التغيير آت

فهمي الكتوت

من نافلة القول أن التغيير آت؛ وأن ما يشهده الوطن العربي حالة استثنائية، وأن تاريخ الشعوب سطر بالتضحيات والدماء، ومع ذلك؛ ما يجري ليس قدرا، لكن التحرر من التبعية، والسعي للتقدم، لهما أعداء بأنياب حادة، من الاحتكارات الرأسمالية ووكلائها في المنطقة، كما لهما جيوش من الفقراء والكادحين والأبرياء الذين يدفعون الثمن. اللحظة التاريخية التي يمر بها الوطن هي الأصعب، لكن الحياة قائمة على ثنائية التناقضات، ووحدة وصراع الأضداد، والتغيير من سنن الحياة، والجديد يولد من أحشاء القديم، رغم ما يشهده الوطن العربي من انهيار سياسي وانحطاط أخلاقي.

أحدثت صورة الطفل السوري أيلان الذي وجد جثمانه على شاطئ بحر إيجا في تركيا، ضجة عنيفة وموجة من السخط في مختلف أنحاء العالم، وأثارت حالة من الغضب حول الثمن الإنساني للجرائم التي ترتكبها الامبريالية وحلفائها في المنطقة، وكان آلاف المهاجرين قضوا غرقا في مياه البحر المتوسط منذ بداية العام، أثناء محاولاتهم الوصول إلى القارة الأوروبية. وارتبطت حادثة أيلان بالدعوة لمساعدة اللاجئين السوريين، في دخول الدول الأوروبية بطرق غير شرعية! هل هذا هو الحل الذي ينتظره الشعب السوري؟ فالأزمة السورية لا يمكن اختزالها بإيواء آلاف اللاجئين.. تقول اليونسيف إن 13 مليون طفل يدفعون ثمن الأزمات في الشرق الأوسط ويحرمون من التعليم، من تسبب بقتل أيلان قتل الحياة بعيون الأطفال السوريين والفلسطينيين والعراقيين والليبيين واليمنيين والقائمة تطول.

صورة أيلان جزء من المشهد البشع لجرائم الإمبريالية الأمريكية والاحتكارات الرأسمالية التي أشعلت الحروب في المنطقة، فالإرهاب صناعة أمريكية، للإبقاء على حالات التوتر واستنزاف طاقات الوطن العربي المادية والبشرية وتدمير البنية التحتية للدول العربية، فاذا كان الشعار الرئيسي للولايات المتحدة خلال القرن الماضي "مكافحة الشيوعية"، لمواصلة الهيمنة على البلدان النامية، صنعت الولايات المتحدة عدوا جديدا اسمه الإرهاب لمواصلة نهب ثروات العالم بصيغة جديدة.

شاهدنا جثمان أيلان ابن الثلاثة أعوام، كما شاهدنا الطفل الفلسطيني محمد التميمي ابن الإحدى عشر عاما، على شاشات الفضائيات الأسبوع الماضي، التي تداولت وسائل التواصل الاجتماعي صوره، والذي قاوم محاولة اعتقاله من الجندي الإسرائيلي بشدة، رغم يده المكسورة من محاولة اعتقال سابقة، حين دخلت دورية عسكرية إسرائيلية قريته "قرية النبي صالح" قرب رام الله، نجح سكان القرية بتخليصه من الاعتقال. فخرج منتصرا يستعد لمنازلة جديدة مع المحتلين الصهاينة، هذا المشهد الفلسطيني جزء من المشهد العربي الذي يعيشه الوطن.

ويقول محمد بركة المناضل الفلسطيني؛ رئيس الجبهة الوطنية للسلام، "إن القدس قضية سيادة وليس قضية عبادة فقط، فالسيادة هي التي تؤمن العبادة، وإن المستوطنات الإسرائيلية شطرت الضفة الغربية إلى شطرين ولم يبق من فلسطين التاريخية سوى 10% وإن ما يسمى بحل الدولتين أصبح في مهب الريح. وإن عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس 650 ألف مستوطن".

يتضمن برنامج حزب حيروت الذي تمتد جذوره إلى منظمتي "أتسل" و"شتيرن" الإرهابيتين، والذي أسسه زئيف جابوتنسكي ومناحيم بيغن وإسحق شامير، وأصبح الآن أحد اهم أطراف الليكود الذي يقوده بنيامين نتانياهو. للنهر ضفتين الغربية لنا والشرقية لنا، كما يقول "بين النهر والبحر دولتان" الأولى "إسرائيل" والثانية "يهودا" والمقصود بالثانية مستوطنات الضفة الغربية، علما بأن المتنفذين في المستوطنات هم الذين يقررون سياسة إسرائيل الاستيطانية ومنهم 27 عضو كنيست ورجالات دولة بارزين ! كل ذلك يتم تحت ستار الإرهاب والحرب على الإرهاب.

والعراق الذي يملك ثروات ضخمة معرض للانهيار نتيجة الفساد السياسي والمالي والإداري، وإن خطة الإصلاح التي أقرت؛ تناولت إصلاحات إدارية وليس سياسية، 7 ملايين عراقي يحصلون على رواتب من الدولة، والحكومة عاجزة عن الدفع، كما لا تستطع الحكومة فصل الحمولة الزائدة. وفي العراق ثلاث ملايين نازح لم يستطيعوا العودة إلى ديارهم، ودولة ما قبل 2003 هي إعادة إنتاج لدولة ما بعد 2003 بمعنى دولة الاتجاه الواحد. والبنية الرئيسية لحركة داعش عراقية أفرزها الفساد السياسي، الحلقة الأولى في بنية داعش أيديولوجية والثانية من الضباط العراقيين والثالثة من الخارج. إنكار عراقي لوجود أزمة داخلية وراء هيمنة داعش!. هناك اعتقاد أنه ليس بمقدور العراق إخراج داعش، وهناك أخطار حقيقية بتوسعها! أنفقت الحكومة العراقية 22 مليار دولار لتدريب الجيش، لكنها لم تزوده بالسلاح! لم يقاتل الجيش العراقي في الموصل. كما أن أوساط شعبية عراقية لا تعتبر داعش خطرًا عليها ولم تحاربها، فكرة تسليح العشائر التي طرحت في الأردن لم تلق اهتمامًا من قبل المعنيين، شيوخ العشائر لا يملكون سلطات على أبناء عشائرهم، أما آفاق الحل من وجهة نظر خبراء عراقيين فالسيناريو الأول: الإبقاء على الوضع كما هو، يعني مزيدا من التقهقر والانهيار. أما السيناريو الثاني: تدخل المجتمع الدولي لإنهاء الأزمة السياسية في الدولة، السيناريو الثالث التقسيم وهو مرفوض عراقياً لأنّ التقسيم يدخل العراق بحرب أهلية، باستثناء الحالة الكردية ماضية نحو التقسيم، أما السيناريو الرابع فهو النضال من أجل دولة ديمقراطية علمانية، وتحقيق العدالة الاجتماعية.

تعليق عبر الفيس بوك