بين كاتب ومسؤول.. مكالمة مجهولة!

سلطان الخروصي

قيل إنَّ الصَّحافة هي السلطة الرابعة، وهي الجندي الخفي الذي لا يُدلِّس الحقائق ولا يغتالها، هي مهنة المتاعب ومشنقة الموت بين غمضة عين وانتباهتها، وأخيرا هي القلب النابض بحياة الشعوب وحقوق المعدمين، تتلوَّن الصحافة بتباين الهدف، وتتنوع المشاهد بنماذج المقاصد، والكاتب هو تلك الجوهرة التي يتربص للظفر بها جموعا مختلفة من الأحزاب والأنظمة ليكون بوقها الناطق وعندليبها الحاذق، ومثل تلك النماذج كثيرة في تاريخ البشر. وبالمقابل، هناك من عموم الناس من هذَّب بنانه ليخط ما يمليه عليه ميثاق الشرف الصحفي، يسترق الخطوات ليصل إلى كبد الحقيقة، ويبحث عن خيوط هلامية للمشهد فينسج من خلالها لوحة متكاملة يقدمها للجمهور على طبق من ذهب تكلفته في الغالب بضع سنين عجاف من حياته تكسر جبروت فحولته في غياهب "ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها"، وقد تختصر له بقذارة التصفيات الشخصية باختلاف نذالتها وخستها.

إلا أنَّ الكاتب الخليجي بشكل عام والعماني على وجه الخصوص يبدو في رَغَد من الأمن والاستقرار بمداده في تقديم قراءات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية في الساحة الإقليمية والمحلية، لكن تلك المساحات مأطرة بمحددات وخطوط حمراء محرمة في قاموس مقص الرقيب لدواع متباينة بعضها مبرر وكثيرها بهرجة، والمتتبع لمسيرة الكاتب العماني في منهجية نقده المؤسساتي والمطالبة بتجويد الإنتاج والخدمات يجدها كثيرة جدا؛ فهناك عدد ليس بالقليل تزخر بهم البلاد يرسمون زوايا دقيقة لمنظومة إصلاحية تنموية تتطلب من السادة المسؤولين الوقوف أمامها بجدية وحزم، لا أن تكون زوبعة في عُمق فنجان، فكم من المقالات والرؤى والتحليلات التي يطرحها متخصصون لمؤسسات بعينها عبر نافذة الصحافة، لكنَّ السؤال الأهم: هل تواضع السيد المسؤول ورفع سماعة الهاتف وقال للكاتب أنتظرك في مكتبي لأناقش مقالك الذي خصصته عن مؤسستي؟ فمن المؤسف جدًّا أن تجد على مدخل المؤسسة صندوقا يتيما منزويا وقد كُتب عليه "صندوق الاقتراحات والشكاوى"، بينما يطرح نخبة من الكتاب العمانيين الغيورين على بلدهم من الأكاديميين الذين يحملون الدكتوراه والماجستير -ومنهم الخبراء ومن يُعوَّل عليهم صناعة القرار- فيسطرون بمدادهم آراء ودراسات علمية واستطلاعات مجتمعية ومقترحات، لكن يحز في نفس المسؤول أن يرسل بريدا إلكترونيا أو رسالة نصية أو يرفع سماعة الهاتف ليناقش الكاتب حول آرائه وأفكاره!

دعونا نقرِّب العدسة أكثر حول ما سبق ذكره، ولو تطرقنا إلى وزارة التربية والتعليم باعتبار أنَّ التعليم هو العمود الفقري للدولة مع الدفاع والصحة، فسيلحظ المتابع للمشهد التربوي بالسلطنة تخبطاً كبيراً في المخرجات، وترهلا في المناهج التي أساسا لا تتسم بالمعايير العالمية، علاوة على ارتفاع الضجر وعدم الرضا الوظيفي للكوادر التدريسية بسبب الأعباء الوظيفية وشح الحوافز وضبابية المستقبل المهني...وغيرها من العوامل التي تنجلت في اعتصامات وإضرابات الملتحقين بالميدان التربوي عن العمل خلال السنوات الخمس الماضية، وهجرة جموعا غفيرة من الكفاءات إلى مؤسسات حكومية أخرى وبعض مؤسسات القطاع الخاص، وحول ذلك كتب كثيرٌ من المتخصصين في الحقل التربوي من أكاديميين وتربويين حول الهفوات التي من المفترض أن تعكف عليها وزارة التربية والتعليم لتفاديها في سبيل ترميم البيت التربوي العماني. ومن جريدة "الرؤية"، أذكر بعض الأقلام التي كتبت في ذلك مثل: د.محمد العريمي، ود.سيف المعمري، وحميد السعيدي، وزينب الغريبية، وعيسى الرواحي، وخالد الخوالدي...وغيرهم، إضافة إلى عنوانين مختلفة طرحتها عبر جنبات "الرؤية" طوال تجربتي فيها مثل: "معلم على قارعة التسول"، و"مكتب إشراف السويق يغرد خارج السرب"، و"حينما تخطئ وزارة التربية والتعليم"، و"مناهجنا وثقافة الانتقاد"، و"العام الدراسي الجديد ومطالب المعلمين المتجددة"...وغيرها الكثير، لكن يظل السؤال قائما: هل "تكرَّم" المسؤول لترفع راحة يده سماعة الهاتف ويناقش كاتبا خصَّ مؤسسته بالذكر ليناقشه حول ما كتب؟

نحن بحاجة لأن يولي السادة المسؤولين ثقتهم وتقديرهم بالكاتب العماني أمام ما يبذله قلبه وعقله من جهد غليظ ليخط مداده ما يراه مصلحة عامة. من المفترض أن يكون الكاتب بمقام العين الثالثة للمسؤول يُبصر بها جوانب القصور فيسعى لتجويد وتطوير مؤسسته، ومن المحزن والمؤسف أن يكون الكاتب العماني الأصيل الثمين مركونا على شفا جرف هار، بينما تلمع بعض الأقلام وتبجل لحاجة في نفس يعقوب فيخلط بين القلم المقنع والمقنع؛ فالتاريخ خير شاهد على رصانة وفصاحة ودقة وأمانة القلم العماني وثقة المسؤولين -أيًّا كان نظام الحكم- عبر سيرورة الزمان بتلك الأقلام، بل حتى في التاريخ العربي والإسلامي كانت هناك دواوين خاصة بالكتاب والشعراء والناقدين المصلحين، فلا يجرمنك أيها السيد المسؤول شنآن قوم أن دلسوا عليك الصورة لتكون قاتمة حول الكاتب الوطني العماني، فاختصر كلام (العذال) بكبسة زر عبر هاتفك أو بريدك الإلكتروني للكاتب فكلاكما يكمل الآخر لبناء مستقبل زاهر وزاخر للوطن.

sultankamis@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك