فرحة العيد.. ودموع اليمن!

حميد السعيدي

عندما كنتُ صغيراً كنا نُنشد "بلاد العرُب أوطاني وكل العُرب إخواني"، ونتغنَّى بوطن يمتدُّ من الخليج إلى المحيط، ونفتخرُ بأننا نمتلك من الروابط ما تقوى بها أنفسنا؛ فاللغة العربية هي التي توحِّدنا، والدين الإسلامي هو الذي يجمعنا، والموروث الحضاري الذي يُمثل تاريخا عربيا مشتركا هو إنجازنا، وروابط الدم التي تربطنا هي مصدر قوتنا ووحدتنا؛ فنحن نتمنى للعدنانيين والقحطانيين، وعندما كبرنا قليلاً أصبحنا ننشد "فلسطين داري"، ويومها كانت جزءًا من الأرض العربية المغتصبة من الاحتلال الصهيوني، كانت الوطن الذي نشعر بالأسى لأجله، وكنا نتابع الأخبار لعلنا نسمع ما يفرحنا عنها، ولكنها كانت أخبارًا محزنة، واليوم لم نعُد نهتم بها لأن الكثير من الدول العربية أصبحت فلسطين؛ فكل يوم تأتي الأخبار تباعاً عن القتل والحرب في سوريا، والعراق، وليبيا، واليمن، والأسى أصبح أكثر ألمًا لأنَّ العدو هو من ابن جلدتك؛ فلم يكن عدوًّا خارجيًّا وإنما أموالنا وأعلامنا وطائراتنا وجيوشنا هي من تقوم بهذا الفعل، فأين العروبة التي نتحدث عنها؟ أين الروابط التي تجمعنا وغرست في نفوسنا منذ طفولتنا عن الوطن الواحد؟

هناك وطن عربي مشتت تحت وطأة الظلم والقتل وسفك الدماء، فلم يعُد ذلك الوطن الذي نحلم به؛ فقد تحطَّمتْ كل تلك الروابط على شواطئ البحر عندما غرقت الطفولة بحثاً عن مرسى للأمن والاستقرار، وتتحطم يوما بعد 'خر على جدار سد مأرب الذي تتساقط كل لحظة على أبنائه مئات بل آلاف الأطنان من القنابل بشتى أنواعها، وتطلق نحوه عشرات الصواريخ الفتاكة، فتُهتك الطفولة تحت الدمار، وتقتل الأمومة بدم العروبة، ويموت كل شيء ولا يبقى إلا الحقد والكره والفساد، أشعر مثلما يشعر غيري ممن لديهم إنسانية في دمائهم أنَّ ما يحدث هو نهاية لكل الانتماء العربي، فلم يعُد هناك وطن يوحِّد العرب، ولم تعُد هناك مواثيق تربط بينهم، فقد تحطم كل شيء.

نعم.. لم يعُد للمبادئ الإنسانية وجود، ولم يعُد للعقيدة الإسلامية مكان، فقد أستُغلَّ الدين من أجل إزهاق الأرواح؛ ذلك الدين الذي كانت رسالته التسامح ونشر المُثل العليا، والمبادئ السامية، لكن في ظل كل ما حدث خلال الفترة الماضية أصبحنا ندرك جيداً أن نكذب على أنفسنا وعلى العالم، ذلك العالم الكافر، والذي غرست في نفوسنا الكره نحوها هو اليوم يستقبل اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب العربية بالورود والترحيب، بل بتوفير كل احتياجاتهم، في حين استقبلته تلك المدافع على الحدود العربية، فأين العقيدة الإسلامية التي نؤمن بها، وأين الإنسانية قبل ذلك، ولكن كانت سوريا بلد التاريخ، أصبحت بلد الموت، لم نكتفِ بذلك فكانت اليمن ضمن القائمة الجديدة التي لا بد أن يكون لها رقم فيها، نعم عليها أن تكون كذلك، لأنها بلد العروبة ورحم كل العرب؛ لذا فاليوميتعرض اليمن إلى أقوى حملة عسكرية في الألفية الحديثة لم يتعرض لها من قبل منذ شهر مارس الماضي، أرسلت له أقوى الجيوش، وأحدث الأسلحة العسكرية المتنوعة، لمحاربة شبع لا يمتلك إلا لقمة عيشه، لا أعلم تلك العوامل التي أجبرت هذه الدول على إشعال هذه الحرب، والتي لن يكون هناك منتصر فيها لأن الموت واحد.. ولأنها حرب عربية لا تتساوى فيها الكفة بين الطرفين؛ فنشاهد اليوم مئات الصور التي تنقلُ لنا أحداثَ الدمار والخراب والقتل والموت، نشاهد كيف تسيل تلك الدماء العربية، ونسمع صرخات الأطفال ألما قبل لحظات من لفظ أنفاسهم الأخيرة، وتئن النساء وهي تعايش لحظات الموت الأخيرة من أبنائهن وأزواجهن، في حين أن تلك الدول تشاهد ذلك القتل بصورة الانتصار.. وأنا أتسال: أي انتصار هذا الذي تتحدثون عنه؟! إنها حرب الأوس والخزرج، حرب الجاهلية، حرب الغرور والجبروت... أصبحنا نشكو حالنا، فها هي صنعاء لا تنام إلا وأرضيها تشتعل تحت وطأة القنابل التي تسقط دون توقف، وكأنها تستطيع أن تنتقي من تريد أن تفجر أو تقل، إنها لا تختار فريستها فمن يتواجد في تلك اللحظة هو هدفها... و"إذا صنعاء تشكونا فكل بلادنا يمنُ".

إنني أكتب ذلك وأنا اشعر بالكثير من الألم على ما يحدث في هذا الوطن العزيز، لأننا نؤمن بالحرية والسلام، نؤمن أن التسامح الذي جاءت به العقيدة الإسلامية هو جزء من حياتنا وسلوكياتنا، نؤمن بأن للإنسانية حقاً علينا بعدم الاعتداء، نؤمن بأننا أصحاب رسالة سماوية قائمة على نشر الفضائل والخير.

فهذا عيد الأضحى على أبواب اليمن، ولا نشاهد في الأفق ابتسامة الطفولة بهذا العيد، ولا تلك الأفراح ابتهاجاً بهذه المناسبة الدينية، بل إنَّ آلة الحرب هي من نسمع صوتها، في أيام مباركة، في شهر السلام والتسامح، شهر الخير والبركة.. ورغم ذاك سيبقى اليمن وسيرحلون؛ لذا لا تبكي...!

فبكاؤك يؤلمني كثيراً...

أشعر أنك حزينة على مشاهد الموت..

لا تبكي..

لأن هناك أمًّا شاهدتْ أطفالها يلفظون أنفاسهم الأخيرة تحت حطام الموت..

لا تبكي..

لأن ألمك سيطول، فرائحة الموت لم تشبع غرور أنوفهم..

لا تبكي..

فلم نعُد ننشد تلك الأكذوبة "بلاد العرب أوطاني، وكل العُرب أخواني".

Hm.alsaidi2@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك