القصف الجوي الروسي والتشكل السياسي الجديد للمنطقة

عبيدلي العبيدلي

تدخل ساحة الصراع السوري مرحلة جديدة توحي باحتمال انقلاب الموازين فيها بشكل دراماتيكي لصالح نظام بشار الأسد، وتحالفاته، جراء التدخل الروسي العسكري المباشر عن طريق سلاح الطيران. فقد تناقلت وكالات الأنباء " شن القوات الروسية ثماني ضربات جويّة في سوريا بطائرات (سوخوي) أثناء الليل"، (شملت) المناطق التي ليست خاضعة لسيطرة التنظيم المتطرّف(داعش).

فكما ورد عبر قناة "الميادين" التلفزيونيّة فإنّ "الطائرات شنّت 30 ضربة على الأقل ضد تحالف لمقاتلي المعارضة يُعرف باسم (جيش الفتح)، الذي يضم (جبهة النصرة)، جناح تنظيم (القاعدة) في سوريا، ولا يضم تنظيم (داعش)".

يُعد هذا القصف، رغم محدوديته عسكريا، تطورا نوعيا في الحضور الروسي في معادلة موازين القوى السورية، وربما الشرق أوسطي، لأربعة أسباب رئيسية: أولها كونه الأول من نوعه منذ اندلاع الأزمة السورية، حيث تحاشت موسكو التدخل العسكري المُباشر، واكتفت موسكو -طيلة الفترة الماضية -بمد القوات السورية الرسمية بما تحتاجه من معدات عسكرية، ومستشارين عسكريين، سوية مع الدعم السياسي للنظام السوري، ثانيها، تحاشي موسكو، بشكل واعٍ مقصود، أن تشمل هذه المرحلة من التدخل قصف المناطق التي يُسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، رغم تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمره الصحفي الذي عقده يوم الخميس الماضي (01/10/2015) "أنّ أهداف العملية الروسية في سوريا هي مكافحة الإرهاب، لا دعم أي من القوى السياسية، (مؤكدا) في هذا السياق أن روسيا تستهدف في سوريا (جبهة النصرة) و(الدولة الإسلامية) وغيرها من التنظيمات الإرهابية"، ثالثهما، انفراد موسكو بهذه العمليات الجوية المكثفة، واستقلالها عن عمليات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تلك التنظيمات "الإرهابية"، أما الرابع، وهو الأكثر أهمية على صعيد موازين القوى بين الأطراف الإقليمية الضالعة في صراعات الساحة السورية، فهو تصاعد الحديث عن استفادة طهران من هذه الخطوة الروسية لتعزيز حضورها السياسي بعد العسكري في خارطة القوى الفاعلة في تلك الساحة.

ودون التقليل من خطورة التدخل الأجنبي بكل أشكاله في ذلك الصراع، لكن يبقى الإيراني منه هو الأكثر خطورة نظرًا للأسباب التالية:

1-إنه يأتي في وقت يشهد فيه التوسع الإيراني انتشارا ملحوظا ليس في ساحة الشرق الأوسط، فحسب، وإنما على الصعيد الدولي كافة، وعلى وجه التحديد في المناطق المتاخمة للشرق الأوسط مثل بعض الدول الإفريقية. فهناك الصفقة النفطية بين طهران وأسمرا، يتم بموجبها "منح إيران الحق الحصري في الإشراف على تطوير وصيانة وعمل شركة تكرير النفط الإريترية المعروفة باسم (مصفاة عصب)، على أن تقوم إيران بتكرير النفط في هذه المصفاة وإعادة تصديره إلى إيران التي تستورد أكثر من 40% من نفطها المكرر، وهو ما يساعد إيران على اختراق أي حظر دولي على توريد مشتقات نفطية إلى إيران عندما تشتد العقوبات الدولية عليها". وتحفل مقالة الباحثة المصرية سها إسماعيل محمد، الموسومة "السياسة الإيرانية في إفريقيا"، المنشورة في الدورية المتخصصة "رؤى مصرية"، بمعلومات غنية تكشف هذه النزعة التوسعية الإيرانية في القارة الإفريقية. وتشير تقديرات بعض التقارير المتحفظة "إلى أنّ حجم التبادل التجاري بين إيران والدول الإفريقية يصل إلى حوالي 300 مليون دولار سنوياً".

2- يتزامن ذلك التوسع الإيراني مع تمدد موازٍ له يشمل بعض الدول العربية ذات الأهمية الإستراتيجية مثل السودان. فقد اتفق البلدان، إيران والسودان في العام 2012، كما تورد الكاتبة نسرين قصاب، على البحث عن "سبل تحقيق تطلعات بلديهما في التطوير والتنمية في مواجهة محاولات الغرب لإعاقة النمو الاقتصادي، وقد وقعا عدداً من الاتفاقيات الاقتصادية بقيمة 400 مليون دولار". وعلى الصعيد العسكري، وكما يورد موقع مركز المزماة للدراسات والبحوث الإلكتروني "أقام الحرس الثوري الإيراني مصنعاً لإنتاج الأسلحة في الخرطوم يُعرف باسم (مصنع جياد) تنفيذاً لبند في اتفاقية الدفاع التي وقعت بين البلدين عام 2008، والتي صاحبها وصول 169 خبيراً إيرانياً في سلاح الطيران والدفاع الجوي والحرب الصاروخية، إلى السودان للعمل في إدارة قاعدة الخرطوم العسكرية الجوية لتجهيز الطائرات وتقديم الخدمات الفنية".

3-يتم تنامي الحضور الإيراني، بشقيه السياسي والعسكري، المُباشر فوق الساحة السورية في وقت لا تتراجع فيها العلاقات الإيرانية - الإسرائيلية. هذا ما تكشف عنه مقالة خلف الحبتور الموثقة التي نقلت تفاصيل "الفضيحة التي ظهرت مؤخراً في إسرائيل عن مجموعة الشحن والنقل الإسرائيلية الخاصة (الأخوان عوفر) التي باعت ناقلة نفط لإيران عن طريق شركة إيرانية معروفة استعملت كواجهة وهمية، والتي تنقل المنتجات النفطية من إيران وإليها منذ عقد، تزيدني شكوكاً بأنّ الأمور ليست أبداً كما تبدو عليه ظاهرياً في عالم السياسة الغامض".

وإذا ما أخذنا في الاعتبار الصراعات العربية - الإيرانية في مناطق عربية أخرى، تأتي العراق واليمن في مقدمتها، فمن الضرورة بمكان التحذير من الحلف الإيراني - الروسي الآخذ في التشكل اليوم تجاه تطورات الأوضاع في الشرق الوسط، والذي لن تكون تل أبيب بمعزل عنه.

وإذا كان التصعيد العسكري الروسي موجه أساساً للتنافس مع نظيره الأوروبي الذي تقوده الولايات المتحدة، فإنّ التسلل الإيراني عبر التحالف مع موسكو ينظر نحو موازين القوى بين الأطراف الإقليمية، وفي مقدمتها التنافس العربي - الفارسي. فبخلاف ما يجري الترويج له، ليست أصول الصراع بين العرب وإيران مذهبية، بقدر ما هي عرقية تعود بجذورها التاريخية إلى الصدامات الفارسية - العربية، التي لم تتوقف، حتى بعد انتشار الإسلام في فارس.

القصف الجوي الروسي ينذر بتشكل محاور جديدة للقوى في المنطقة، يأمل المواطن العربي أن يتحول الحضور العربي فيها من مجرد متلق إلى آخر فاعل له كلمته التي يؤخذ حسابها.

تعليق عبر الفيس بوك