زيارة لقانون التراث القومي بعد خمسة وثلاثين عاماً

زينب محمد سالم الغريبي

Zaianbalgharibi@yahoo.com

لا أعرف لماذا يكون الألم شديدًا عندما أكتب عن تراثنا، هل هو القلق مما يحمله المستقبل على هذا التراث من عملية التحديث المستمرة، أو الخوف عليه من مشاعر الترفع التي يبديها بعض الجيل الجديد الذي وجد نفسه يعيش في عالم مفتوح تتداخل فيه الثقافات والمنتجات لابد من مواكبتها لأن ذلك يولد لديه شعور بالانتماء والمواكبة بينما تمسكه بتراثه والمحافظة عليه يولد لديه شعورا بالانكفاء، وبالتالي نحن نحلق كل يوم بعيدًا عن تفاصيل وعناصر ثقافتنا، وربما لا يعرف كثيرون أن عمان إن كانت غنية بشيء فبتاريخها، وإن كانت متأملة في أحد ففي إنسانها، ومن المؤكد أنّهم لا يعرفون أنّ قائد هذا البلد وضع منذ لحظة مبكرة قانونا متقدما في جميع مواده للحفاظ على التراث القومي، حيث كان في وقت كان الجميع يريد تحقيق المعاصرة بسرعة، ولكن هو المفهوم الحقيقي الذي كان يحمله هذا القائد للتنمية، وهو بعد النظر من خطورة حداثة ربما تكون مشوهة لبلد تتناثر قلاعه وحصونه في كل شبر، وتتوزع مخطوطاته ووثائقه في أكثر من بلد.

إنّ العودة لزيارة قانون التراث القومي بعد خمسة وثلاثين عاما من صدوره بموجب المرسوم السلطاني رقم (6/80) في 10 فبراير من 1980م، بعد انضمام السلطنة إلى الاتفاقية الدولية الخاصة بالتدابير الواجب اتخاذها لحظر ومنع استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة بموجب المرسوم السلطاني رقم (69/75)، هذا القانون عرف التراث القومي بأنه يشمل ثلاثة أنواع هي الآثار بأنواعها، والممتلكات الثقافية المنقولة بما تشمله من نتاج الحفريات الأثرية والقطع التي كانت في الأصل جزءا من آثار أو من مواقع أثرية، علاوة على تجمعات المباني الأثرية، وأعتبر أن كل مبنى أو بناء أو تل قديم أو مكان للدفن أو كهف أو صخر أو تمثال أو نقش أو كتلة حجرية واحدة مما تكون له قيمة تاريخية أو أثرية أو فنية أو علمية ويرجع العهد به إلى مدة لا تقل عن ستين عاماً أثرا يستحق المحافظة، وحدد من الناحية الجغرافية حدود الأثر بأنه يشمل موقع الأثر وأي جزء من مساحة الأرض يكون لازما لتسوير الأثر أو حماية منظره أو شكله الفني أو لوقاية الأثر وحمايته على وجه كان، أما الممتلكات الثقافية المنقولة فعرفها القانون بأنها الممتلكات ذات القيمة في علم الآثار أو التاريخ أو الفن أو العلوم ويرجع العهد بها إلى مدة لا تقل عن ستين عاماً أو صدر قرار من الوزير باعتبارها ملكية ثقافية وهي تشمل سبع فئات هي: المجموعات والنماذج النادرة من مملكتي الحيوان والنبات ومن المعادن أو علم التشريح والقطع الهامة لصلتها بعلم الحفريات، والممتلكات المتعلقة بالتاريخ، ونتاج الحفائر الأثرية (المصرح بها وغير المصرح) والاكتشافات الأثرية، والقطع التي كانت تشكل جزءا من آثار فنية أو تاريخية مبتورة أو من مواقع أثرية، والآثار كالنقوش والعملات والأختام المحفورة، والأشياء ذات القيمة الأثنولوجية (علم الأجناس)، والأشياء ذات القيمة الفنية (الصور واللوحات والرسوم المصنوعة كلها باليد أياً كانت المواد التي استخدمتها، التماثيل والمنحوتات الأصلية أيا كانت المواد التي صنعت منها، الصور الأصلية المنقوشة أو المرسومة أو المطبوعات على الحجر، وأعمال التجميع والتركيب الفني الأصلية أيا كانت المواد التي صنعت منها، والمخطوطات النادرة والكتب القديمة والوثائق والمطبوعات ذات القيمة الخاصة (من الناحية التاريخية والفنية أو العلمية أو الأدبية) وقطع الأثاث ذات الطابع التقليدي والخزف المطلي والأدوات الموسيقية والمجوهرات والأسلحة وغيرها.

لقد حدد هذا القانون بدقة ما التراث الذي يجب أن نقوم بجمعه وتسجيله والمحافظة عليه، ولم يترك جزئية أو عنصرًا إلا ضمنه، نتيجة لإدراك عميق للتراث الذي تمتلكه عمان، وبالتالي كانت الرغبة في إطلاق عمليتين للتنمية تنمية التراث والأصالة وتنمية المعاصرة، وكان هذا المسار صعبًا في ذلك الوقت لكن هي رغبة قائد البلد في الانطلاق في تنمية لا تقضي على الهوية الوطنية، وفي الوقت الذي كانت تبنى فيه عمارة كانت ترمم قلعة، وفي الوقت الذي يشق ويمهد شارع، كان ينقب عن آثار ونقوش وغيرها، وفي الوقت الذي تفتح فيه مدرسة، كان يفتح فيه متحف، فكان التراث ظاهرا غير متوارٍ في ظل عملية البناء المتسارعة، وجاء هذا القانون قبل كثير من القوانين يحمل رسالة من القائد أنه لا شيء يجب أن يكون على حساب التراث الوطني، فلا قيمة لتنمية إذا كانت على حساب الهوية الوطنية.

صدر هذا القانون منذ خمسة وثلاثين عاماً وتضمن مواد كثيرة لوقاية الآثار، تتعلق بواجبات الدولة والأفراد تجاه المواقع الأثرية، من أجل عمل قوائم رسمية مسجلة لكل أنواع الآثار الواردة في هذا القانون، هذا فضلاً عن العقوبات التي يتعرض لها كل من يدمر أو يهدم أو ينقل أو يغير أو يشوه أو يقوم بأيّ عمل مما يتسبب عنه ضياع أي أثر مسجل أو الحاق الضرر به، كما كان التأكيد على جوانب مهمة جدًا مرتبطة بحماية الآثار أثناء أعمال الحفر، وكذلك حماية وحفظ الممتلكات وحفظ الممتلكات الثقافية المنقولة وتنظيم عملية شرائها وبيعها، وحماية تجمعات المباني والمواقع، ولا نعرف التقدم الذي أنجز في هذه المسارات بعد ثلاثة عقود ونصف، أخشى أننا بعد التنمية التراثية في مرحلة السبعينيات والثمانينيات دخلنا في مرحلة ركود، وأننا بعد أن بدأنا عملية لبث النبض في قلب تراثنا، بدأ هذا النبض يضعف شيئا فشيئا خلال العقدين الماضيين، حتى جاء القائد مرة أخرى يدشن مشروع متحف "عمان عبر الزمان"، وظهوره في حجر أساس هذا المشروع هو رسالة هامة جدا لنا لأن نعود لهذا القانون ونقرأه ونقيم درجة العمل به، ونبدأ نستعيد زمام المبادرة لجعل الحياة تدب في كل حصن أو قلعة أو بيت أو مبنى أثري، ولتنشيط الدراسات والتنقيب الأثري.

تعليق عبر الفيس بوك