الزمن الصعب للمسؤولية الوطنية

د. سيف بن ناصر المعمري

لا أعرف من أين أبدأ حديثي عن المسؤولية حين تتعلق بالوطن، الذي لا يمكن أن ينمو ويتغلب على تحدياته إلا إن حمل الجميع المسؤولية بدرجة كبيرة، فالأوطان المتقدمة اليوم في العالم هي نتاج المسؤولية والالتزام لا نتاج العوامل الاقتصادية كما يعتقد البعض، حيث يعلي الجميع من شأن هذه المسؤولية ويعتبرونها أمانة كبيرة، ويسعون بكل جهدهم لتأديتها على الوجه الأكمل، ولذا أجدني مضطرًا لطرح سؤال ربما يكون حساسًا هذا الأسبوع وهو: هل بدأ الشعور بالمسؤولية الوطنية يضعف لدينا؟

أطرح هذا السؤال وأعرف أنّه سوف يستفز كثيرين يعتقدون أنّ هذه دائرة مغلقة للنقاش، وموضوعًا محسومًا لا يقبل التشكيك أو التأويل، ولكن أحداث الأسبوع الماضي كافية لتدفعنا جميعا لطرح هذا السؤال بشكل جدي، فالأضرار التي نتجت عن الأمطار في محافظة مسقط نتيجة سوء التخطيط أحد مظاهر ضعف الشعور بالمسؤولية لدى المعنيين بهذا الأمر، مشهد يتكرر كل فترة زمنيّة قصيرة، ولا يترك أي أثر في تغيير نهجنا التخطيطي في هذا العاصمة الجميلة، ولذا نعيد بكل جرأة تكرار الأخطاء في أماكن أخرى جديدة، فأين الشعور بالمسؤولية الوطنية؟

مظهر آخر عبر عن تزعزع هذه المسؤولية حين تقوم بلدية بهدم مسجد له قيمته التاريخية في وضح النهار، وحين تكون الوزارة المعنيّة بحماية هذا المسجد وغيره من الآثار والبيوت القديمة في عالم آخر حيث لا يكون قانون حماية التراث القومي الذي صدر ففي عام 1980 مفعلا في مثل هذه الحالات، نتيجة عدم التناغم في عمل المؤسسات، وعدم تأكيدها المستمر على أهميّة مراعاة القانون قبل القيام بأي فعل ينال من التراث الوطني، فأين الشعور بالمسؤولية الوطنيّة؟

ويبرز السؤال حول المسؤولية الوطنية لمن يمر في الحيل الجنوبيّة في الشارع المتجه إلى جامع السيّدة مزون من جسر الموالح، حيث يلاحظ على اليمين عملية تمديد سريعة جدًا يقوم بها أحد التجار للأرض الكبيرة التي يستخدمها كمخزن للسيارات، ولم يراع في منح هذا التمديد ترك "مسافة كافية بين الجدار الخارجي والشارع الذي لم يعد يبعد أكثر من خمسة أمتار على الرغم من أنّ القانون واضح في أمر المسافة التي يجب أن تترك، فأين المسؤولية الوطنية في تجاوز القانون بهذا الشكل؟

وينسحب هذا الضعف في الشعور بالمسؤولية الوطنيّة على المواطنين، ويكون أكثر خطراً حين يظهر لدى الطلبة الذين نعول على مسؤوليتهم في الحفاظ على منجزات الوطن والعمل على النهوض بها، ما جرى من غياب بالجملة من قبل طلبة مؤسسات التعليم العالي في الأسبوع الأول من الدراسة لو دليل واضح على ضعف الشعور بالمسؤولية، ولا أعرف كيف سيتعلّم مثل هؤلاء الطلبة إذا كانوا لا يمتلكون قيمة المسؤولية، ولا أعرف كيف ستكون ردة فعل هذه المؤسسات التعليميّة في هذا الأسبوع، هل ستجعل الأمر يمضي بسلام وتبعث برسالة لهم بعدم اكتراثها لذلك، ويصبح الأمر ليس عادة وتصرفًا فرديًا إنّما قاعدة يلتزم بها الطلبة في كل فصل دراسي، فأين الشعور بالمسؤولية في كل هذا؟

