التعليم أولاً

حميد بن مسلم السعيدي

Hm.alsaidi2@gmail.com

بداية جديدة لأبناء هذا الوطن لاستكمال إحدى مراحل التعليم في عامهم الدراسي، ولسان حال التعليم يئن تحت مرحلة التعثر والتأخر، فمخرجات التعليم لم تحقق طموحات وآمال الوطن، ولم تستطع أن تحمل لواء التطوير الذي نطمح له، وطالما لم يحدث التغيير المنشود فالتعليم لم يحقق الغايات الوطنية، لأن تقدم الدول والنهوض بها يأتي من خلال التعليم، وهنا لا أقصد تعليم أبنائنا القراءة والكتابة فهي مرحلة تخطاها العالم منذ عقود وما زال تعليمنا يعاني منها، ولا أقصد التعليم الذي يساعدهم على اجتياز اختبارات الدبلوم العام للالتحاق بمقاعد الدراسة الجامعية، ولكن ما نبحث عنه اليوم التعليم الذي يبني العقول؛ تلك العقول القادرة على الابتكار والإبداع والنهوض بهذا الوطن، فبالتعليم ظهرت وتقدمت العديد من دول العالم التي كانت تُعد من دول العالم الثالث لكنها اليوم تنافس دول العالم المتقدم لتصبح جزءًا من المقدمة؛ والعامل الرئيسي في ذلك ليس الموارد الطبيعية وإنما نتيجة تعليم الإنسان، فالإنسان هو المورد البشري الحقيقي الذي يقوم بالدور الرئيسي في بناء الاقتصاد الوطني، فالعقول المبتكرة هي التي تتحكم اليوم في تفوق الاقتصاد العالمي، خاصة في مجال التقنية والمعرفة الحديثة، فظهور مُسميات حديثة كالانفجار المعرفي، والاقتصاد المعرفي، والعولمة الحديثة، والحداثة، والأجهزة الذكية، يُمثل الركائز الأساسية التي تعطي الدول التي تمتلكها النصيب الأكبر من الدخل العالمي.

في حين أننا لم نتغير وظل اقتصادنا تتحكم فيه السوق العالمية المعتمدة على سلعة النفط كمصدر غير دائم وقابل للزوال وتتحكم فيه العديد من العوامل الاقتصادية، بالرغم من أننا نعلم جيدًا أن الاعتماد على هذه السلعة لن يطول كثيراً ونحن بحاجة إلى موارد أخرى، والمورد الأساسي هو الإنسان الذي يظل بحاجة إلى البناء الناجح الذي يكون عماده بناء العقول والقدرات البشرية، ولكن ما يحدث اليوم هو هدر للمال دون الحصول على ذلك العائد المنشود من خلال العملية التعليمية، فهي ما زالت تعاني من العديد من الإشكاليات التي تؤثر في تحقيق تلك الغاية الوطنية، بالرغم من مرور سنوات على مطالبة فئات متعددة من المجتمع بضرورة إصلاح التعليم إلا أنّ حركة التغيير بطيئة ولا تحقق ذلك التطور أو التحسن المنشود، بالعكس من ذلك أصبحت اليوم تضاف إلى القائمة إشكاليات جديدة نتيجة لعدم القراءة الصحيحة للمستقبل، والنظرة الضيقة لوضع التعليم بالبلد، حتى أصبح اليوم ينظر إلى العجز الكبير في المعلمين على أنّه القضية الرئيسية في التعليم، بالرغم من أنه يمثل جزءا من المشكلة، إلا أن إيجاد معلمين قادرين على تحمل مسؤولية نجاح الطلبة وتطور مستوى أداءهم العقلي بحيث يمتلكون من المهارات العقلية والشخصية والتقنية والمهارات المتنوعة ما يؤهلهم ليصبحوا جزءا رئيسيا مؤثرا في الإنتاج الوطني والابتكار الاقتصادي، والوصول إلى هذا الهدف يحتاج إلى معالجة العديد من قضايا التعليم، لأن الوضع الحالي وما يعاني من إشكاليات متعددة يجعلنا نتحرك في ذات الدائرة المغلقة، والتي لم تتغير بالرغم من الإنفاق الكبير على التعليم.

