البحار محسن البوسعيدي لـ"الرؤية": المنافسات الرياضية تتفوق على الدبلوماسية في تحقيق التقارب بين الشعوب

أكد أنّ الإبحار الشراعي ينتظره مستقبل مشرق في السلطنة-

الرؤية- عادل البلوشي-

يمثل الإنجاز الذي أحرزه البحار محسن البوسعيديكأول بحار عربي يبحر حول العالم دون توقف، دورًا محوريًا في عملية الترويج السياحي للسلطنة،ليؤكد ذلك أنّ الرياضة أداة فاعلة للمساهمة في الترويج للثقافات والشعوب؛ إذ باتت الرياضة في صلب اهتمامات الناس، واخترقت بكل قوة مختلف القطاعات،فقد استطاعت الرياضة القيام بما عجزت عنه أدوات الدبلوماسيّة التقليدية من خلال تحقيق التقارب بين الشعوب.

وفي هذا السياق تسلط "الرؤية" الضوء على تفاصيل رحلة قام بها شاب عماني في عام 2009، حيث جاب العالم باستخدام قارب شراعي، واستطاععلى مدى 76 يومًا تحقيق إنجاز عالمي للسلطنة، ليكون أول بحارعربي يطوف حول العالم بدون توقف.. إنّه محسن بن علي البوسعيدي مدير الفريق المحيطي بمشروع عمان للابحار.

"الرؤية" التقت بالبوسعيدي على هامش مشاركة السلطنة في مهرجان كاوي للإبحار الشراعي في أغسطس الماضي، ويعد الوسعيدي أحد الكوادر العمانية التي استطاعت أن تضع للسلطنة موطئ قدم بين الدول التي تتسابق في تحقيق الريادة بمجال الإبحار الشراعي والطواف حول العالم في أقل زمن ممكن..

ويرى البوسعيدي أنّ عملية الترويج للسلطنة لا تقتصر على نطاق واحد أو في مجال بعينه، وأنما تشمل كافة الجوانب الرياضية والثقافية والسياحية وغيرها، مشيرًا إلى أن الإنجازات التي يحققها أبناء عمان تعمل على تعريف العالم بالسلطنة وبالتالي هو جزء من الترويج لزيارة السلطنة والتعرف عن قرب على النجاحات التي تحققها في شتى المحافل الدوليّة.

وأكد البوسعيدي- في حديثه لـ"الرؤية"- أنّ الإبحار الشراعي في السلطنة يشهد تقدمًا مستمرًا،وأنّالشاب العماني يخطو بخطوات راسخة في هذا المضمار، إذ أثبت كفاءة وقدرة على منافسة أقرانه البحارين من مختلف دول العالم، لافتا إلى أنّ النتائج المتقدّمة التي تحققها القوارب العماني في مختلف السباقات العالمية لهو دليل واضح وصريح على تطور هذه الرياضة بالسلطنة.

وأضاف البوسعيدي أنّه على الرغم من حداثة مشروع عمان للإبحار، إلا أنّ العمانيين ومنذ القدم كانوا يتميّزون بقوتهم في التاريخ البحري، وبحكم خبرته في مجال الإبحار الشراعي، تمّ تكليف البوسعيدي خلال الفترة الماضيةبالإشراف على البحارين والبحارات العمانيّات، بالإضافة إلى فرق البراعم والناشئين؛ حيث يقوم بتدريبهموتأهيلهم التأهيل الصحيح لرياضة الإبحار الشراعي.

منافسة واختيار

وأوضح البوسعيدي أنّه تمّ اختياريه لخوض تجربة الإبحار حول العالم بعد منافسة قوية جمعته بالعديد من المتقدمين، وقال: "في عام 2008 تم تقديم رسالة لمنتسبي القوات المسلحة بالمشاركة في مشروع عمان للإبحار، وبحكم عملي في البحرية السلطانية العمانية آنذاك، ومشاركتي في سباق مسقط- دبي في أسبوعين بالسنة الواحدة، شاركت لأكون ضمن المترشحين في المشروع، ودخلت ضمن المنافسة مع 80 شخص تقريبًا، وانتقلنا بعدها لعدة مراحل من المحاضرات والتدريبات في البحر ليتم تقليص العدد إلى مجموعتين، وتم إرسالنا إلى مدينة كاوس البريطانية لتعلم فنون الإبحار، وتم اختياري بعدها لأكون ضمن المشروع، ونجحت في تمثيل وتشريف بلدي بهذا الإنجاز الذي أعتبره وسام فخر على صدري".

