ولمّا كانت حياة!!

سارة البريكية

يعيش الإنسان بأمل وتفاؤل حتى لو كان في أحلك المواقف وأصعب حالاته، وكثيرًا ما يستشرف مستقبله بشيء جميل محاولا جهده أن يلهم نفسه بقدر أكبر من الإريحية والمعنويات المرتفعة؛ واليوم وبعد مضي عقود من الزمان على مسيرة الإنسان في الأرض وإعمارها بالخير، نجد بجانب المساحات الكبيرة للخير التي زرعها بعنفوانه وفكره، ثمة بؤر شر تستوطن الأمكنة هنا وهناك، وتحاول بين الفينة والأخرى أن تنشر أذاها حول ما يحيط بها من صفاء ونقاء، ونحن في عمان منذ أمد طويل نجد الآخرين ميالين للخير أكثر من الشر، فلسنا دعاة فتنة وحرب، ولسنا دعاة بدعة وضلالة وتسمية الأشياء بدون مسمّياتها، ويكفينا أهل عمان شرف دعوة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم لنا، وتردد اسم عمان على لسانه صلى الله عليه وسلم وآله.

ومنذ أيام احتفينا بالثالث والعشرين من يوليو المجيد، وهي مناسبةٌ غاليةٌ على كل عماني؛ ففي هذا اليوم يستشعر الإنسان العماني على مستوى أطيافه ونخبه ما تحقق على أرض عمان من منجزات تقف شاهدة على القدرة التي حققت بفضل الله كل ما نفخر به، وإذا ما رجعنا إلى الأحداث العاصفة والتي تكون على مرمى طرف من بلدنا ومحيطنا الذي نعيشه؛ نجد أنّ عمان بريئة منها وبعيدة كل البعد عمّا يحدث ويدور.

ولله المنة ونعمة القبول لي عدد من الصديقات من اليمن السعيد اللاتي أشاركهن الحديث والحوار وكل ما يهم الشأن والهم العربي الواحد، تقول إحداهن: يا أختاه إننا نعيش في اليمن حرب طاقات وإبادة للعقول، والذاكرة التي باتت تحتفظ بجزء بسيط من الحياة التي أصبحت تقتات حزنا وألما ووجعا وقهرا وذلا نتيجة الوضع الإنساني الذي نعيشه في اليمن، والذي تسببّ فيه الجاهلون والمحبون للسلطة والمال والنفوذ بشكل أعمى بصيرتهم وأبصارهم.

إننا باليمن في حالة لا يعلمها إلا الله، وإنّكم في عمان بلد الأمن والسلام والوئام والحب والوفاء، تعيشون ولله الحمد بفضل مولانا جلالة السلطان قابوس يحفظه الله أوضاعا ممتازة، ولم تقل بفضل حاكمكم أو سلطانكم، وإنما قالت بفضل "مولانا جلالة السلطان قابوس يحفظه الله"..

لقد استوقفتني عبارتها هذه مليًا، وتوقفت عند منطوق لسانها كثيرًا، إذ كيف لإنسانة من اليمن الشقيق تنادي جلالته باسم مولانا وتدعو له بالعافية وهي ليست عمانية الأصل والمنشأ، فسألتها لمَ قلت مولانا حينما ذكرت جلالته يرعاه الله؟ فقالت لي: إنّ جلالته تولى رعايتنا ومتابعتنا وحبه لنا واهتمامه بنا كبشر وناس وجيران وأهل، فوفر لنا الأمل قبل الأكل، وهيأ لنا أنفسًا راضية عصاميّة مع الفعل والكلام، وأتت بعد ذلك مكرمات جلالته في أن مدنا أطال الله في عمره بالعون والمساعدة التي احتجناها ولا زلنا.

ويكفينا شرفًا وفخرًا أنّ بلدكم عمان لم تشارك في الحرب، ولم تتسبب في تشريدنا وهلاكنا، واسترسلت قائلة: يا أختي في اليمن لدينا خير، ولكن يأتي على الإنسان أن يكون طماعا وليس محبا لوطنه وشعبه كما أنتم، فلا يفكر في ذلك الخير إلا من أجل نفسه وله، فنحن منذ عقود نعيش صراع الإنسان على السلطة والمنصب والكرسي والمال، فضاعت بلادنا بسبب ذلك.

ومنذ فترة أرادوا تقسيم اليمن إلى دويلات، وكانت لهم محاولات أن نكون دولتين، في إعادة للسيناريو الذي حدث بالسودان القطر العربي المسلم والذي تم تقسيمه شمالا وجنوبا؛ لكن فشلت تلك القوى في تحقيق أطماعها ومآربها، واستمر الحال في اليمن غير مستتب ومستقر، وكنّا بين فترة وأخرى نامل أن تتحسن الأوضاع، إلا أنه لم يتيسر لنا ذلك، والآن بعد معايشتنا لتلك الفتن والمشاكل، نعيش حربا لا هوادة فيها، واضطرت الدول المجاورة بعد محاولات عدة إيجاد حلول بالطرق السلمية، وان يخرج حملة السلاح ومن أراد السلطة بالقوة خارج اليمن، وجعلها تعيش بسلام وأمن كبيرين؛ إلا أنّ تلك القوى أصرّت على موقفها، فكان ما كان في اليمن وحدث الخراب والدمار.

كانت في كل مرة تتحدث معي كثيرًا عن الشأن اليمني، وتقول: لمّا كانت حياتنا غير كنا نتوقع، ونرسم، ونخطط بأننا سنكون بلد التاريخ والأصالة، وذكرت لي أنّ بلدنا عمان في السنوات الماضية، تضررت وعانت كثيرًا من الجهلة وحملة السلاح، وخاصة في صرفيت والمناطق الحدودية، التي شهدت قديما أحداثًا ومناوشات أدت إلى وقوع إصابات وقتلى من الجانب العماني.

وهي تتحدث معي تأخذني الذاكرة إلى ما سمعته وقرأته عن اليمن، وفي ختام حديثها قالت لي، نأمل أن تستعيد اليمن عافيتها وسلامها وأمنها، وأنه آن الأوان ليجتمع الفرقاء السياسيون على كلمة سواء، يراعون فيها الله والناس وكل من يعيش على أرض اليمن، وقالت في معرض حديثها أوجه التحية والسلام الخاص العالي لمولانا جلالة السلطان قابوس المعظم، الذي سيخلد التاريخ اسمه وأعماله وأفعاله التي كانت على الدوام لصالح الإنسانية والبشرية، فعمل من أجلكم دولة وشعبًا، وأشهد الله أنكم خير شعب عايشناه وتعاملنا معه، وسعدت جدًا عندما شاهدته في آخر ظهور له بالزي العسكري وهو على ما يروم به من صحة وعافية؛ أثناء تدشينه ووضعه لحجر الأساس لمتحف عبر الزمان، وسلام وتحيّة لكم جميعًا أنتم أهل عمان الكرماء الطيبين.

هكذا كان انطباعها عن مولاي المعظم يحفظه الله، وهكذا كان انطباعها عن عمان وأهلها، شهادة من إنسانة عربية تستوطن اليمن الجريح، وتستودع نفسها وقلبها وذريتها وأهلها الله ثم ذلك البلد الذي لا زال ينزف بسبب أطماع بعض أهله وناسه، فأثابكم الله يا أهل اليمن ونصركم على من لا يحبكم.

Sara_albreiki@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك