رفع الدعم عن الوقود.. "دواء علقم" لعلاج التحديات الاقتصادية وخطوة ضرورية لمواجهة "نزيف التهريب"

 

دراسة "الغرفة": رفع الدعم ضرورة لا مفر منها.. والسلطنة "غير مهيأة"

بالأرقام.. سعر الوقود في السلطنة من الأقل عالميًا توجه دولي متسارع نحو خفض الدعم على المحروقات

الأغنياء يستحوذون على أكثر من 43% من الدعم.. و"الفتات" للفقراء

ارتفاع التضخم واستياء شعبي وتراجع الاستثمارات.. مخاطر محتملة لرفع الدعم

التجربة البرازيلية.. تدرج في رفع الدعم يتزامن مع تحسين الخدمات العامة للمواطن

استبيان: "لا" لرفع الدعم تتفوق على "نعم" خشية ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية

تعويض المتضررين من رفع الدعم وفق آليات تضمن العدالة الاجتماعية

الرؤية- نجلاء عبدالعال

ربما لم يكن موضوع دعم الوقود غائبا عن موائد البحث الحكومية لكنه على الأقل كان متواريا عن اهتمامات الناس بعد ردود الأفعال التي اعقبت أولى تصريحات الحكومة في هذا الشأن، والتي نشرتها "الرؤية" قبل عامين تقريبًا، عندما صرح معالي وزير المالية بأنّ تحريك الدعم على الوقود أصبح ضروريا، وأن الحكومة أعدت بالفعل دراسة متكاملة حول الموضوع.. وقتها كان سعر النفط يتخطى المائة دولار، وبالتالي كان حساب دعم المحروقات يحسب بتسعة أصفار، فالدعم يحسب بمقدار ما كان يمكن أن يحققه النفط من عائد إذا تم توجيهه للتصدير في غالبية الدول، لكن في السلطنة فإن الحكومة تبيع النفط لشركة المصافي "أوربك" بالسعر العالمي وتشتري أيضًا الإنتاج بالسعر العالمي، وتقدم الوقود في شكله النهائي جاهزًا بالسعر المدعوم. وهذا يكلف الدولة أكثر مما لو كان الدعم مباشرا في سعر النفط الخام.

وعندما أصدرت دولة الإمارات العربية الشقيقة قرارها مؤخرا برفع الدعم عن الوقود بداية من أول أغسطس عادت القضية لتطفو على السطح من جديد في السلطنة، فسواء حركت الحكومة أسعار الوقود أو لم تفعل فإنّ أسعار كثير من السلع الاستهلاكية بل وبعض السلع الأخرى ستتأثر بقرار الإمارات لأنّه ببساطة غالبية السلع التي تستوردها السلطنة تأتي عبر الإمارات عن طريق البر ولذلك فإنّ الكلفة سترتفع مع رفع أسعار الوقود هناك، كما أنّ غالبية الصادرات غير النفطية للسلطنة أيضا تتم عبر الإمارات عن طريق البر وهو ما قد يرفع كلفة الأعمال على المصدرين.

ورغم اختلاف المعطيات قبل عامين عمّا هي عليه الآن إلا أن كثيرا من ردود الأفعال كانت واحدة، فغالبية مشاركات المواطنين على وسائل التواصل كانت رافضة للفكرة لأنها سترفع الأسعار ورأى بعضهم أنّ الحل إذا لم يكن هناك بد من رفع الدعم أن يجري تعويض المواطنين سواء في شكل رفع الأجور أو بطاقات تعبئة خاصة لهم بحيث يتحمل الوافدون الجزء الأكبر من رفع الدعم، أمّا أصحاب الأعمال والمستثمرون فعادت تشغلهم حصص الأرباح ومصاريف التشغيل من أجور قد يضطرون لرفعها، وكلفة نقل بضائع وغيرها من الأعمال المرتبطة بالوقود.

خفض الدعم

ارتفاع سعر النفط قبل عامين كان وراء تفكير الحكومة في تخفيف ما تنفقه على الدعم لكن انخفاض سعر النفط على مدى ما يقرب من عام، شكل دافعا قويا للتفكير في الأمر بجدية أكبر مع ما يمثله عائد النفط كمحور وعمود فقري للدخل الوطني..

فانخفاض السعر للنصف يعني بالمقابل ارتفاع العجز المتوقع، والذي ربما يتحول إلى عجز حقيقي، وتوسيع فجوة الفارق بين الإنفاق والإيرادات بشكل قد لا تتمكن الاستدانة الداخلية من ردمه، وبجانب ذلك فإن ما تعاني منه السلطنة على مدى سنوات من ظاهرة تهريب للوقود يعتقد البعض أنه سيتزايد مع اتساع الفارق في أسعار الوقود بين داخل السلطنة وأقرب الجارات، ولكل هذا ربما كان التفكير الجدي نحو تحريك اسعار الوقود له ما يبرره.

وفي هذا الصدد يثار تساؤلا حول حقيقة وجود فروق في أسعار الوقود داخل السلطنة ومتوسط أسعاره عالميا، وهذا التساؤل تجيب عنه إحصائيات وبيانات البنك الدولي التي نشرت جداول بأسعار البنزين في كل الدول ومتوسطات السعر في مناطق بينها مشتركات، وتظهر هذه البيانات أن سعر الوقود في سلطنة عمان من أقل الأسعار في العالم وتعد فنزويلا أكبر الدول دعما للوقود حيث يباع بسعر 0.015 دولار للتر، وتحتل دول منطقة الخليج العربي المراتب التالية حيث تأتي المملكة العربية السعودية بسعر 0.16 دولار كثاني أقل سعر للتر البنزين في العالم، ثم الكويت بسعر 0.22 دولار، وقطر بسعر 0.23 دولار، والبحرين 0.27 دولار، ثم تأتي عُمان بمتوسط سعر 0.31 دولارا للتر البنزين، تليها العراق ومن ثم الإمارات 0.47 دولار قبل القرار الأخير بتحريك السعر.. ورغم أن دولة الإمارات هي الأعلى بين دول الخليج في سعر البنزبن بالفعل إلا أنها كانت أولهم في اتخاذ قرار تحريك أسعار الوقود مرة أخرى.

فيما تظهر بيانات البنك الدولي أنّ متوسط سعر البنزين في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل يبلغ 1.225 دولار، فإنّ متوسط السعر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يبلغ 0.895 دولار، ويبلغ متوسط السعر في دول العالم العربي 0.825 دولار.

ومن هنا نصل الى نتيجة مفادها أنّ سعر الوقود في السلطنة بالفعل يقترب من الحدود الدنيا له في العالم، لكن هل للقرار في حال اتخاذه آثار قد تكون أكبر سلبية على الاقتصاد من ايجابياته؟

هذا السؤال لم يغب عن ذهن الحكومة بالتأكيد وهو ما أكده معالي درويش البلوشي عندما أوضح أنّه أولى اهتمامًا كبيرًا بالدراسة التي أعدتها الحكومة حول هذا الموضوع، ولكن ولعدم الكشف عن نتائج الدراسة حتى الآن فإنّ الاستنارة بمرئيات الدراسات ذاتية المجهود من قبل غرفة تجارة وصناعة عمان يمكن أن يكشف عن أبعاد إيجابيّة وسلبيّة أيضًا للقرار.

دراسة "الغرفة"

فالدراسة (التي اعدتها الغرفة) تناولت سبعة محاور رئيسة شملت : "التوجه العالمي نحو رفع الدعم عن الطاقة"، و"محاذير الاستمرار في سياسة الدعم ومحاذير رفع الدعم"، و"مقارنات رقمية للدعم المقدم من بلدان الشرق الأوسط"، بجانب استعراض عدد من "تجارب بعض الدول التي رفعت الدعم عن وقودها وسبل الاستفادة منها"، كما شملت إلقاء الضوء على "وجهة نظر القطاع الخاص العماني ..قراءة لنتائج الاستبيان المعد من قبل الغرفة"، والمحور السادس طرح تساؤلا عن "هل الظروف الاقتصادية والاجتماعية للسلطنة ملائمة لهذا التحول؟"، وألقى المحور السابع الضوء على "البدائل الممكن اتباعها على المدى القريب والمتوسط لتفادي رفع الدعم"، وشملت الدراسة كذلك استعراضا لبعض الأساليب المقترحة للتحول.​

