مشاهدات من خارج أسوار البيت الأبيض

حمود بن علي الطوقي

من مسقط وعبر الطيران الألماني (اللوفتهانزا) انطلقت رحلتنا متجهة صوب الولايات المتحدة الأمريكية وبالتحديد واشنطن مساء الثلاثاء الموافق 18 أغسطس، كانت محطتنا الأولى على ضفاف نهر الماين حيث قضينا أكثر من خمس ساعات في مطار فرانكفورت العاصمة الاقتصادية لألمانيا، والذي يعتبر من أكثر المطارات ازدحاماً في أوروبا وقبلة لرحلات مختلفة ومحطة انطلاق وعبور للمحيط الأطلسي صوب العالم الجديد (أمريكا). بعد رحلة طيران استمرت زهاء الثماني ساعات، حيث كنت رفيقاً في هذه الرحلة لابنتي واحة التي تواصل دراستها بجامعة كينت في ولاية أوهايو التي تعتبر واحدة من أعرق وأكبر الجامعات الأمريكية. وقد مثلت هذه الرحلة فرصة سانحة لي كي أكون أكثر قرباً من ابنتي، حيث دار حديث طويل بيننا تناولنا خلاله عدداً من الموضوعات، وتحدثنا كثيرًا عن أهمية الاستفادة من مثل هذه البعثات الدراسية التي توفرها الحكومة لأبناء عمان وبناتها، كما أنّ على الطلاب الذين يحصلون على المنح الدراسية أن يعتبروا أنفسهم سفراء عُمان في العالم ويمثلونها خير تمثيل عبر الحفاظ على القيم العمانية الأصيلة وعدم التأثر بالعادات السالبة وأخذ الجيد وترك الغث، وأهمية أن نعكس مكانتنا كدولة لها ثقلها في المجتمع الدولي، أسئلة كثيرة مرّت على مخيلتي لدى وصولي إلى واشنطن، التي طالما حلمت بأن أحط رحالي في مطاراتها، ولكن حلمي كان دائماً مخلوطاً بمرارة الصورة النمطية التي رسختها السياسة الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط ومواقفها الداعمة للكيان الصهيوني والتي نرفضها تماماً، وتساؤلات كثيرة تتعلق بأمريكا نفسها، أمريكا الجريحة منذ 11 سبتمبر 2001، يوم أن نفذ 19 شاباً من عناصر القاعدة عمليات إرهابية أطاحت ببرجي مركز التجارة العالمي بنيويورك، في عملية جرحت كبرياء الدولة الأقوى في العالم.

أسئلة كثيرة كانت تدور في مخيلتي قبل أن تطأ قدماي بلاد العم السام حيث قضيت ثمان ساعات من الطيران من مطار فرانكفورت إلى مطار دلاس التي وصلتها عصرًا وشاهدت بأم عيني الإجراءات الأمنية المشددة والمطولة، كان صفًا طويلاً جدًا قدرت وقت خروجي من المطار بساعتين أو أكثر التزمت النظام فأنا في بلد يحترم النظام إلى أن وصلت إلى موظف الأمن، الذي رحّب بي وطلب مني أن أبصم على الجهاز واستلم مني الجواز، تصفح الجواز وهو ينظر إليّ فقال لي وهو يودعني بعد أن ختم على جوازي مرحبًا بك في أمريكا وأهلاً بأهل عُمان، أسلوب استقبال أراحني وأنساني لحظات الانتظار في الطابور الطويل، وقد كنت محظوظا لأني أحمل جواز سفر عُماني ولم أخضع لعمليات التفتيش الدقيقة كما يحدث للآخرين.

المعروف أنّ واشنطن العاصمة المعروفة أيضاً باسم "مقاطعة كولومبيا" تأسست عام 1800، كعاصمة للولايات المتحدة، وقد أخذت اسمها من اسم الرئيس الأول للولايات المتحدة، وهي تقع على مساحة 63 ميلاً مربعًا على ضفتي نهر بوتوماك بين ولايتي مريلاند وفيرجينيا، وقد اختار الآباء المؤسسون موقعها كتسوية بين الولايات الشمالية والولايات الجنوبية. وحاضرة واشنطن اليوم (يقطنها نحو 570 ألف نسمة) هي موطن الحكومة الاتحادية، والبعثات الدبلوماسية وقطاع خاص متسع. وكثير من المقيمين فيها اجتذبهم قربها من النشاطات التشريعية للحكومة الفيدرالية وكذلك نوعية الحياة في المدينة. وتوفر واشنطن نشاطات لا تعد ولا تحصى للمقيمين فيها وللسياح على حد سواء. ومن ذلك رموز الديمقراطية المُعترف بها على الصعيد الوطني مثل البيت الأبيض ومبنى الكابيتول(الكونجرس) وتكملها نُصب مألوفة بصورة مساوية للقادة والتاريخ الأمريكي. ومتاحف مؤسسة سميثسونيان هي بعض المتاحف الأشهر في العالم، ومنها المتحف الوطني للجو والفضاء الذي يخلد تاريخ الطيران، وحديقة الحيوان الوطنية المشهورة بمجموعتها من الحيوانات النادرة وغير العادية. أما مركز جون إف. كنيدي للأداء الفني فإنّه مركز للحياة الثقافية الغنية في واشنطن. وتفخر المدينة بوجود عشر مؤسسات للتعليم ما بعد الثانوي، منها جامعات غولوديت وهوارد وجورج تاون، وهذه العناصر المتنوعة تتفاعل معاً لتجعل من واشنطن مدينة جميلة ومثيرة.

على مدى الأسبوع الذي قضيته بواشنطن كان لا بد من متابعة السباق نحو البيت الأبيض وقد أثارت حملات المرشح الجمهوري دونالد ترامب انتباه المراقبين خاصة وأنه اعتاد على انتقاد السياسة الأمريكية التي تحشر نفسها في قضايا لا تعود بالنفع على المواطن الأمريكي كقضايا الحروب في منطقة الشرق الأوسط ودعمها لخلايا الإرهاب على حد قول المترشح الجمهوري الأكثر إثارة دونالد ترامب.

المعروف أن رسم السياسة الأمريكية يتم من خلال وزارة الخارجية التي تنصح الرئيس الأمريكي أياً كان بتنفيذ السياسة التي ترسمها بصفته رأس السلطة التنفيذية ويتحمل المسؤولية كاملة، ومن مهام وزارة الخارجية إدارة العلاقات الخارجية وتعزيز أمن الولايات المتحدة ورفاهيتها على المدى البعيد، وتعد التوصيات حول السياسات والأعمال في المستقبل، كما تنفذ السياسة المعتمدة وتجري مشاورات مستمرة مع الشعب الأمريكي والكونجرس والوزارات والوكالات الأمريكية الأخرى حول جميع القضايا.

تعليق عبر الفيس بوك