الدين المعاملة

عمار الغزالي

في هذه الأيام المباركة نستذكر خطبة الوداع للنبي الأعظم، المعلم الأول صلى الله عليه وسلم الذي أرسى دعائم السعادة للإنسانية كلها فقد قال فيما قاله أيُّها النَّاسُ، إنَّ دماءَكم وأموالَكم عليْكُم حرامٌ، إلى أن تلقَوا ربَّكم كحُرمةِ يومِكم هذا، وَكحُرمةِ شَهرِكم هذا، وإنكم ستلقونَ ربَّكم، فيسألُكم عن أعمالِكم وقد بلَّغتُ، فمن كانت عندَهُ أمانةٌ فليؤدِّها إلى منِ ائتمنَهُ عليْها.

نفسي فداك يا رسول الله ما أحوجنا لتنفيذ توجيهاتك، في زمن استحلت فيه الدماء والأعراض والأموال، لقد أكدت على احترام كرامة الإنسان وماله وعرضه وحتى مشاعره احترامًا عظيمًا كتعظيم المقدسات الدينية كما جاء في الخطبة، بل جعلت النفس البشرية أعظم عندما قلت (لأن تهدم الكعبة حجرًا حجرًا أهون عند الله من قتل امرئ بغير حق). ثم إنّك القدوة فقد بدأت بنفسك في كل ذلك لترسيخ قيم العدالة والمساواة فأطمأن الناس وأسرت قلوبهم قبل عقولهم وسطر التاريخ حياة جيل سجل أرقى معاني الإنسانية وتكريم الإنسان.

وفي الجانب الاقتصادي أكدت أنّ للمال مكانة مهمة، والإسلام يرى المال وسيلة مهمة لتحقيق مقاصد شرعية دنيوية وأخروية، فردية وجماعية فبه يأكل ويشرب ويبني مسكنه وبه يطور حياته كما يستطيع به أيضاً أن يزكي ويتصدق ويفعل الخيرات.

ولهذا عد القرآن المال (قيامًا) يعني قوامًا لحياة الإنسان، يعني كما يقال في عصرنا عصب الحياة، قال تعالى: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيامًا).

ولما للمال من مكانة فقد شرع الإسلام المحافظة عليه وحرم إتلافه في غير وجهه قال تعالى (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) وما أحوج سياساتنا الاقتصادية والتنموية-وبالذات في فترات انخفاض الموارد - إلى التحول من ثقافة الاستهلاك إلى ثقافة الادخار سواء على مستوى الفرد أو المجتمع.

وهذا في مال الإنسان نفسه فكيف في المال العام أو أموال الآخرين فمن باب أولى أن يكون الحرص أكبر، وحسبنا هنا أن نشير إلى أنّ أطول آية في القرآن العظيم هي آية المداينة -آية رقم 282 سورة البقرة - والتي تشدد على كيفية حفظ حقوق الآخرين بالكتابة والتوثيق والشهود. وفي مجال المال العام فقد شدد ديننا الحنيف على حرمة الأخذ منه بغير وجه حق بشكل مباشر أو غير مباشر، كما نهى النبي عن إعطاء الرشوة أو أخذها بكل صورها وأشكالها حفاظًا على المال العام، ولما فيها من إفساد وسوء استخدام للسلطة، ولقد ثبت عن الكثير من الدراسات الغربية الحديثة أنّ الفساد المالي باختلاف أشكاله من الأسباب الرئيسية للكثير من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ما أعظم شريعتك يا رسول الله.. دعوت إلى البر والإحسان والعدل والسلام، ما أعظم خلقك يا رسول الله..تصل من قطعك وتعفو عن من ظلمك وتعطي من حرمك

ما أعظم منهجك يا رسول..اختزلت الدين كله بالمعاملة فقلت (الدين المعاملة) وقلت في حديث آخر(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

وماذا عسانا أن نقول بعد أن أقسم العظيم سبحانه وتعالى الذي لا يقسم إلا بعظيم فقال جل وعلا (وإنك لعلى خلق عظيم)

نشهد يا سيدي يا رسول الله..... أنّك بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وكشفت الغمة وهدى الله بك بشرًا كثيرًا، في هذه الأيام المباركة يتوجب علينا تجديد الأمل بأنّه مهما ساءت أحوال العالم من حولنا فإنّ الله قد أكرمنا برسالة سماوية خالدة صالحة لكل زمان ومكان أتمها الله عزّ بنزول هذه الآية الكريمة على خاتم الأنيباء (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).

تعليق عبر الفيس بوك