فما يحدث في مدارسنا اليوم يؤكد على وجود العديد من الإشكاليات التي تظهر من اليوم الأول، بدءًا من الكثافة الطلابية التي تتجاوز (38) طالباً في القاعة الصفية، وهي تمثل عائقاً أمام المعلم في مدى مقدرته على تطبيق التعليم الحديث وما يتطلب من إعطاء الفرصة الزمنية لتقديم الأفضل وتوظيف الطرائق التدريسية الحديثة، وإتاحة الفرصة لجميع الطلبة للتعلم وتقديم الدعم والتغذية الراجعة والتقويم المناسب لهم، ولكن هذه الأعداد الكبيرة لا تتيح للمعلم الفرصة لتوظيف ذلك، إلا أن يلجأ للطرق التقليدية في التعليم، أضف إلى ذلك تلك المناهج القديمة والتي مر على بعضها أكثر من عقد من الزمان دون تغيير، ما تتضمنه من معارف ومعلومات قديمة تغيرت كثيرًا في حين أن المناهج لم تتغير، فهي ما زالت تنتظر بصيص الأمل في أن يكون لوثيقة المعايير أن تنتهي من مراحلها والتي مرت عليها سنوات دون أن ترى النور، بالرغم من أن إعداد المعايير يُعد مرحلة من مراحل بناء المناهج فهناك مراحل أخرى قبل البدء في التأليف، وهذا يعني أن هذه المناهج ستبقى لفترة من الزمن دن تغيير، إلى جانب ذلك تظهر إشكالية أخرى لدى المعلم والذي يضم عنصرين مهمين فالمعلم الكفء والمجيد غادر القاعة الصفية ليذهب خلف المقاعد الإدارية لأنه لم يجد ما ينصف الجهود التي قدمها، في حين أن الطلاب في حاجة إليه، إلا أن الوضع الحالي يضعه في ميزان متساوي مع المعلم العاجز وغير الراغب في القيام بواجبه في مهنة التعليم، ونسي المسؤول اليوم أننا نضحي بأجيال من الطلاب لأننا ما زلنا نقدم الرعاية الاجتماعية لذلك المعلم غير القادر على القيام بواجبه ونحتفظ به، هو في ذات الوقت يبث الأفكار الهدامة ويغرس القيم السلبية المرتبطة باحترام وتقدير قيمة العمل ويساهم في هدم النظام التعليمي؛ لأن المؤسسة المعنية بالتعليم لا تمتلك القانون الذي يحدد المعايير التي في ضوئها يقيم عمل المعلم ويحاسب أو يبعد عن التعليم، فيفترض أن ينقل الموظفون غير المنتجين لمؤسسات الرعاية الاجتماعية لتقدم لهم تلك الرعاية التي يحتاجونها، لأن الوطن يحتاج للأبناء المخلصين الأوفياء.

هذه القضايا هي الجزء الرئيسي المؤثر في نجاح المنظومة التعليمية، فبالرغم من تواجد إشكاليات أخرى لا يتيح لي المقال ذكرها، ولكن ما أود ذكره أن النظام التعليمي خلال الفترة الماضية لم يحقق ذلك التطوير الذي نرغب فيه، في حين أن الفترة القادمة تمثل مرحلة التقشف الاقتصادي في الميزانية الوطنية، الأمر الذي يعني أن هناك العديد من المشاريع التربوية والمعنية بتطوير التعليم قد يتم إيقافها أو تأجيل تنفيذها، لذا يتوجب أن تكون الأولوية للتعليم ويجب ألا يضمن في قائمة التقشف وأن يظل الإنفاق على التعليم في تزايد لأن المرحلة القادمة تتطلب بناء الإنسان.

تعليق عبر الفيس بوك