عالم بلا نفط

أحمد الرحبي

يصف أحدهم الوضع الذي سينتج عن غياب النفط في حياتنا بشكل لا يخلو من مبالغة، مشبهاً ذلك بسيناريو فيلم (ماد ماكس) الذي تتعطش شخصياته إما للماء الذي يبقيها على قيد الحياة، للحظة بطولية صغيرة تُخلد فيها أهميةً لحياتها البائسة، أو لمجرد النجاة والعثور على حبل خلاصٍ من ماضٍ تعيس عبر طريق غاضب مجنون يمثل نظرية.عليك المرور بالجحيم من أجل الوصول إلى النعيم.. شخصيات يغدو كل كفاحها المرير من أجل مهمة مستحيلة لإمكانية استعادة النظام لطبيعته من جديد.

وبرغم عدم توقعنا سيناريو خطيرا كهذا ينتج عن نضوب النفط، لكن هل بدأنا ندخل مرحلة انقضاء العصر السعيد للنفط وذلك بالنظر إلى حال الأسعار المتدنية بشكل كبير التي بلغها النفط كأهم سلعة إستراتيجية عالمية بعد سنوات طويلة من الأسعار الوفيرة انعكست مظاهرها على مجتمعات الدول النفطية في أشكال من الرفاه والبحبوحة أخذت جلها للأسف منذ البداية طابعاً استهلاكيا محضا، فبالنسبة لدول الخليج العربي وهي أبرز مثال لدول العصر السعيد للنفط وللمجتمعات التي أغناها بشكل مفاجئ النفط وأحدث فيها نقلة سريعة بعد حال من البساطة الاجتماعية وشظف العيش الذي كانت تعيشه هذه المجتمعات بشكل متساوي وعادل بين مختلف الشرائح الاجتماعية في هذه المجتمعات، فنتيجة لهذا التساوي الاجتماعي في الوضع الاقتصادي كانت مظاهر الغنى والفقر في هذه المجتمعات على قلة التفاوت الحاد بينها، توجد في المجتمع بشكل أفقي وليس بذلك الشكل العمودي الحاد كما هو ملاحظ الآن.

والآن تحت ضغط التدني الحاد لأسعار النفط في السوق العالمي وضعف الموارد المالية التي تدرها هذه السلعة الإستراتيجية لا شك سوف تضطر كافة دول الخليج العربي، إلى اعتماد خطط تقشفية حادة في الإنفاق والالتزام بالأولويات في عملية الإنفاق العام، تحسباً لهذه الأزمة التي أنتجها تدني أسعار النفط، وللتعامل مع العجوزات المالية في ميزانياتها من أن تؤثر على المدى المتوسط والبعيد على الالتزام بخططها التنموية المرسومة، وصيانة من ألا تتأثر الحياة العامة للمواطن في دولها، فيتم الآن بشكل صريح الحديث عن اعتماد إجراءات قاسية تؤثر أو تهدد في العمق الرفاه الاجتماعي لمواطني هذه الدول، مثل رفع الدعم عن المحروقات وباقي السلع الأساسية.

لكن ماذا يعني غياب النفط في حياتنا؟ وهو سؤال مهم لابد أن نستعد للإجابة عليه من الآن فصاعدا مهما تعافت هذه السلعة من تدني الأسعار وعادت إلى سابق عهدها في الأسعار الوفيرة التي تدرها على ميزانيات الدول الخليجية، مما ينعكس بالتالي على تحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي في مجتمعات هذه الدول، وهل نحن مرتبطون بالنفط إلى هذه الدرجة في حياتنا حتى إذا ما غاب من حياتنا فقدت هذه الحياة توازنها، وما هي الحلول والبدائل لاستعادة المبادرة في حياتنا إذا ما غاب النفط؟.

لقد جربت أن أطرح هذه الأسئلة الثلاثة على عدد من الأشخاص لكي أخرج بإجابات مباشرة حول سيناريو قد لا نرغبه في الحقيقة حول فقدان النفط أهميته كسلعة إستراتيجية وتدني الفائدة الاقتصادية الجلي له في حياتنا، ولملامسة القلق الاجتماعي عند الناس من غياب النفط وتأثر الحياة الاقتصادية والاجتماعية وتدني المستوى المعيشي واهتزاز مفهوم شبه الرفاه المعيشي والاجتماعي المعتاد بفضل عافية أسعار النفط واعتماده كمعيار لاقتصادياتنا، وقد أجمعت أغلب الأجوبة على أننا نحن لا نملك مصدرا أهم من النفط وإذا مانقص مدخول النفط تأثر في المقام الأول عيشنا وملبسنا وأعمالنا فكيف إن ذهب، ومن الطبيعي إن مصادر الدخل ستقل وستكون صعبة وليست بتلك السهولة كما هي في الوضع الحالي، وكذلك فإنّ الأسعار لن تكون مثل ماهي عليه، وإننا نعتبر مرتبطون بالخيار النفطي ومتورطون به لأبعد ما يتخيل عقل الرجل النفطي، بلا بدائل اقتصادية أخرى في المدى المنظور، وكنتيجة لغياب النفط سنكون مضطرين لمزاولة أعمال كنّا نترفع عنها بسبب المستوى الاقتصادي والمعيشي الجيد الذي لا يجعلنا مطلقا نفكر بهكذا خيار، وبفعل صدمة غياب النفط ستكون الحكومات الخليجية مضطرة لتبني سياسات اقتصادية إنتاجية وليست ريعية وذلك لكي لا تتعرض مجتمعاتها للشتات والفاقة من جديد، فعلى المعنيين بصناعة القرار والمتحكمين بمقدرات هذه البلدان أن يضعوا نصب أعينهم استراتيجيات تخلق من شعوبهم شعوبا منتجة وليست مستهلكة كما هو سائد حاليا.

لكن رغم ذلك هناك سؤال مهم يطرح نفسه هو هل نحن مرتبطون بالنفط حقاً، أم أننا نحن في الحقيقة مرتبطون أو نحن متورطون إذا ما أردنا الدقة في الوصف، في مظاهر الثروة النفطية التي جلبها النفط فجأة على مجتمعاتنا؟ فإذا ما انتهى دور النفط في حياتنا بإمكاننا أن نتابع بعد تأثر بسيط، العيش بعيدا عن هذه المظاهر فيما لو خرج النفط ومظاهره التي تلبسنا بها، من حياتنا إلى غير رجعة.

فما ينتج عن غياب النفط إذا ما غاب وخرج من فضاء حياتنا الاجتماعي والاقتصادي، هو ليس بتلك المصيبة أو الطامة الكبرى التي يتصورها الجميع وذلك لسببن مهمين، السبب الأول هو أننا كدول خليجية بعد سنوات من الغنى والرفاه النفطي قد أرسينا بشكل يكاد أن يكون مكتملا كل ما يتعلق بالبنى التحتية وكل مرافق الخدمات العامة، من مطارات وموانئ ومدارس وجامعات وكليات ومصانع إضافة إلى المرافق الاقتصادية والتجارية، أما السبب الثاني هو أن معظم الدول الخليجية محدودة السكان ومجتمعاتها السكانية تركيبتها الاجتماعية بسيطة وغير معقدة، وهي تتمحور كلها حول القبيلة والعائلة الأمر الذي يضمن مستوى تكافليا بمواجهة الآثار الاقتصادية والاجتماعية التي تنتج عن غياب البترول في حياتنا، كما أن محدودية السكان وقلة عددهم في هذه الدول يوفر لها مرونة كبيرة في استيعاب غياب دور النفط في اقتصادياتها أو ضموره، لكن بشرط واحد وحيد وهو الالتزام بمبدأ المصير الاجتماعي الواحد في السراء والضراء، الذي يجب أن يعتنقه ويلتزم به الغني والفقير، الحاكم والمحكوم سواء بسواء في مجتمعات هذه الدول الخليجية.

تعليق عبر الفيس بوك