إنّ هذه الأمثلة كافية لتجعلنا نفكر في المخاض الصعب الذي تمر به المسؤولية الوطنية، وعلينا أن نستيقظ حتى لا تتدهور هذه المسؤولية بشكل أكبر، فلا شيء يضعف أي وطن بقدر ضعف الشعور بالمسؤولية لدى مسؤوليه ومواطنيه، ولا نريد أن يتحول الأمر إلى دوائر متّسعة من اللامبالاة بكلمة لها ثقلها مثل "المسؤولية"، التي تمثل مفتاحًا من مفاتيح التقدّم، وعاملا من عوامل الازدهار، ونظرًا لكونها كذلك كان كثير من الناس يتهيّبون من قبول أي مسؤولية، خشية التقصير والتأثير على مصالح الوطن والمواطنين، أمّا اليوم لم يعد ينظر لها كذلك، وأصبحت "المسؤولية الوطنية" شعار جميل يبحث عن معنى حقيقي، ولذا لا يتورع كثير من الناس ممن لا يمتلكون أدنى مقومات القيام بها عن قبولها، بل إنّهم يسعون إليها بكل ما يستطيعون، وهناك من يقفون معهم، ويزكونهم لذلك، غير آبهين لأي آثار جسيمة قد تدفعها أجيال بأكملها لضعف شعورهم بالمسؤوليّة.

لا شك أننا في مرحلة تتطلب منا إعادة "تقييم" لوضع المسؤولية الوطنيّة، وتحديد مواطن الخلل فيها على مختلف المستويات في القمة والقاعدة، لأنّ تهاون القمة في أمر ضعف المسؤولية الوطنية يقابله لامبالاة من القاعدة أيضًا، ولا يمكن أن تصنع وطنا متقدمًا من رحم اللامبالاة، ولا يمكن أن تقهر الفساد إلا بتعزيز المسؤولية، المسؤولية نهج وقيمة واضحة المعالم، أنّ الفساد ليس فقط سرقة أموال إنّما هو التهاون في حمل المسؤولية، ولا أعرف كيف أن نصبح مثل سنغافورة أو كوريا أو فنلندا كما يحلم البعض ونحن لا نقاتل في سبيل أن يكون وطننا أفضل وطن، نقدم له الحد الأدنى من العمل الذي يجب أن نقوم به، ونسأل بعد ذلك لماذا كل هذه التحديات؟ لأننا لا نؤمن بأننا مسؤولون جميعًا عن كل نجاح أو إخفاق يحدث في هذا البلد، كلنا يريد أن يتخلص من تبعات المسؤولية ولكنّه غير مستعد في التفريد في منافعها، فكيف يمكن أن نحدث تغييرًا نطمح إليّه جميعًا دون أن نعمل ونعمل بإخلاص؟

رسالتي في نهاية هذا المقال أقول فيها للجميع أن كان من حارس لهذا الوطن فهو أنتم، لا تستهينوا بدوركم وبمسؤوليتكم تجاهه، ولا يمكن أن نسد هذه الثغرات التي نشتكي منها إلا بتحمل المسؤولية، وكما يقول ماركوس أوريليوس "الثروة التي ستحتفظ بها للأبد هي تلك التي تعطيها"، وإن أردنا أن نحتفظ بوطنا ثريا علينا أن نعطي المسؤولية حقها من الاهتمام، إنّ لم يؤنبك ضميرك يومًا تجاه التقصير في واجباتك تجاه وطنك، فلا شيء آخر يستحق أن يؤنبك عليه.

saifn@squ.edu.om

تعليق عبر الفيس بوك