الظل والدعة والراحة.

يقول أحد المتخصصين في هذا السياق إنّ الدولة تشكل المجتمع وتوجه الذات البشرية للناس فعندما تكون الدولة أو النظام لديه أهداف يستطيع أن يجند الناس لتلك الأهداف والطموحات وضرب مثل بالشعب الياباني والألماني فقبل الحروب العالمية كان الشعبان يبحثان عن مكاسب سياسية استعمارية وجندا كل الطاقات لذلك فبرع الشعبان في التصنيع الحربي وتجنيد الجيوش ولكن بعد نهاية الحرب ظهرت هناك ذات جديدة بحثت عنها الدولتان فوجهتا رعاياهما للبحث العلمي وللتصنيع السلمي واستطاعت الدولتان في أقل من نصف قرن العودة للواجهة البشرية كدول وشعوب رائدة للتكنولوجيا الحديثة وأصبحتا تمتلكان أقوى الاقتصادات العالمية.

من هنا تتجلى فكرتان هامتان وهما قدرة الشعوب على تكريس ذاتها لتحقيق أهدافها والتأقلم لتغيير تلك الذات متى ما وجد أن توجهها يسير في الاتجاه المعاكس لتحقيق طموحاتها وهو ما يعرف بالمرونة في التحول عند علماء الاجتماع.

وفي الجانب الآخر تبرز أهمية وجود حكومات أو أنظمة سوية تكرس كل طاقتها لتوجيه الذات البشرية لمواطنيها لما يخدم أهدافها السامية ولخدمة الإنسانية جمعاء بعيدًا عن التذكير بالماضي السعيد المزدهر أو المؤلم الذي عاشته تلك الشعوب ولن يعود بنفس صورته مجدداً لأن كل المعطيات تغيرت ولا شك أنّ واقعنا العربي اليوم يفتقد لتوجيه الذات فماذا نريد أن نكون؟.

هناك من ينادي بالعروبة وآخر بدولة إسلامية وغيرهما بالعلمانية وهذه كلها اختلافات في ذات ما نُريد وكلها أهداف شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع ولا زال هناك صوت خفي ينادي بالواقيعة الذاتية التي لا تأتي إلا إذا كنّا صادقين مع أنفسنا وقيّمنا الموقف العربي بشكل نزيه ومحايد على سبيل المثال يجب الاعتراف بوجود تدهور اقتصادي، وتحول أخلاقي غير حميد، أفرز أشكالا متناقضة من الذوات الإنسانية والجميع فقد حاسة السمع والتمعن والتدبر وأطلق للسانه العنان.

كمواطن عربي لا أجد نفسي وأبحث عن ذاتي في اليوم عدة مرات أين نذهب بماذا نفكر مع من نصطف هناك من يطلب المال وآخر السلاح وآخر الموقف السياسي وآخر لديه أجندة دينية هذا هو المزيج اليوم.

الوقوف محايداً هو الحل الأمثل إذا كانت ذاتك الإنسانية لا زال فيها رمق أو لم تنغمس في ارتكاب الأخطاء تجاه الآخرين وحكومة صاحب الجلالة -حفظه الله ورعاه - تثبت لنا كل يوم أنّها تقيّم الأمور من منظور عقلاني من حيث الوقوف على مسافة واحدة بين الجميع والاعتزاز بذاتنا السمحة الرزينة غير المنجرفة خلف الشعارات البراقة.

لقد وجّه مولانا -حفظه الله - ومنذ بزوغ فجر النهضة المباركة الذات العُمانية للركون إلى حب الخير والعفو والسماحة بعيدًا عن الانتقام والكره وبالفعل نجد العمانيين اليوم يحملون معظمهم هذه الصفات الحميدة ويلقون إشادة المجتمع البشري بمختلف أطيافه.

حفظ الله قابوس وأمدّ في عمره وحمى عمان وأهلها من الشرور والمحن.

 

 

alikafetan@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك