عيد زمان غير


طالب المقبالي

للماضي عبقٌ يفوح عبر الأجيال، لم يحافظوا عليه.. فلا حضارة ولا تطوُّر يمكنهما محو ماضٍ جميلٍ، وإرث حضاري توارثناه جيلًا بعد جيل.

فمظاهر العيد تكاد تكون متقاربة في عُمان مع اختلاف بسيط في بعض الولايات.. ففي ولاية الرستاق مثلا لا تختلف العادة عمَّا كانت عليه قديماً؛ ففي اليوم الأول -قبل أو بعد أداء صلاة العيد- يجتمع أهالي الحارة في سبلة الحارة، أو في سبلة أحد الأشخاص من أهالي الحارة، فيتناولون طعام الإفطار وهو غالبا ما يكون العرسية أو الهريس، وهي معروفة في عُمان.

وبعد الصلاة، تتم عملية النحر، واليوم الثاني يعرف بـ"يوم المشكاك"، واليوم الثالث "يوم الشواء"، واليوم الرابع "يوم القبولي" وهو يوم الختام.

وبطبيعة الحال، هناك المظبي في بعض الولايات كالشرقية وبعض ولايات محافظة الوسطى وظفار.

لكنَّني في هذا المقال أركِّز على الطقوس المصاحبة لإعداد المشاكيك بولاية الرستاق، وتحديدا في حارة بيت القرن، والحال شبيهة في غالب قرى ولاية الرستاق.

فمن المؤسف أنَّ البعض قد سئموا من عاداتنا وتقاليدنا الأصيلة، وأخذوا يبتكرون أفكاراً يرونها رائعة، لكنها في واقع الأمر بمثابة "رصاصة الرحمة" على موروثنا وعلى حلاوة العيد؛ فهناك من يبتكر طريقة سهلة لتقطيع اللحم، وهناك حطب المشاكيك الجاهزة، وحتى أثناء الشوي ادخلوا ابتكارات غيَّبت عبق الماضي.

فهل نحن في عصر طمس ومحو آثار الماضي؟

في الماضي، وأروي لكم أياماً من طفولتي، حين لم تكن هناك كهرباء؛ حيث كان إخوتي الكبار يذهبون عصرا إلى المزرعة، فيقتطعون بعضا من أطراف النخيل وإحضارها إلى المنزل، ويكون ذلك في يوم العيد أو ليلة العيد.

ويجتمع أهل حارتنا في مكان معروف بجوار المسجد؛ فيشعل أخي الفنر أو ما يسمى بـ"التريك" أو "البتريماكس" الذي يُضيء كمصباح الكهرباء؛ فيجتمع حوله أهل الحارة الموكل إليهم مهمة سحل المشاكيك، فيقوم الكبار بعمل مقاسات محددة وتقطيع أطراف النخيل إلى عدة أجزاء، ثم تشخيلها وتجزئتها مستطيلات مربعة بمقاس المشكاك، تم تأتي عملية السحل والتنعيم وقص إبرة المشكاك، ويشارك الصغار في هذه العملية، وهنا تتم المفاضلة والمنافسة أيهم يكون طرف مشاكيكه حادًا ومستويا؛ بحيث يسهل شك اللحم عليه.

وفي المنزل تقوم النساء بتقطيع اللحم وتجهيزه قطعا صغيرة متساوية، يساعدهم فيها الرجال بعد الانتهاء من تجهيز حطب المشاكيك. وفي الصباح الباكر، يلتقي الرجال والأطفال من أبناء الحارة عند الصار المعد لتجهيز الجمر لشي المشاكيك، والصار هو حفرة مستطيلة بعمق 40 سنتيمتر، إما يحضر لها الفحم الجاهز والمعد مسبقا، أو يُجلب حطب السمر أو السدر وتشعل النار فيه إلى أن يصبح جمرا، ومن يتم إحضار طرفي نخيل أخضرين يتم اختيارهما من نوع معين من النخيل، بحيث يكون قويا ويتحمَّل الحرارة، فيُوضعان كجسر توضع فيه زفائن المشاكيك، وزفينة المشاكيك يجب أن لا تزيد على تسعة مشاكيك، ولا تشوى المشاكيك مفردة على الإطلاق.

وعند نضج المشاكيك، يتذوق الجار مشاكيك جاره؛ فمنهم من ضحَّى بالبقر، ومنهم من ضحى بالماعز، ومنهم من ضحى بخروف، ولكلٍّ مذاقه وطعمه الخاص. ومن ثم يجتمع بعض الجيران للغداء الجماعي معا.

فهكذا كنا نستمع بالعيد الذي لم يتبقى منه سوى الذكرى الجميلة؛ فقد وفَّرت الحياة الجديدة وسائل حديثة، لكنها أفقدت العيد نكهته ومتعته.

muqbali@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك