التقرير الإستراتيجي العربي 2013 -2014

عبيدلي العبيدلي

عن مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بمؤسسة الأهرام المصرية صدر في أبريل 2015 " التقرير الاستراتيجي العربي 2013 -2014". وتأتي هذه النسخة والتقرير يسلخ عن نفسه ثلاثين عامًا من العمل الدؤوب المستمر.

ويشكل التقرير إحدى المطبوعات العربيّة الدوريّة المميزة التي تنفرد "الأهرام" بإصدارها، بفضل مشاركة نُخبة من الباحثين والأكاديميين العرب في إعداد مواده البحثية، واستمرارية صدورها.

وكما عوّد قارئه في أعداده الأخيرة، تتوزع مواد التقرير على ثلاثة أقسام يتميز أحدها عن الآخر، لكنّها تشكل في مجموعها محاولة جادة مسؤولة لتشخيص الواقع العربي، من خلال تفاعلاته مع الأوضاع الدوليّة، مع إفراد باب خاص للوضع المصري.

من أولى القضايا التي يلفت لها التقرير على المستوى الدولي بداية انهيار نظام القطب الواحد الذي ساد إثر تفتت الكتلة السوفياتية، وتهاوي عناصر قوتها لصالح الولايات المتحدة، التي لم تعد كما يتحدث التقرير قادرة على الاحتفاظ بموقعها كدولة عظمي واحدة تنفرد بترتيب الأوضاع العالميّة، وتفرض شروطها عند أي اتفاق دولي أو حتى إقليمي. ويتوقف التقرير عند هذه النقطة باستحضار "الظاهرة الصينية" التي بدأت تضع الصين كدولة عظمي منافسة للولايات المتحدة، ومن بعدها روسيا بفضل القفزات الإيجابيّة النوعية التي بات يحققها الاقتصاد الصيني.

ويشير التوقف عند قراءته للمشهد الدولي، إلى بروز تكتلات إقليميّة استجابة لاحتياجات سياسية، أو تلبية لمصالح اقتصادية بدأت تأخذ مواقعها المتميزة في خارطة القوى الدولية، وتملك مقومات مشاركتها في صنع القرار بفضل الثقل الجيو - اقتصادي الذي باتت تتمتع به، ويورد هنا نموذج دول "بريكس" كنموذج على بدابة انتقال مراكز القوي من الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي ساد منذ نهاية الحرب الكونيّة الثانية، إلى أوراسيا كما تشهد اتجاهات صناعة القرار الدولي في المرحلة الراهنة.

ومن النظرة الشمولية العامة، يعود التقرير كي يعالج المشكلة الإقليميّة العربية الخاصة، وأول ما ينوّه له التقرير هو علامات الضعف التي باتت تنهك جسم العلاقات العربية البينية السياسية التي كشفت هشاشة كل أشكال التعاون العربي، الأمر الذي أفسح في المجال فتح ثقوب واسعة في بنية هذا النظام، وهياكله القائمة، وأتاحت الفرصة للتدخلات الأجنبيّة، البعض منها سافر ومكشوف، لكن العديد منها ما يزال غائبًا عن الأنظار، ويتستر في أثواب مختلفة، معتمدًا على قوى عربية ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن منطلقات قطريّة ضيّقة في انتشار مواطن الضعف التي يتحدث عنها التقرير.

ويعرج التقرير على العديد من الظواهر العربية الخطيرة التي تثبت ضعف بنيان الجسم العربي، وفي المقدمة منها بروز ظاهرة التنظيمات الإرهابيّة التي فرضت سلطتها على مناطق شاسعة من الوطن العربي، وأخذت تتصرف كدولة قائمة تحاول انتزاع اعتراف قسري على المستوين الإقليمي والدولي، ويورد التقرير مجموعة من الأمثلة الحيّة على هذه الظاهرة التي تواصل تهديدها للتماسك العربي، مثل الحوثيين في اليمن، و "داعش" في بلاد الشام. ويستثني التقرير من هذه الظاهرة، دون إصرار على ذلك، الحالة المغاربية.

ومن الوضع الإقليمي ينتقل التقرير كي يركز بنحو أشد على الواقع المصري الذي يغوص عميقًا، وبشيء من التفصيل، غير الممل، بل الغني بالمعلومات والشواهد، في تفاصيل أوضاعه، وعلى المستويات كافة: اقتصادية، سياسية، واجتماعيّة، كي يصل، كما يقول الباحث المصري محمد عز العرب، إلى "التفاعلات التي شهدتها الدولة والمجتمع، والعلاقة بين الطرفين، حيث شهدت مصر خلال عامي 2013 و2014، انهيار نظام حكم الإخوان وبدء تشكل نظام سياسي جديد، فيما يُعرف بالمرحلة الانتقالية الثانية بعد أحداث 30 يونيو، حيث توافقت على خارطة طريق لمسارها كل من المؤسسة العسكرية وعدد من الحركات الشبابيّة وممثلي الأزهر والكنيسة. وقد تمثلت أول استحقاقات هذه الخارطة في عملية الاستفتاء على دستور جديد (دستور 2014)".

وتنتقل مواد التقرير بشكل انسيابي غير مرهق للقارئ بين السياسة والاقتصاد للواقع المصري، مشيرة إلى العديد من الظواهر التي تهدد مستقبل الاقتصاد المصري على المستويين القريب والبعيد، وفي المقدمة منها، كما يقول العزب "تنامي العجز الهيكلي في الموازين الأساسية للمعاملات، سواء الموازنة العامة للدولة أو الميزان التجاري أو ميزان العمليات الجارية أوميزان المدفوعات أو الميزان البترولي وهو ما أثر سلباً على مستوى أداء الاقتصاد المصري، ووضع قيودًا تحد من انطلاقه".

وكان من الممكن بعد هذه الجولة السريعة المقتضبة في مواد التقرير الغنيّة بالمعلومات الرصينة في الاستنتاجات، الخروج بمجموعة من التشخيصات المطعّمة ببعض التوصيات، لكن المراجعة الشاملة التي قام بها محمد عز العرب، ونشرها موقع الأهرام تحت عنوان "حصاد ثلاثين عاما من عمل التقرير الاستراتيجيالعربي" http://www.ahram.org.eg/NewsPrint/385699.aspx تغني عن ذلك. فبعد الجردة الموثقة الموسعة التي يجريها العرب والتي شملت مسيرة التقرير خلال السنين الثلاثين التي انقضت على صدور العدد الأول منه، يعود العرب، كي يخرج بمجموعة من التوصيات يذيلها باثنتين جاء فيهما".

"استعادة التقليد السنوي لمناقشة التقرير الاستراتيجي العربي بالتعاون بين مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية ومركز البحوث والدراسات السياسية وحوار الثقافات بكليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة بجامعة القاهرة، للاستفادة منها في إعداد التقرير اللاحق. وإعادة تنظيم المؤتمر الإستراتيجي العربي بين مركز الأهرام للدراسات السياسيّة والإستراتيجية وبعض المراكز الأخرى في المنطقة العربية، باختيار قضية ملحة وعاجلة طرحت في هيكل التقرير،وتحمل تأثيرات مستقبليّة على الدولة الوطنيّة والنظام الإقليمي العربي".

وأُضيفُ إلى تلك التوصيات: حبّذا لو تتكامل مع هذا التقرير تقارير إقليميّة عربية أخرى ترسم صورة مشابهة لتلك الأقاليم، مثل دول مجلس التعاون الخليجي، والشمال المغربي.

تعليق عبر الفيس بوك