وفي مجال استعراض الدراسة للتوجه العالمي، أشارت إلى انتشار الدعم في كافة أقطار العالم منذ مئات السنين وفي قطاعات مختلفة، وأنّ هناك توجها متسارعًا نحو رفع الدعم عن الطاقة تقوده بعض المنظمات الاقتصادية والمالية مثل صندوق النقد الدولي ومجموعة العشرين، وتطرقت إلى أنّ المنتدى الاقتصادي العالمي الأخير المنعقد بالأردن في مايو 2013 أصدر توصية يحث فيها الدول لرفع الدعم عن كثير من قطاعاتها.​

كما لفتت الدراسة إلى أنّ تذبذب الأسعار العالمية للنفط وعدم استقرارها، أسهم في المطالبة بإنهاء سياسة دعم الطاقة، وبالفعل هناك أكثر من 20 دولة بدأت برفع الدعم عن بعض من منتجاتها (الكهرباء، الماء، الوقود، والفحم)، كما أنّ صندوق النقد الدولي كان له دور في مساعدة بعض الدول ببرنامج خلال فترات رفع الدعم.​

أمّا فيما يتعلق بالمخاوف من الاستمرار في سياسة الدعم والمحاذير المقابلة لرفع الدعم، فبينت الدراسة أنّ محاذير التمادي في دعم الوقود تبدأ من كون الدعم عاملا غير محفز للنمو ويقلص فرص الاستثمار في القطاع النفطي خاصة، كما أنّه يؤدي إلى تفاقم الإنفاق الحكومي العام، وتبديد الموارد الطبيعية واحتياطيات أجيال المستقبل، وكذلك فإنّ من شأنه أن يكرس مبدأ عدم المساواة في المجتمع الواحد، حيث إنّ الأثرياء أكثر استفادة من هذا الدعم، وهو أيضًا يقلل الحافز للاستثمار في الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى بعض الآثار الجانبية غير المباشرة مثل التلوث البيئي، والتأثير على الصحة العامة، وزيادة الزحام المروري، وارتفاع أعداد الحوادث، هذا إلى جانب أنّ استمرار سياسة الدعم تساعد على التهريب إلى الدول المجاورة، وتوزع ثروات الوطن بين المواطنين وغير المواطنين أيضًا. ​

مستحقو الدعم

وأكدت الدراسة أنّه ثبت عالميا أنّ الدعم لا يذهب لمستحقيه في الدول النامية حيث يحصل أغنى 20% من السكان على أكثر من 43% من الدعم فيما يحصل أفقر 20% من السكان على 7% فقط من الدعم. ​

وفي الكفة الأخرى. أشارت الدراسة إلى أنّ العديد من المحاذير عند رفع الدعم عن الوقود تشمل مخاوف من ارتفاع نسب التضخم في أغلب السلع والخدمات وعوامل الإنتاج المختلفة، وكذلك ما قد يؤدي إليه من احتجاجات جماهيرية ومظاهرات كما حدث في بعض بلدان العالم، بجانب ارتفاع كلفة الإنتاج بصفة عامة، وبالتالي انخفاض تنافسية المنتجات الوطنية، وكذلك انخفاض الاستثمارات الأجنبية بسبب انخفاض الحافز المشجع نتيجة ارتفاع أسعار كثير من المدخلات ومنها النقل والوقود وغيره، كما شملت المخاوف التي استعرضتها دراسة الغرفة التخوف من عدم قدرة الحكومات على إعادة استخدام المبالغ المتأتية من رفع الدعم لصالح المواطنين على شكل خدمات ملموسة لهم، والتخوّف من عدم وجود بدائل للنقل عند عدم مقدرة محدودي الدخل استهلاك الوقود باهظ الثمن.​

