حاتم الطائي
أعضاء الكونجرس المحترمين،،،
تتجه أنظار العالم اليوم وكل الشعوب المُحبّة للسلام إلى طاولة الكونجرس التي أودع بها الاتفاق النووي الإيراني - الأمريكي؛ وذلك بغرض مناقشته وبحثه واعتماده أخيرًا خلال الأربعة أسابيع القادمة.. فالقاصي قبل الداني يعلم مقدار الجهود الجبارة التي بُذلت من مختلف الأطراف خلال السنوات الماضية من أجل الوصول إلى حل سلمي يرضي جميع الأطراف المتنازعة، ويجنب منطقتنا العربية "التي تسمونها الشرق الأوسط" ويلات الحروب وشرورها.. لاسيما وأننا لم نجن من الحروب التي شُنّت على المنطقة خلال العقود الماضية شيئاً سوى تعميق الجراح وزيادة أوجاع المنطقة وتشتتها وتشرذمها، بل إنّ الحرب على الإرهاب زادت من قوة وسطوة الإرهاب هنا وفي العالم أجمع.
من المؤكد أنّ هذا الاتفاق يصب في صالح الولايات المتحدة الأمريكية تماماً كما هو في صالح المنطقة والعالم أجمع، فإنّ كان الهدف هو الحد من نشاط إيران النووي ومنعها من امتلاك الأسلحة النووية فإن ذلك قد تمّ دون إراقة دماء وبلا تكلفة تذكر.
ومن هنا فإنّ عليكم أن تفكروا في مصلحة أمريكا أولاً ومصلحة المواطنين الذين صوّتوا لكم ووثقوا في صلاحيّاتكم.. لا ترهفوا السمع إلى اللوبيّات الخطيرة ومنها اللوبي الصهيوني ولوبي صناعة الأسلحة؛ فهؤلاء لا تهمهم سوى مصالحهم الآنية الضيّقة، وهم مستعدون للتضحية كما فعلوا سابقًا بالمصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكيّة من أجل حفنة من الدولارات.
من المعلوم أنّ هذا الاتفاق يمثل إرادة العديد من دول العالم التي كانت مشاركة في المفاوضات ومنها الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا وسيكون مستهجنًا بعد كل هذه المحادثات الماراثونية أن تنسحب الولايات المتحدة لعدم توافق مصالح بعض اللوبيات مع بنود هذا الاتفاق التاريخي. وإذا ما حدث هذا فإنّ الولايات المتحدة ستفقد مصداقيتها في المنطقة والعالم بأسره، وستثبت للجميع أنّها دولة تهوى الحروب وليست محبة للسلام، وستتجنب الدول مستقبلاً التفاوض معها لأنّها تنقض العهود والمواثيق بعد أن يتم اعتمادها دولياً وبشهادة العالم أجمع.
كما أنّ التنصل من هذا الاتفاق من شأنه أن يلقي بالعديد من النتائج السلبيّة على مستقبل العلاقات الأمريكية الدولية، فضلا عن أنّه سيمنح أعداءها الفرصة في دق إسفين في علاقاتها الخارجية مع العالم. خاصة وأنّ أمريكا بحاجة ماسة إلى تحسين صورتها في العالم بعد تاريخ طويل من الحروب غير العادلة وغير المتكافئة من فيتنام وأفغانستان وحتى العراق والتي لم يجن منها المواطن الأمريكي سوى المزيد من تراكم الديون العامة والتي جاءت خصما على التعليم والصحة والخدمات العامة التي تشهد تراجعاً لديكم.. وهذا ليس سراً بل هو نتيجة طبيعية للحروب والمغامرات العسكرية المجنونة.
ويعضد ذلك ما قاله وزير الخارجية الأمريكي جون كيري والذي حذّر من أنّ الدولار قد لا يصبح عملة الاحتياطي العالمي إذا انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق، وزاد أنّ الانسحاب الأحادي من الاتفاق سينال من الدور القيادي للولايات المتحدة الأمريكية وسيفقدها المصداقية.
