حاتم الطائي
تعيش محافظة ظفار هذه الأيام أجواء خريفية تتسم بالغبطة والامتنان والزخم السياحي غير المسبوق؛ في وقت تزداد فيه أهمية القطاع السياحي ورفده الناتج الوطني بما يتفقق واستراتيجية التنويع الاقتصادي التي وضعتها الدولة للدفع بعجلة التنمية قدما، وتجاوز التحديات التي تجابه اقتصاد السلطنة وعلى رأسها -على سبيل المثال لا الحصر- انخفاض وتذبذب أسعار النفط والمتغيرات العالميّة الأخرى.
ويتنامى إلى الذهن عدد من التساؤلات المتعلقة بالتنمية السياحية في بلادنا؛ لاسيما وأننا نشهد هذه الأيام ذروة الموسم السياحي في محافظة ظفار، حيث الطقس في أبهى درجاته يتخلله الرذاذ الجميل؛ فباستقراء الاستراتيجية التي اختطتها وزارة السياحة لتطوير القطاع نجد أنّها من الناحية النظرية تحتوي على محاور جيّدة ترتكز على تحقيق التنمية الاقتصادية، وتوفير فرص العمل، والمحافظة على الإرث البيئي، والتراث الثقافي، وتحقيق التعايش السلمي بين الثقافات، والعمل على زيادة الاستثمارات والتنويع الاقتصادي، وترويج السلطنة كوجهة سياحية من خلال توظيف المميزات النسبية لزيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي في إطار سياسة تنويع مصادر الدخل الوطني..
ولضمان مخرجات أكثر فائدة لابد من تحديث مستمر لبنود هذه الاستراتيجية السياحيّة، بما يضمن لنا تدفقا سياحيا يتواكب مع إمكانيات السلطنة، ورفد اقتصادها بنسب أعلى من تلك التي يُخطط لها حاليا (3% في العام 2015)، بجانب المساهمة في نمو صناعة تشكل قاطرة التنمية الاقتصادية في بلادنا. كما يجب أن نأخذ في الاعتبار نمو هذه الصناعة على المستوى الإقليمي والعالمي، عبر آليات جديدة تتمثل - بعض منها- في سياحة المعارض والمؤتمرات، وسياحة البطولات الرياضية، والمهرجانات الثقافية، وغيرها من أنواع السياحة التي تجتذب الملايين حول العالم.
إنّ المتأمل لجغرافية السلطنة وكنوزها وما تتمتع به من مقومات يجد أنّها قادرة عن جدارة واستحقاق لتكون الوجهة السياحية الأولى؛ ليس في منطقة الخليج فحسب بل الشرق الأوسط بأسره، فلدينا الجبال الشامخة والوديان الآسرة، والشواطئ الممتدة، والكهوف التي يرجع بعض منها إلى آلاف السنوات، والحصون والقلاع، والآثار التي تنطق بعظمة وحضارة الأجداد، والبساط الأخضر الذي يشكل لوحات بديعة، والطرق المعبدة، والموانئ.. و.. و..
حيث تشير آخر الإحصائيات إلى أنّ هناك 2.2 مليون سائح زاروا البلاد في العام الفائت بزيادة تقدر نسبتها بـ4.6، وأن عدد القادمين للسياحة عبر السفن السياحية بلغ 125 ألف سائح. ومن المتوقع أن ترتفع نسبة سياحة السفن البحرية خلال الفترة القادمة بعد أن أصبح ميناء السلطان قابوس واحدًا من أهم الموانئ السياحية في المنطقة، وهذا نجاح يسجل لجهود وزارة السياحة؛ لكن يجب البناء عليه بشكل أقوى؛ مستفيدين من مجمل المقوّمات الطبيعية والحضارية التي تتمتع بها بلادنا..
علاوة على ذلك أنّ افتتاح مطار صلالة قبل أشهر؛ وتطوير أسطول الطيران العماني، وضخ المزيد من الاستثمارات في الفنادق والمجمّعات السياحية؛ سيحفز القطاع الخاص، للاستفادة من الفرص التي يمنحها هذا القطاع الواعد، عبر تعزيز مفهوم الشراكة بين القطاعين في الاستثمار السياحي.
من الواضح جدًا أنّ نوعيّة السياحة التي تشكل عامل جذب في بلادنا هي السياحة العائلية لاسيما بالنسبة لدول مجلس التعاون التي تمثل 41% من إجمالي عدد السياح؛ الأمر الذي يترتب عليه أهميّة توجيه الاستثمارات في هذا الإطار بما يخدم هذه الفئة، سواء بزيادة عدد المجمّعات التجارية العملاقة وتجهيز أماكن مخصصة لألعاب الأطفال أو غيرها.. فتحديد التوجّه من الأهميّة بمكان كونه يحدد ويحفز الاستثمارات الموجهة.
فقط تحتاج هذه الصناعة الفتيّة إلى تهيئة البنى الأساسية التي تشجع الزائرين، وتغري شركات السياحة العملاقة بأن تضع السلطنة ضمن الوجهات المفضّلة والمرغوب فيها، ويتضمن ذلك نمو قطاع الفنادق وفق خطط تراعي احتياجات الزمان والمكان بدلا من أن تتكدس في منطقة وتختفي من مناطق، بالإضافة إلى تأهيل الكادر البشري الوطني للعمل بهذا القطاع عبر نوافذ تعليمية تراعي احتياجات السوق ومتطلباته.
وفي يقيني أننا يجب أن نضع ضمن أهداف المرحلة الحالية تنويع المنتج السياحي بما يعكس تنوع وغنى المقومات والمواقع السياحية في السلطنة مع توفير إطار تشغيلي وإداري لتحسين أداء المواقع السياحيّة والخدمات الأساسية التي تقدم ضمنها، بالإضافة إلى الوصول إلى الأسواق السياحيّة الواعدة مع زيادة الاستثمارات السياحية؛ خاصة وأنّ لدينا منتجًا سياحيًا يمكن تسويقه على مدار العام وهذه ميزة نادرًا ما تتوفر في بلدان أخرى.
ويبقى القول؛ إننا يجب أن نعطى صناعة السياحة مكان الصدارة ضمن خططنا الوطنيّة فهي من الصناعات التنموية نظراً للدور الذي تلعبه في دفع عجلة التنمية الاقتصادية باعتبارها محركاً رئيسياً لكثير من القطاعات الاقتصادية الأخرى، مما يجعلها رافدًا من روافد الاقتصاد الوطني في جميع دول العالم، فلا يمكن عزل قطاع السياحة عن باقي قطاعات الخدمات المرتبطة بها مثل، التجارة، البنوك، النقل، الإعلام، تكنولوجيا المعلومات، التأمين، وغيرها من الخدمات التي ترتبط بالقطاع السياحي.