"أنا أفكر.. إذن أنا موجود"

المعتصم البوسعيدي

في تطواف بسيط على استعدادات الأندية الأوروبية للموسم الجديد، لن نحتاج لنظرة فاحصة لندرك ان الاستثمار في استضافة هذه الأندية ليس فقط مربحًا ماديًّا، بل أبعد من ذلك. ولا نستغرب أن نجدَ دولَ شرق آسيا ناجحة في هذا المجال؛ لأن السياحة عندها ليست مناظر طبيعية فقط؛ بل هي صناعة "مزدهرة" تستغل أيما استغلال شعبية كرة القدم للترويج الأسرع والأكبر، علما بأن الرابحين كُثر، ولعلّ النادي هو الرابح الأكبر خاصة في الجانب المادي.

مفهوم الصناعة الذي أتَّحدث عنه ليس فقط ابتكارًا من عدم، أو ضخ أموال طائلة لدراسة جدوى؛ فهناك أيضًا صناعة تحتمها الظروف ومتطلبات الاحداث قد تكون صناعة من الفشل كما حدث لليابان التي دفعت فاتورة باهظة الثمن إثر تلقيها عقاب عدم التزامها بمؤتمر " بوتسدام" الذي نص على أن تستسلم اليابان استسلاما كاملا دون أي شروط إبان غروب الحرب العالمية الثانية 1945؛ فكانت النتيجة في مثل هذا اليوم ان تلقت هيروشيما الهجوم النووي الأول ثم التحقت بها ناجازاكي بعد ثلاثة أيام ليخلف هذا الهجوم موت مئات الآلاف وتدمير هائل لم يسبقه مثيل، لكن الأمر لم يتوقف عند استسلام اليابان وتوقيعها معاهدة أخرى على حطام ما لحق بها، فقد شهد العالم ثورة يابانية استطاعت ان تصنع من الفشل نجاح باهر فكانت ان احتلت اليابان مكانة جديدة لها بين دول العالم الكبرى.

نظل نتحدث عن الإمكانيات ونعزف على وتر "ما باليد حيلة"، نظل نتعاقد مع خبراء ونقيم الندوات والمحاضرات ، ثم نبتكر "قيود" الواقع والفوارق بيننا والآخر، ونرفض في الوقت نفسه المقارنة مع الآخرين، نظل نصنع مبررات الفشل والاخطاء والإخفاقات، وربما نقف كثيرا عند المسببات لا الأسباب وننظر للمسؤول وخاصة في الأندية على أنهم "ضحايا" فهم يقومون بعمل "تطوعي" ويدفعون وقتهم ومالهم والغريب أنهم رغم قسوة الهم الذي يكابدونه من أجل الرقي والازدهار، ورغم النقد اللاذع يظلون على كراسيهم بل يتشبثون بها!

وفي نقاشاتنا الكثيرة، نتوقف عند "هل العربة تقود أم الحصان؟" نستمتع بطرح الجدليات "البيزنطية" ليخرج الجميع مُنتصرين وخاسرين في الآن نفسه، وقضايا الرياضة معنا هي ردة فعل وليست فعل حقيقي من الأساس حتى أننا نجد على المستوى الاعلامي الرياضي المرئي إجازة رمضانية وربما صيفية فهل رياضتنا لها دورة عمل معينة؟! وبالعودة لحال الأندية "الصعب للغاية" نجد إنها تتعاقد مع اللاعبين وبرنامج إعدادها غير محدد فهو مرهون بتفرغ جل لاعبيها المواطنيين من التزاماتهم لفرقهم الأهلية وغيرها وعند البداية تظهر "عيوب" البناء ويدفع "المقاول" غرامة تسببه في الأمر ويرضى الجميع بهذه "التسوية" أما البيت فيظل كما هو وما الضير فعجائب الدنيا -يقول قائل- بها عيوب!!

نستعرض في الخليج العربي قوتنا، ونستشهد بكأس الخليج هذه البطولة التي "وُلدت لتبقى" وفي دورتها نعيش على "وقع الحسام المهند" الذي لا "يبرأ" ضربه ولا تغني عنه القصائد والأشعار، والسؤال الأهم ماذا صنعنا من كأس الخليج؟ أو ماذا صنعنا بكأس الخليج؟ ربما "الاستعراض" هو أكثر ما نتقنه فحتى مع قوة "النافذين" لم نتحصل على اعتراف دولي للبطولة، فهي "العصا" السحرية التي لن تستطيع ان تكون "أفعى" حقيقية فالحق بين "والسحرة" آمنوا به!!

يجب أن نفكر ثم نفكر ثم نفكر، الوطن مساحة كبيرة للتفكير وهو يريد منا ذلك، علينا أن نصنع من اللا شيء وجودًا ومن الوجود شيئًا مختلفًا؛ فالضباب جزء حقيقي من جمال محافظة ظفار في موسم خريفها رغم أننا نبحث عن رؤية الطبيعة بدونه، وصناعة السياحة هو العمق الذي تستديم معه كما هو حال رياضتنا التي ليست خيالا ان نصنع منها ثروة، يبقى ان لا نضع دائرة ضيقة للعمل "أنا أفكر.. إذن أنا موجود".

تعليق عبر الفيس بوك