العراق على أبواب دوَّامة سياسيَّة

عبيدلي العبيدلي

كما جاء في وسائل الإعلام أنه "بناءً على مُقتضيات المصلحة العامة، واستنادا إلى المادة 78 من الدستور وتفويض مجلس النواب، قرَّر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي باسم الشعب تقليص عدد أعضاء مجلس الوزراء ليكون 22 عضوا -إضافة إلى رئيس مجلس الوزراء- بدلًا من 33 عضوا؛ وذلك عبر إلغاء المناصب الثلاثة لنواب رئيس مجلس الوزراء، وأربع وزارات، ودمج ثماني وزارات بعضها ببعض لجعلها أربعا فقط. جاءت هذه الخطوة ضمن حزمة من الإصلاحات لمكافحة الفساد والترهل، بعد أسابيع من التظاهرات الحاشدة ودعوة المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني، العبادي؛ ليكون أكثر جرأة في مكافحة الفساد".

... أوَّل ردود فعل على تلك الإجراءات التي اعتبرها البعض جريئة إلى حدٍّ ما، خاصة في ظل الظروف المعقدة التي يمر بها العراق، كانت مزيجا من الشكوك، والريبة، في قدرة العبادي على الخروج بالعراق من أزمته من خلال "ادعائه" محاربة الفساد، "رغم الضغوط الشعبية ودعم السيستاني للإصلاح". ويرجع هؤلاء المتشككين هذا الشعور إلى "الطبيعة المتجذرة للفساد في العراق واستفادة معظم الاحزاب والكتل السياسية منه"؛ الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان "أحداث تغييرات جوهرية"، بالمستوى الذي يصوِّره العبادي، الذي اعترف هو الآخر "بأن مسيرة الاصلاح ومكافحة الفساد لن تكون سهلة.. مشيرا إلى أنَّ المتضررين منها سيعملون بجد لتخريب كل خطوة".

وقبل الدخول إلى القوى الداخلية، وهي قوة اجتماعة/سياسية، من الخطأ التقليل من حجمها في معادلات ترتيب البيت العراقي من الداخل، والتي من الصعب قبول المس بمصالحها، هناك القوى الدولية، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة التي ليس من مصلحتها اليوم استقرار العراق، وهو ما أشار إليه الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان؛ حين أكد "أنَّ الأزمة الحالية في العراق ترتبط بشكل واضح بالتدخل العسكري الأمريكي عام 2003، (مضيفا في تصريح صحفي لوكالة "روسيا اليوم")، من المستحيل الفصل بين الوضع الحالي في العراق وبين الغزو الأمريكي لذلك البلد عام 2003؛ لأنَّ الأمريكيين لم يكتفوا بالتدخل العسكري، بل أقدموا على حلِّ القوات المسلحة، كما حلُّوا الهياكل الحكومية ومؤسسات الخدمة المدنية وحزب البعث؛ مما خلق فراغا أوصل العراق إلى ما هو عليه اليوم".

وتنبعُ أهمية تصريح أنان من كونه ترأس المنظمة الدولية ما بين عامي 1997-2006، أي إبان الغزو الأمريكي للعراق؛ لذلك نجده يُصر على أنه "لا أظن أن أحدا سيجادل حول أن الارتباط واضح وجلي". والمقصود هنا بين أزمة العراق والمشروع الأمريكي للشرق الأوسط.

ويُؤكِّد صحة مقولة أنان، تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذي حاول إبعاد الدور الإيراني عن المشهد السياسي العراقي عندما قال -مخاطبا الحكام العرب، ومن بينهم العراقيين- "قصتكم ليست مع إيران، قصتكم مع...أنفسكم".

وفي الاتجاه ذاته الذي يُعزِّز الإستراتيجية الأمريكية التي ليس من مصلحتها أن ترى العراق مستقرا، في المستقبل المنظور كحد أدنى، تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، خلال لقائه بنظرائه الخليجيين في مطلع أغسطس 2015، حين أشار إلى سعي حكومته "ردع وتوقف مسيرة تنظيم الدولة، وأن أمريكا ستقدم 62 مليون دولار للنازحين العراقيين، كما سنقدم 470 مليون دولار للعراقيين خلال السنوات المقبلة"؛ مما يدلُّ على أن واشنطن -وهي التي قوضت نظام صدام- لن يتجاوز دورها اليوم، والعراق يئن تحت ضربات قوى معادية خارجية وداخلية، ودولته مهددة بالانهيار، حدود المساعدات الإنسانية المتواضعة في حجمها وفي نطاقها.

وعلى المستوى الإقليمي، هناك قوى من بين الأهم فيا إيرا، هي الأخرى لا تجد لها مصلحة في استقرار العراق. نستذكر هنا تصريحا للرئيس الإيراني الأسبق أبو الحسن بني صدر، في لقاء له مع محطة "الجزيرة الفضائية"، يعترف فيه صراحة بأن مشروع الإمام الخميني كان يهدف إلى "إقامة حزام للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي، كان هذا الحزام يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان، وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج (الفارسي) للسيطرة على بقية العالم الإسلامي كان الخميني مقتنعاً (حسب أقوال بني صدر) بأن الأمريكيين سيسمحون له بتنفيذ ذلك".

ومن هنا، فمن غير المستبعد أن تقف إيران في وجه أية إجراءات تولدها حزمة الإجراءات الإصلاحية التي أقدم عليها العابدي الإصلاحي، فيما لو جاءت خارج محيط الدائرة الضيقة جدا التي تخدم ذلك المشروع الإيراني.

ومن القوى الخارجية التي قد تتعارض مصالحها وخطوات العابدي، نصل إلى القوى المحلية؛ فاختباء العبادي، كما يرى البعض "وراء عباءة المرجعية للاستقواء على خصومه مما أظهره منفذاً لتعليمات وليس صاحب مشروع إصلاحي يستهدف محاربة الفساد المستشري في مفاصل الدولة وتوفير الماء والكهرباء لمواطنيها"، يضعه في مواجهة قوى أخرى البعض منها ينطوي تحت مظلة المتضررين من تلك الخطوات، والبعض الآخر جراء تخوفه من سطوة تلك المؤسسة التي ربما تجير، في مراحل لاحقة، هذا النفوذ، كي يقف في وجه أي مشروع إصلاحي يمس مصالحها او يقلص من قوتها في المشهد السياسي العراقي.

هذا ما حذَّرت منه بعض القوى العراقة حينما أشارت إلى أن "حضور مرجعية السيستاني في تداعيات الأزمة المتشعبة عن نظام المحاصصة امتد إلى مواقف أطراف أخرى من المفترض أن تكون في مواقع خصوم حزمة الإصلاحات".

كلُّ ذلك يجعل العابدي وحزمة إصلاحاته تحت نيران مجموعة لا يستهان بها من الأعداء، ومن ثم يقلص حظها من النجاح، وبالتالي فمن غير المستبعد، أن يرغم العابدي إلى التراجع عنها، وفي حال رفضه ذلك؛ فربما يدخل العراق في دوامة ازمة سياسية طاحنة شبيهة بتلك التي تعيشها شقيقتاه سوريا ولبنان إن لم تكن أسوأ منهما بفضل تعقيدات الوضع العراقي من جانب، والحيز الشاسع الذي يحتله العراق على خارطة الشرق الأوسط.

تعليق عبر الفيس بوك