بين التعليم والقانون

جمال القيسي

كي نصل إلى مرحلة من التوازن واستعادة شيء من وزننا الطبيعي الذي بعثرته ريح الإرهاب وسمومه، لابد لنا من تكرار الإشارة إلى أهمية التعليم النقي من شوائب الجهل والكراهية، والمتوازي مع التربية الحقيقية السليمة، لتحصين بيوتنا، وبالتالي شارعنا، ومجتمعنا، في وجه جيوش الشر والفكر الظلامي الهدام. ولدعم هذا لابد من سن التشريعات الصارمة التي تضرب بيد من حديد على يد كل معتد أثيم يسلك سبل الإرهاب بالقول أو الفعل أو حتى شبهة السكوت.

وسائل قد يسأل: كيف تنامى الإرهاب وتكاثر الإرهابيون في دول العالم المتحضر رغم أن هذه الدول قد قطعت شوطا بعيدا في إرساء مناهج تربوية سليمة، وخالية من الخطل والهرطقة، ولا تحمل إشارات كراهية أو دعوات للعنف وحض على القتل، وكيف وقع ذلك رغم ما يتوافر لدى هذه الدول من قوانين صارمة تعاقب أي مظهر من مظاهر التشدد أو التمييز العنصري أو العرقي، وبالعموم أي قول أو فعل يزدري الآخر أو معتقداته أو قناعاته؟.

تفسير الأمر باختصار، والإجابة البسيطة، ومع شديد الأسف لحالنا، تقول إن الإرهاب الذي انفجر في هذه الدول المتقدمة، التي أنتجت كل مافي العالم من أشياء مفيدة، لم يكن بانقلاب أبناء المجتمع الأصلي على منظومتهم الأيديولوجية (لا يوجد منظومة أيديولوجية في دولة القانون) كما لم ينفجر الإرهاب من مواطنين أصليين يثورون على الدولة، ويحرمون الرأسمالية والديمقراطية والتعامل بهما كنظامين ضد مصلحة البشر. بل انفجر الشر والإرهاب من المواطنين (غير الأصليين) في تلك الدول، وضد دولتهم ومجتمعهم وأسلوب عيشهم؛ وهؤلاء المواطنون الإرهابيون غير الأصليين، في الغالب الأعم، وبنسب شبه مئوية، متحدرون من أصول عربية ومسلمون.

ظاهرة تكفير المجتمع، والدولة التي لا تحكم بالمنهج الديني الصحيح، لا ينفرد بها سوى الإرهاب الذي يدعي الإسلام، ويستند هؤلاء "المصححون المجددون" في ذلك إلى ماض تليد من الفتاوى والنظريات الفقهية الضاربة في التأصيل للعنف وتقويم البشر والشجر والحجر بالسيف! لم تظهر في دول العالم قاطبة تنظيمات إرهابية مسيحية متشددة تعادي العالم المسيحي المرتد، وتدعو المسيحيين للتوبة، وتعادي العالم الإسلامي بكليته وتدعوه إلى المسيحية، وإلا فعليه دفع الضرائب للدولة المسيحية عن يد وهو صاغر.

وأما قولنا مواطنون أصليون وغير أصليين، هنا، فإنما ورد من باب التحليل للظاهرة، وإلا فإنّه تمييز على نحو أو آخر، وهو جريمة مشددة في تلك الدول التي لا تتعامل مع مواطنيها بتصنيفين؛ مواطن أصلي وآخر مستورد. فكل المواطنين سواء، ولا تمييز بينهم بسبب اللون أو العرق أو الجنس أو الدين.

قبل أيام منحت جامعة أمريكية فتاة أمريكية من أصول عربية / فلسطينية جائزة أكثر الطالبات أناقة في العام 2015م، وهي الجائزة التي تمنح بعد تحقيق شروط ومعايير فنية جمالية كثيرة. الخبر الذي يفيد بأنّ الجامعة لا تتحيز في جوائزها لمواطنين أصليين وآخرين مستوردين، لا يتوقف عند أن الفائزة في الجائزة عربية فلسطينية بل في إنّ الفتاة محجبة. وهو ما يعني أن الحجاب ليس محمولا دينيا بأي معنى. ولا يحول دون الاعتراف بجمالياته أنه هوية دينية.

في المقابل، بودي أن يتدخل أحد أبناء الصف القيادي الثاني في جيش نظرية المؤامرة، فيمدني بجرعة ضحك في هذه الأيام الكئيبة من عمر العالم العربي، فيقول إن إدارة الجائزة بهذه الحركة (منح الجائزة لعربية محجبة) إنما تؤكد أنها تستهدف بنات العرب والمسلمين. بل إن هذه "الحركة الصهيونية" تؤكد أن النوايا واضحة لجر العربيات والمسلمات إلى مضمار الجوائز. والآن الأكثر أناقة، وغدا إدخالهن في مسابقات ملكات الجمال.. وبعد غد الله أعلم!

فلنعد إلى ما بدأنا به؛ وهو أنّ التعليم والقانون سلاحان في وجه عدونا الإرهاب، ولئن كانت نتائج التعليم لا تتأتى وتظهر في الوقت السريع، الذي يحققه القانون وتطبيقه، إلا أنه لا يجوز التقليل من أهمية كليهما في أن يسيرا معا، فلا نفع لجيل متعلم بين ظهرانيه إرهابيون لم يتعلموا لا يجدون قانونا رادعا!.

قبل أيام أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة قانونا يجرم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة كلّ أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية، وتجريم التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو العقيدة أو المذهب أو الملة أو الطائفة أو العرق أو اللون أو الأصل الإثني، ومكافحة استغلال الدين في تكفير الأفراد والجماعات.

القانون حظي بالإشادات الدولية الإقليمية ويستحق كل ذلك، وهو فرصة لكل الدول للسير على هذا النهج الحكيم ودون إغفال إصلاح منظومة التعليم.

تعليق عبر الفيس بوك