ومن خلال أرقام ونسب قدمت الدراسة مقارنات للدعم الذي تقدمه السلطنة وبلدان العالم على الوقود ففي السلطنة تبلغ نسبة الدعم إلى الناتج الإجمالي 5.2% وترتفع إلى نسبة 23.3% من إجمالي الإيرادات، وفي بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا فتقدم في المتوسط ما نسبته حوالي 50% من الدعم العالمي على الوقود، ويبلغ متوسط الدعم إلى ناتجها المحلي الإجمالي 8.5%، بينما ترتفع النسبة إلى 22% من الإيرادات الحكومية، فيما تبلغ نسب الدعم في البلدان النامية والناشئة بقارة آسيا 1% من الناتج الإجمالي، و4% من إجمالي الإيرادات. ​

تجارب دولية

وتطرقت الدراسة إلى بعض تجارب من الدول التي رفعت الدعم عن وقودها حتى يمكن الاستفادة منها وبدأتها من تجربة البرازيل، حيث أوضحت أن الطريقة المستخدمة في هذه التجربة اعتمدت على التدرج في التغيير وذلك لضمان بناء تأييد عام للسياسة الجديدة، كما واكبت مراحل رفع الدعم إجراءات لتحسين الخدمات العامة المقدمة للمواطنين، وبدأ تطبيق أول مرحلة لرفع الدعم مع بداية التسعينيات على شركات الزيوت النفطية والإسفلت، وبدأت بمادة البترول عام 1990 ثم الجازولين عام 1996 ثم الغاز في 1998 وأخيرًا الديزل في عام 2001، أمّا آخر القطاعات التي طبق عليها رفع الدعم فكانت المصانع والنقل البري، فيما كان آخر مراحل التطبيق كان على منتجات الميثانول، ومزودي شركة البترول (بتروبراز) بالخدمات والمعدات. ​

ولم تخل التجربة البرازيلية من تحديات عرضت بعضها الدراسة وكان منها المعارضة الشعبية في المراحل الأولى، وارتفاع مستوى التضخم إلى 200% في المدى القريب إلا أنّه سرعان ما عاد إلى مستويات السوق تدريجيا في المدى المتوسط والبعيد.​

أمّا تجربة إيران في رفع الدعم فقد كانت مختلفة حيث تمّ رفع الدعم عن جميع السلع المدعومة البنزين، الغاز، الكهرباء، والماء والخبز وتم تعويضها ببرنامج للتعويض النقدي للأسر المستحقة، وحسب الجمهورية الإيرانية فقد كان الهدف الأسمى من رفع الدعم هو تسريع النمو وخلق الوظائف وليس بالضرورة تخفيف العبء على الموازنة لذلك فتحت الحكومة حسابات جديدة في البنوك للأسر الفقيرة بحيث يتم التحويل الشهري لها من العوائد المتأتية من عائد البرنامج بنسبة 80% منه، فيما يتم توزيع 20% من العائد على المؤسسات المتأثرة من رفع الدعم في القطاعين الصناعي والزراعي، وبالفعل تمّ انتقاء 7000 مشروع مستحق عبر معايير معينة، ثم في عام 2007 تم استخدام نظام البطاقات الإلكترونية لترشيد الاستخدام ونظام الحصص، وأوجدت نوعية جديدة من الوقود فتح مجال استهلاكها بدون حدود معينة.​

