الترخيص المهني للمعلم العماني

بدرية الهادي

في ظل التسارع المعرفي الذي يشهده العالم، واتساع العلوم وتقدمها، والطموحات الوطنية المطالبة بتحسين التعليم ومخرجاته، والانطلاق به إلى التطوير والتجويد، ورفع المستوى التحصيلي والتدريسي للمخرجات المتمثلة في الطلاب باعتبارهم بناة المستقبل، وقوامه لدولة عصرية قادرة على مواكبة الدول المتقدمة والرائدة، ومع أهمية السعي لتحقيق العدالة والموضوعية بين المعلمين لتوفير الرضا الوظيفي لديهم بما يُسهم في زيادة دافعيتهم للعمل وبذل مزيدٍ من الأداء التدريسي المجود تأتي الحاجة ماسة لإيجاد ما يُسمى بـ (الرخصة المهنية للمعلم العماني).

ويُعد الترخيص لمزاولة مهنة التعليم أحد أهم المتطلبات الأساسية لضمان جودة أداء المعلم، وضمان نوعية تعليمية عالية الجودة للطلبة؛ لكونه يرتبط بشكل مباشر بالإنماء المهني للمعلم، وتعزيز أهمية التدريب والثقافة الذاتية لديه للارتقاء بمستوى أدائه.

وتأتي الحاجة للترخيص المهني للمعلم من الأهداف التي يحققها حصول المعلم على الرخصة المهنية والمتمثلة في:

**الارتقاء بمهنة التعليم وترسيخ مكانتها لدى المنتسبين إليها، والعاملين فيها.

** تحقيق الطموحات بإيجاد جيل قادرعلى مواكبة التطورات العالمية والاقتصاد المعرفي ومؤمن بدينه وقيمه ومبادئه ووطنيته، ومحافظ على منجزات أمته ووطنه.

**تحسين أوضاع المعلمين، والسعي لتحقيق الرضا الوظيفي لديهم.

**تحديد الاشتراطات والضوابط الخاصة للالتحاق بدراسة مهنة التعليم.

** تقنيين عملية تعيين واختيار المعلمين للالتحاق بالمهنة.

** ربط المسار التدريبي بالوظيفي، وحفزالملتحقين بالمهنة على الإنماء المهني المستمر والذاتي.

** تجويد العملية التعليمية، وتحسين المخرجات التعليمية.

**ضمان امتلاك الهيئات التدريسية للكفايات والمهارات اللازمة لأداء عملهم بجودة عالية.

** الالتزام بالقيم والأخلاقيات المتوافقة ورسالة مهنة التعليم.

** تحقيق العدالة والموضوعية في تعيين المعلمين وتقويمهم وترقيهم الوظيفي.

** التقييم المستمر والمتوازن للمعلم لضمان مستوى أداء ذي جودة عالية.

** تحديد مستويات المعلمين ومسؤولياتهم ومهامهم الوظيفية لتسهيل عملية تقييم أدائهم ومكافأتهم وترقيتهم، لتطوير أداء الهيئات التدريسية والهيئات المساعدة من أجل الوصول لجودة المخرجات التعليمية.