وعن سر تعلقه بالإبحار.. قال البوسعيدي:"هواياتي وميولي متعددة منذ الصغر؛ حيث كنت لاعبًا بنادي السيب وكنت أحب الصيد، وأعشق البحر كثيرا، إلى أنّ وجدت نفسي موظفا بعدها في البحرية السلطانية العمانية ليزداد تعلقي بالإبحار الشراعي،وكان يراودني طموح كبير بأني قادر على تحقيق إنجاز كبير في مجال الإبحار، لأقرر بعدها بالقيام بخطوة الإبحار حول العالم بدون توقف، وأقدم نصيحة لجميع الشباب بأنّ الإمكانيات والفرص المتاحة الآن بشكل أكبر في وقت قد مضى، لذا فليبادر جميع الشباب باقتناص هذه الفرص في تحقيق أحلامهم وتطلعاتهم حول ما يصبون إليه".

هدية للوطن

وذكر البوسيعدي أنّ الإنجاز الذي تحقق كان بمثابة هديّة بسيطة للوطن ولسلطان البلاد المفدى؛ حيث قدّم الوطن لي كثيرًا، فكان لزامًا علي أن أعطي ولو قليلا من عندي، والهدف الرئيسي من تجربة الإبحار حول العالم تمثل من خلال لفت انتباه العالم بأنّ هناك دولة تتميز بسواحل ذهبية غناء تعد من أجمل شواطئ العالم، حيث استطعنا جذب انتباه العالم بمتابعتها لتحركات القارب مسندم طوال فترة الرحلة، إلى أن وصلنا نقطة النهاية، حيث كان الكثير من البحارة العالميين يتساءلون عن القارب مسندم وعن السلطنة وعن التاريخ البحري للبلد والخبرة في مجال الإبحار الشراعي، وشكل هذا المشروع بداية انطلاقة قويّة لمشروع عمان للإبحار.

وتطرق البوسعيدي الى كواليس الرحلة التي قام بها في عام 2009 بابحاره كأول بحار عربي حول العالم بدون توقف حيث قال:" قضينا الرحلة باكملها في غضون 76 يوما، حيث كانت نقطة الانطلاقة من أمام قصر العلم العامر بمسقط وكنا على متن القارب (مسندم) وتكون الطاقم من بريطانيين اثنين بالإضافة إلى فرنسيين آخرين، أي كنا خمسة أشخاص، وكانت الرحلة في يوم 8 من يناير في عام 2009، وكانت اتجاه الرحلة من مسقط إلى المحيط الهندي، ومنها إلى جزر المالديف الذي لم نر فيه أي جانب من اليابسة وكذلك مررنا على أستراليا، حيث ابتعدت عنا اليابسة بحوالي 1000 ميل تقريبا، ورأينا اليابسة للمرة الأولى في الرحلة في نيوزيلندا حيث كنا في طريقنا إلى المضيق هناك وكان لابد من الاتجاه لتلك المسار، ومنها الى المحيط الهادي وبعدها الى أمريكا والقطب الجنوبي المتجمد، تلاها رحلتنا إلى رأس الرجاء الصالح وجنوب إفريقيا، وقمنا بتغيير مسار الرحلة قليلا بسبب المشاكل الساسية آنذاك والخاصة بالقراصنة، حيث طالت الرحلة بسبب تغييرنا للاتجاه لمدة ثلاثة أيام، حيث كان هذا الخيار لأجل سلامتنا".

100 يوم

وعن الآلية التي كان يتبعها الطاقم في المؤن، قال البوسعيدي:"قمنا بتجهيز المؤونة التي تكفي لنا لمدة 100 يوم تقريبا، حيث أخذنا كافة احتياطاتنا، كما أن القارب الذي استخدمناه كان يعمل بالديزل، وقمنا بشحن حوالي 150 لترا من الديزل، -وقمنا باستخدام الثلثين منها وتبقى الثلث، وأخذنا أيضًا جهازًا صغير الحجم لتحلية الماء وكنا نقيس الماء الحلو كثيرا لاستخدمه للشرب فقط".

وعن أبرز الصعوبات التي واجهته في الرحلة، قال: "واجهتنا صعوبات عديدة أثناء الرحلة، فقرار الرحلة والابحار حول العالم بدون توقف أمرا غير سهل اطلاقا، حيث كنا نعمل باستمرار دون توقف، وكنا نعمل أربع ساعات متواصلة وساعتين للرحلة طوال اليوم، وساعة ونصف الساعة فقط للنوم، وهذا ان أتيحت لك فرصة النوم الهادئة، بالاضافة الى فترات خاصة للطعام والصلاة".

وأضاف البوسعيدي في محور الصعوبات والتحديات بالقول:"من الصعوبات أيضا تواجدنا في بعض المناطق البعيدة، فأثناء تواجدنا في المحيط الهادي، كانت أقرب نقطة لنا بالتواصل مع المعنيين في السلطنة قرابة 6000 ميل عبر الهليكوبتر والسفينة ووصولها يتطلب يومين تقريبًا، وكنّا حذرين جدًا أثناء تواجدنا في المحيط الأطلسي والمحيط الهندي وكذلك القرب من جنوب إفريقيا ورأس الرجاء الصالح وهي ضمن أصعب الأماكن والتي تعرضنا فيها إلى الأعاصير وتمزّقت بعض الأشرعة، حيث طلب منا بعض المسؤولين التوقف عبر إرسالهم لبعض الرسائل إلا أننا واصلنا مثابرتنا وكفاحنا وأكدنا للجميع بأننا صامدون لمواصلة الرحلة".

مناخ متقلب

وعن المناخ والأجواء بشكل عام في الرحلة، قال البحار:" الأمطار كانت مستمرة في أغلب الفترات حيث كنا نفرح بالأمطار دائمًا خصوصًا في الأماكن الدافئة، حيث كانت فرصة مثالية بالنسبة لنا لكي نستحم، فكما تعلمون بأنّ القارب (مسندم) معد للسباقات ولا تتواجد به أماكن للراحة والترفيه، حيث لا توجد دورات المياه ومطبخ وغيره من الخدمات، كما أنّ السرير كان عبارة عن شيء بسيط، وتمت تهيئة المكان لشخصين فقط، وكنا نتناوب على فترات الراحة فيما بيينا كطاقم في القارب، كما أنّ الأمواج كانت عالية جدا، ولا تتضح لك الصورة خلف الأمواج". وأضاف: "كانت المخاوف تراودني كل يوم بأنني سأفشل ولا أستطيع أن أكمل الرحلة، خصوصا مع اقترابنا للأعاصير ودخولنا في بعض الظروف المناخية الصعبة، إضافة إلى أننا كنا حريصين كثيرًا على عدم إصابة أحد ضمن طاقم القارب حتى نستطيع إكمال المهمة بكل نجاح، وهذا ما تحقق".

وحول تواصله مع العائلة والمسؤولين للاطمئنان عليه، أوضح:"اعتمدنا على توقيت "جرينتش" لكي نتواصل مع المعنيين في عمان للإبحار وإبلاغهم عن خط سير الرحلة وكذلك حديثنا مع بعض الأهل والمسؤولين، وكنا نضع الساعة العاشرة صباحا بتوقيت جرينتش وقتا للاتصال، حيث كان التوقيت يتغيّر لدينا كل يوم بحكم تواجدنا في بلد لآخر، وفي بعض الأحيان كنا نضطر الى عدم التواصل بسبب الأجواء الغير ملائمة وتقلب الظروف".

الإبحار المحيطي

وذكر البوسعيدي أن الإبحار حول العالم هو هدف كل بحار يحب الإبحار المحيطي، وقال:"كانت رحلتنا إلىالعالم هي الرحلة رقم 12 من أصل المئات من المحاولات لتجربة الإبحار بدون توقف، وخلال رحلتنا للعالم، حيث كنا لا ندخل إلى المياه الإقليمية، إلا في حالتي نيوزيلندا وتشيلي حيث لم ننزل إلى اليابسة حيث اضطررنا إلى التقيد بالمسار بهدف تحقيق النجاح للرحلة".

وأوضح البوسعيدي أنّ الرحلة بدأت من عمان حيث كانت الرياح أقل، مما أدى إلى بطء سرعة القارب، وكذلك فإن المسار يختلف واتجاه الرياح أيضًا، بينما إذا كانت الانطلاقة من دولة أوروبية فستكون سرعة الرياح عاملا مساعدًا لزيادة سرعة القارب، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أنّ البحارة الأوروبيين قضوا رحلة الإبحار حول العالم بدون توقف خلال 71 يومًا إلا أنّ رحلتنا تأثرت في زيادة عدد الأيام بسبب تغييرنا للمسار، ابتعادًا عن مشاكل القراصنة".

وتحدث البوسعيدي عن طبيعة خط الاستواء لدى البحارة، وقال:"يطلق البحارة على خط الاستواء مسمى آخر، حيث يسمى بنقطة تجمع مياه المجاري، حيث تكون نصف الكرة الأرضيّة الشمالي متساويًا مع نصف الكرة الجنوبي، مما تكون الرياح عكسية من الجانبين والناتج يكون صفرًا، والتقاء هاتين القوتين يعمل على عدم وجود أي رياح حيث عبرنا خط الاستواء في طريق عودتنا إلى عمان خلال 8 أو 9 أيام تقريبا حيث تكون سرعة القارب بطيئة جدا".

وتحدّث البوسعيدي عن برنامج العودة إلى مسقط، وقال: "عودتنا إلى مسقط بعد أكثر من شهرين، شكّل لنا فرحة كبيرة، حيث نجحنا في تحقيق الإنجاز للوطن، كما تمّ استقبالنا باستقبال الأبطال وكنا لا نتوقع أن يكون الاستقبال بهذا الحجم، حيث كنت في حديث مع القبطان صالح الجابري قائد سفينة جوهرة مسقط بأنني لم أكن أتوقع هذاالاستقبال الباهر".

تعليق عبر الفيس بوك