استبيان متخصص

وكان أبرز ما في الدراسة بعد ذلك، هو استعراض نتائج استبيان مصغر قامت به دائرة البحوث بالغرفة لعينة من القطاع الخاص حيث أجري التحليل على 150 استمارة توزعت على مختلف القطاعات، وكان واضحا تغلب نسبة الرافضين لرفع الدعم على نسبة المؤيدين للرفع، وكان من أهم ملاحظات المعارضين لمشروع رفع الدعم أنه سيؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الاستهلاكية وكذلك أسعار النقل والشحن، ويساعد على رفع قيمة المناقصات، كما أنّهم توقّعوا تأثر فئة دون أخرى خاصة أسر الضمان الاجتماعي والدخل المحدود، وحذروا من أن أكثر المتضررين ستكون المشروعات الصغيرة والمتوسطة وجميع الممتهنين للأعمال الحرة وأصحاب المبادرات الفردية، بجانب التخوف من الركود الإقتصادي بسبب انخفاض القدرة الشرائية للمواطنين والتخوف المتوقع من هروب المستثمرين الأجانب عن الاقتصاد المحلي، بجانب التأثرات الإجتماعية المترتبة على مستوى الأسرة الواحدة والتأثرات الصحيّة على المتضررين من المواطنين من جراء عوامل زيادة الأسعار التي يحتاجها المستهلك.​

أما أهم ملاحظات المؤيدين لمشروع رفع الدعم فكانت تنظر إلى الآثار الإيجابيّة على موازنة الدولة وتخفيف الضغوطات عنها، والتقليل من تلوث الهواء والحفاظ على البيئة، بالاضافة إلى قناعتهم بأنّ الدولة لا يمكن أن تكون داعمًا لجميع الأشياء ولكل الأشخاص وتحت جميع الظروف حيث أن الموارد مهما كبرت تبقى محدودة، ورأوا أنّه من المقبول أن تدعم السلطنة السلع الأساسية وليس من العدل دعم أسعار المحروقات لأنها لا تدخل ضمن نفس التصنيف، كما وجد المؤيدون لرفع الدعم أن زيادة دخل الحكومة نتيجة توفير حجم الدعم يمكن استخدامه لتمويل كثير من المشروعات التي تعود على المواطنين بالمصلحة، بالإضافة إلى أنّ رفع الدعم عن الديزل العماني يساعد على وقف عملية تهريبه المتزايدة.​

كما كان للمتحفظين على فكرة رفع الدعم عن المحروقات أيضا بعض الملاحظات منها عدم وضوح الصورة والتبعات المترتبة على رفع الدعم وعلى الحكومة دراسة الفكرة بشكل أكبر لمعرفة الآثار الإيجابية والسلبية منها، ورأوا أنّه ينبغي تهيئة البنية التحتية بشكل أكبر وتوفير الوسائط اللازمة للنقل البري والبحري والجوي بإمكانيات وأسعار مناسبة، وكذلك طالبوا بتقنين تعبئة المحروقات عن طريق تصميم بطاقات يستفيد منها مختلف طبقات المستهلكين وأصحاب شركات النقل وغيرهم، مع أهمية وجود توازن واضح وجاد وفعلي بين أجور المواطنين في مختلف القطاعات وبين رفع الدعم عن المحروقات لأن المتأثر الأول هو المواطن، وشملت الملاحظات أنه في ظل عدم وجود رقيب اقتصادي وقانوني يقف بجانب المواطن سيجعل الأمر مرفوضا من الكثيرين.​

رؤى واقتراحات

ولم تغفل الدراسة استعراض أهم الاقتراحات المقدمة من قبل القطاع الخاص والتي بدأت بأنه إذا لم توجد حلول أخرى لتخفيف العبء على موازنة الدولة بدلا من رفع الدعم، فينبغي أن يكون لشريحة أخرى في قطاع الوقود الخالي من الرصاص فقط.​

واقترح القطاع الخاص أن يتم التفريق بين السيارات التجارية والخاصة وتقنين الأسعار بين الفئتين بحيث يكون في كل محطة عدادين وماكينتين، الأولى لتعبئة سيارات الشركات والأخرى للمواطنين. ​

