كمثل الجسد الواحد

خلفان العاصمي

بعيدًا عن ما تشهده ساحات التواصل الاجتماعي من أحاديث ومهاترات قد تصل للتحقير والشتم وغيرها من الأخلاقيات المرفوضة التي ظهرت كأحد النواتج السلبية للتقنية الحديثة وما صاحبها من ثورة في عالم التواصل والذي أصبح سهلا ومتاحًا في أيدي الصغير قبل الكبير، ولعل ما تعيشه بعض الدول العربية من أفكار مغلوطة ومفاهيم غير واقعية حول عملية التعايش ما بين أبناء المجتمع الواحد أو أبناء الأمة الإسلامية بشكل عام وما يثيره بعض المتعاملين مع هذه الوسائل من فتنة تتنافى وحديث الرسول محمد صلى الله عليه وسلم حول أهمية ما يجب أن يكون عليه حال الأمة الإسلامية وهو ما يتجلى في قوله عليه الصلاة والسلام: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، ما زلنا نعيش تفاصيل ثلاثة مشاهد متتالية حدثت في غضون الأسبوعين الماضيين تحمل معاني ودلالات واضحة على سمو الإنسان أينما كان وأينما وجد وأن الفطرة التي خلق الله بها الإنسان هي حب الخير للآخر وليس العكس وذلك تجسيداً لمعاني الحديث المذكور، هذه المشاهد والتي سأدلل بها في هذا المقال كشواهد لحقيقة الإنسان وهي الخير بعيدا عن ما يتبناه البعض من عوامل للفرقة والشقاق وسأسرد المشاهد حسب تسلسل حدوثها.. والبداية مع حادثة غرق شباب من دولة الإمارات العربية المتحدة وفقدان اثنين منهم وما نتج عن ذلك من تلاحم ما بين المواطنين من أبناء محافظة ظفار أو المحافظات الأخرى وتشكيلهم لفرق للبحث عن المفقودين بالتعاون مع الجهات المعنية كالهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف ومكتب والي مرباط والذي خصص مكاناً مجهزا لإيواء أسرة الشابين المفقودين خلال عملية البحث والتي ما زالت مستمرة مع الظروف الجوية المصاحبة لموسم الخريف بمحافظة ظفار وما ينتج عنه من ارتفاع عال في موج البحر إلا أن عمليات البحث لم تتوقف بل اتسعت دائرة المشاركين لتشمل متطوعين نصبوا خيامهم بمقربة من الشاطئ ليقوموا بالتناوب في عملية البحث كصورة من صور التلاحم والتعاضد.

المشهد الآخر هو مشهد الطفلة السعودية والتي كانت هي وعائلتها ينزلون بأحد الفنادق بمحافظة مسندم وأثناء تواجدها بحديقة الفندق تعرضت لرصاصة طائشة أطلقت من خارج الفندق أثناء احتفال خاص كان يقام هناك ومع انتشار الخبر تسارعت وتيرة التفاعل معه لمعرفة حالة الطفلة والاطمئنان عليها وكذلك للمطالبة بسن قوانين صارمة تجرم إطلاق الأعيرة النارية أثناء الاحتفالات والتصدي لكل من يقوم بذلك حتى لا يُعرض حياة الآخرين للخطر وفي الوقت ذاته قامت الجهات المختصة بوزارة الصحة بعمل اللازم من حيث نقل الطفلة لمستشفى النهضة وإجراء عملية جراحية لها لإزالة شظايا الرصاصة وبحمد الله تكللت العملية بنجاح ومع هذا المشهد نجد حالة التواد والتراحم كانت حاضرة فمن خلال الصور التي يتم تداولها للمواطنين العمانيين الذين توافدوا لزيارة الطفلة في المستشفى للسؤال عنها والاطمئنان عليها كانت جدا معبرة، إضافة لما قام به جهاز شرطة عمان السلطانية في إطار دوره الاجتماعي وما يحتمه الواجب الإنساني.

المشهد الثالث والذي فجع إخواننا في مدينة الأحساء بالمملكة العربية السعودية قبل أن يفجعنا هنا في السلطنة وهو الحادث الذي تعرضت له حافلة عمانية تقل معتمرين قادمين إلى السلطنة وفي الطريق اصطدموا وجها لوجه مع شاحنة بالقرب من منطقة خريص لينتج عنه وفاة تسعة أشخاص وإصابة البقية إصابات متفاوتة بين الحرجة والمتوسطة ومع ما شكله هذا الخبر من حالة من الحزن تشكلت ملامح أخرى للتكاتف والتعاضد ما بين الأشقاء فسبحان الله كأنّه رد للجميل الذي قدم لتلك الطفلة وإن لم يكن جميلا بل هو واجب ولكن القدر أراد أن يأتي الرد بشكل عاجل ولقد شكل الأشقاء في المملكة العربية السعودية سواء من خلال الفرق التطوعية والخيرية هناك أو من خلال المبادرات التي تبنوها في تلك اللحظة شكلوا حالة من الاستنفار واشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي لتنقل الصور من هناك مطمئنة أهالي المصابين بأنهم بين أيدي إخوة لهم هناك كما تمّ توفير كل المتطلبات الأخرى من سكن ومواصلات واتصالات وغيرها في حين قامت الجهات الطبية من باب دورها الإنساني بتقديم الرعاية الصحية الكاملة للمصابين والذين تم توزيعهم على عدد من المستشفيات إلى أن قامت الجهات المعنية في السلطنة بنقل جثامين المتوفين وكذلك المصابين إلى مستشفيات السلطنة كل حسب الإصابة التي تعرض لها.

مشاهد ثلاثة بكل ما فيها من حالات من الفقد والحزن إلا أنها أثبتت أن العالم الواقعي هو المقياس الحقيقي للعلاقة ما بين بني البشر وأن ما يحدث في العالم الافتراضي هو خال من المشاعر فلو نقلوا من هناك إلى أرض الواقع بمشاعرهم وأحاسيسهم لتغيرت أفعالهم قبل أقوالهم.

تعليق عبر الفيس بوك