** مواكبة للتوجهات العالمية وتوصيات الدراسات الدولية والمحلية.

**تعزيز ثقة المجتمع في المعلم، وتوثيق العلاقة المتبادلة بين المعلم وأولياء الأمور.

وقد سعت كثير من دول العالم في الوقت الراهن إلى تبني العمل بنظام التراخيص المهنية للمعلم وصولاً لأهدافها المرجوة بتحسين وتطوير التعليم فيها، وتبدو الحاجة إلى العمل بالترخيص لمهنة التعليم في السلطنة ضرورة انطلاقاً من النتائج التي أقرتها عدد من الدراسات الدولية والمحلية ومنها دراسة البنك الدولي، حيث اقترحالتقرير أولويتين للنهوض بالمستوى التعليمي تمثلتا في بناء ثقافة المعايير العليا للتعليم ومناهجه، وتطوير أداء المعلمين التدريسي، وأشار التقرير إلى أنّ برامج إعداد المعلمين الجدد قبل الخدمة غير متناسبة، وتحتاج إلى مراجعة، كما أنّ تلك البرامج لا تتلاءم واحتياجات المعلم وواقع المناهج الدراسية، كما أن مقررات إعداد المعلمين التي يتلقونها خلال فترة إعدادهم في مؤسسات إعداد المعلم، ومؤسسات التعليم العالي تحتاج إلى التطوير وأن تركز على الجانب العملي الأمر الذي يُحتم مراجعة برامج الإعداد، وهذا مسعى يهدف له الترخيص بأن يكون هناك اشتراطات وضوابط لمؤسسات إعداد المعلم وبرامجها.

ومع التوجيهات من القائد الأعلى السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - بتقييم العملية التعليمية وإيجاد آلية لتطويرها وتحسين مخرجاتها بما يتواكب وطموحات الوطن في أجياله، وبناءً على طموحاتإستراتيجية التعليم 2040 التي تم الحديث والإعلان عنها قبل فترة والتي ركزت في جانب منها على بناء الجودة في التعليم، وفي ضوء القرارات التي نسمعها بين الحين والآخر من مجلس التعليم والساعية إلى النهوض بالمستوى التعليمي فإنّه لا بد من أن يكون للترخيص المهني مكاناً في المنظومة التعليمية في السلطنة انطلاقاً من الأهداف التي يحققها، والتي تقوم على تطوير التعليم بناء على تطوير أهم مدخلاته وهو المعلم، وأن تطبق كنظام معتمد بمعايير واشتراطات وضوابط مقننة.

إنّ الرخصة المهنية تنبني على نظام متكامل وشامل ينطلق بالمعلم من بداية التحاقه بالمهنة وحتى قبل ذلك؛ فهو ينظر في اشتراطات اختياره للالتحاق بدراسة المهنة في مؤسسات إعداد المعلم، ويترافق معه منذ بداية تعيينه وحتى خروجه من الخدمة وفق سلسلة متصلة من البرامج التدريبية والإنمائية وما يقدمه لذاته من تطوير مهني، كما أنّه يركز على العام الأول لتخرج المعلم لكونه عاما حافلا وبداية العطاء لديه، وبداية لمرحلة جديدة من عمره تقوم على التحمل الكامل للواجبات والمسؤوليات المنوطة به، وبالتالي فهذا العام يستلزم أن يُمكن المعلم من القيام بدوره التعليمي على خير وجه استنادًا إلى عاملين أساسيين أولهما ما تلقاه من إعداد في مؤسسات التعليم العالي المسؤولة عن إعداد المعلمين، وثانيهما ما سوف يتلقاه من تدريب وتوجيه من جهة التعيين (وزارة التربية والتعليم) قبل التحاقه بالعمل.

إنّ الغاية من الرخصة المهنية التطوير والتحسين لأداء المعلم بهدف الارتقاء بأدائه التدريسي وتجويد قيامه بمهامه وواجباته، وهي ذات مراحل تبدأ بالرخصة المؤقتة، وتنتهي بالرخصة المهنية الدائمة، ولكل منها اشتراطاته وضوابطه، وتستند في ذلك إلى الأدلة والمؤهلات العلمية والعملية والممارسات والمهارات التي يمتلكها المعلم بمعنى أن الرخصة المهنية قائمة على المنهجية والموضوعية إيمانًا بحق المعلم وأهمية تحقيق الرضا الوظيفي له.

ولكل ذلك كان لا بد للجهات المسؤولة عن المعلم وتعيينه أن تفكر في نظام الترخيص المهني وأهدافه وفوائده للنهوض بالمعلم العماني سعيًا لتعليم ناجح ذي جودة عالية.

تعليق عبر الفيس بوك