كما وضعوا ما يشبه النموذج الذي ينبغي الأخذ به لضمان رفع الدعم بشكل لا يؤدي إلى مواجهة عقبات منها أن يتم الرفع تدريجيا على مدار خمس سنوات، وأن يكون هذا الإجراء جزء من حزمة مراجعات لتخفيف أعباء الحكومة ومصروفاتها، وأن يتم استخدام مبالغ الدعم المتوفرة في إنشاء أحدث شبكات النقل المشترك من مترو وحافلات وسكك حديد لتخفيف كلفة النقل على المستهلكين.​

أمّا الاجابة عن السؤال الصعب والشائك في القضية وهو هل الظروف الإقتصادية والإجتماعية للسلطنة ملائمة لهذا التحول؟ فقد أجابت الدراسة بأن أغلب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية لا تساند عملية رفع الدعم عن الوقود على المستويين القريب والمتوسط، بمعنى أن رفع الدعم لن يؤدى لإيجابيات بشأنها في المدى القريب أو المتوسط خاصة ما يتعلق بتنافسية المنتجات المحلية مع منتجات دول الجوار، وتنظيم سوق السلع والخدمات بالسلطنة، والاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة أو معاناة الشارع العماني من حدة الارتفاع في أسعار السلع فيما سيؤدي بالتأكيد إلى الحد من عملية تهريب الديزل​.

وبعد توصيف الوضع طرحت الدراسة عددا من البدائل الممكن اتباعها على المدى القريب والمتوسط وقبل تطبيق قرار رفع الدعم في حال اتخاذه، حيث أكدت دراسة غرفة التجارة والصناعة أنه سيكون من الضروري اتخاذ إجراءات لتعزيز الاقتصاد الوطني وتوطيد نسيج الترابط الإجتماعي، وشملت مقترحات الدراسة في هذا الشأن أهمية رسم خطة تحول واضحة الأهداف ومدروسة بعناية بالإستفادة من تجارب الدول الأخرى وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية بالسلطنة ومنها غرفة تجارة وصناعة عمان مظلة القطاع الخاص العماني، مشيرة إلى بروز الحاجة بشكل متصاعد لوجود مظلة حكومية ذات طابع اقتصادي اجتماعي لمناقشة مثل هذه الموضوعات المهمة، على أن يسبق التحول حملة إعلامية شاملة تتصف بالشفافية يوضح من خلالها فوائد هذا التحول على الاقتصاد الكلي وعلى المؤسسات الإنتاجية والأفراد. ​

ومن ضمن ضرورات التحول التي أشارت إليها الدراسة أن يتم رسم آليات واضحة لكيفية تعويض المتضررين من عملية رفع الدعم بالإستفادة من تجارب الدول الأخرى والأخذ في الاعتبار مفردات المجتمع العماني والظروف المحيطة به، وإيجاد آليات مناسبة لمعالجة عملية تهريب الديزل وإبطال دافع التهريب.​

وأكدت الدراسة أنه ينبغي أن يصاحب عملية الإهتمام بالتحويل مراجعة شاملة لكثير من الأمور التي من شأنها توفير وفورات مالية للإقتصاد العماني من بينها خفض نفقات الأمن والدفاع التي تعتبر من ضمن أكبر النسب في العالم، وترشيد الإنفاق في كثير من المشروعات الحكومية، مع تفعيل الرقابة المالية والإدارية بشكل أكبر، وتعظيم الإستفادة من الموارد الطبيعية الموجودة في البحار وعلى سطح الأرض وباطنها، بجانب تطبيق مبادئ الإدارة الرشيدة وتطبيق أنظمة الحوكمة في إدارة الشركات الحكومية، ثم بعد ذلك كله يمكن رفع الدعم الحكومي على الوقود وغيره بشكل تدريجي وعلى مراحل متعددة.

وخلصت الدراسة إلى جمل محددة جاء فيها إن "رفع الدعم ضرورة تفرضها الظروف الإقتصادية المتغيرة، ولكن السلطنة ليست متهيئة حتى الآن لعملية رفع الدعم على المستويين القصير والمتوسط، فعلينا إصلاح البيت من الداخل قبل أي خطوة نخطوها في هذا الاتجاه".

تعليق عبر الفيس بوك