أعضاء الكونجرس،،،
بقليل من التمعن والتفحص سنجد أنّ ما ستجنيه الولايات المتحدة من الاتفاق أكثر مما يمكن أن تخسره؛ فالاتفاق سيوفّر العديد من الفرص التجارية والتي تقدر عائداتها بمليارات الدولارات للقطاع الخاص الأمريكي في مختلف القطاعات الاقتصادية من النفط وحتى السياحة والتجارة. وقد أدركت الدول الأوروبية سر اللعبة مبكراً، فبادرت بتسيير الوفود التجارية لضمان حصتها من الكعكة الإيرانية. ومن هنا عليكم أيّها الأعضاء النظر إلى الجزء الممتلئ من الكأس الإيرانية.. فإيران دولة مترامية الأطراف، وسوق استهلاكية كبرى يقطنها 60 مليون نسمة، وتحتل موقعاً إستراتيجياً مهماً؛ لذا فالتحالف معها واستيعابها سيكون من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية وأفضل من مقاطعتها وعدائها، وسيعود ذلك بالنفع على الطرفين. كما أنّ حسم هذا الملف سيساعد الولايات المتحدة على التفرّغ للتنين الصيني وصعوده الاقتصادي والسياسي، والذي بات يشكل تهديداً أكبر بالنظر إلى ما تشكله إيران أو ما تبقى من الشرق الأوسط المثقل بالجراح والأنين، كما أنّ دول الخليج أبرمت خلال هذا العام العديد من صفقات الأسلحة وحسب أسعار النفط الحالية ولن تقوى على شراء المزيد. وبهذا تكونون قد ضمنتم مصالحكم في المنطقة دون الحاجة إلى حرب أخرى..
لقد بذلت سلطنة عمان على مدى السنوات الماضية وفي صمت وبدوافع إنسانية وحضارية جهوداً كبيرة من أجل تهيئة أرضيّة مشتركة تلتقي عليها أطراف النزاع، لا لشيء إلا لأننا ندرك جيّداً أنّ عدم وجود اتفاق يعني أنّ هناك حرباً أخرى مدمرة بل وأكثر دماراً مما سبقتها من حروب؛ وهذا ما لا نتمناه لمنطقتنا.
لذا كانت مسقط عند الموعد.. وكانت العاصمة الموثوق في دبلوماسيتها النزيهة، والأرض الطيبة التي شهدت ورعت اتفاق المبادئ، وتمّ تطويره لاحقاً ليشكل النواة التي ولد من رحمها الاتفاق النهائي، والذي رحبت به جميع دول العالم عدا إسرائيل التي قد لا تعي وتدرك أنّ الدفع باتجاه الحرب لن يجعلها في مأمن بل ستكتوي هي الأخرى بنيرانها الحارقة.
إنني ومعي الملايين من محبي السلام في العالم أجمع نؤمن إيماناً راسخاً وحقيقياً بأنّ الاتفاق السلمي أفضل الحلول لجميع الأطراف وأنّ الدول مهما كانت صغيرة أو كبيرة ومهما كان نفوذها فهي ذات سيادة ومن حق شعوبها ألا تشعر بأن هناك من يقهر إرادتها بالبغي والعدوان. ولذلك قدم الجميع في هذا الاتفاق تنازلات لصالح الإنسانية والسلام دون الإضرار بمصالح الشعوب الأخرى.
وإننا على يقين تام بأنّ منطقتنا العربية سوف تجني ثمارًا طيبة من هذا الاتفاق، فما يحيط بها من توترات واحتقانات وجيوب ملتهبة يجعلها أبعد ما تكون عن الحاجة إلى مزيد من الحرائق.. وسوف تستفيد دولنا من التجارة البينية بين دول المجلس وإيران بما يعود بالنفع على الجميع وسيفتح المجال لإغلاق الكثير من الملفات الملتهبة والحروب بالوكالة.
أعضاء الكونجرس،،،
إن كنتم تريدون الحرب فالأولى أن تكون حربكم ضد الفقر، وتراجع الخدمات الصحيّة في بلادكم، ومنها إلى العالم.. فالنفقات الباهظة للحروب التي شنّها صقور الكونجرس أرهقت الخزائن الأمريكية وكلفتها أموالا كثيرة؛ كان الأولى بها دافعو الضرائب في مختلف الولايات المتحدة.
إنّ مسؤوليتكم اليوم كبيرة حتى تكونوا جزءاً من ضمير السلام العالمي، وتختاروا طريق التنمية والمحبة بين الشعوب بدلا من دروب الحرب والكراهيّة..