سيطرة العوامل المادية على اختيار شريك الحياة ترفع نسبة العنوسة في المجتمع

 

 

 

 ◄ إخصائية نفسية: مواصفات فتى الأحلام تغيَّرت من زمن الرومانسية إلى عصر المال

 

◄ القاسمي: سرعان ما ينتهي عُمر "زواج المصلحة" بعد أن يُحقق الطرفان أهدافهما المادية

 

 

 

أكَّد عددٌ من الشباب على تصدُّر الجانب المادي للعوامل التي تتحكم في اختيار شريك الحياة في الكثير من مشاريع الزواج، مُؤخرا، وحذَّروا من خطورة ذلك على استقرار العلاقات الزوجية على المدى البعيد.. وقالوا إنَّه وعلى الرغم من أهمية المال في توفير متطلبات الحياة الزوجية، إلا أنه يبقى عاملا مساعدا إلى جانب الحب والكفاءة العقلية والنفسية، لكنَّ الاعتمادَ على العامل المادي وحده يحوِّل الزواج إلى صفقة تنتهي بعد حين، عندما يشعر الطرفان أنهما حققا الغرض من ذلك المشروع المادي.

 

 

 

الرُّؤية - مُحمَّد قنات

 

وقالتْ الإخصائية النفسية الدكتورة نادية التاى: إنَّ مُواصفات فارس الأحلام تغيَّرت كثيرا من صاحب الشخصيه القوية الوسيم وصاحب الإرادة الحرة، ولم يبق أي أثر للرومانسية في اختيارات الشباب، وتغيَّرت المواصفات وفقا لمتطلبات عصر التكنولوجيا، وأصبح من مواصفات فارس الأحلام الجديد كثرة المال والقدرة على تحقيق جميع المطالب، وقد أسهمتْ ضغوط الحياة اليومية بشكل مباشر في التخلي عن كثير من جماليات الزمن الماضي. وأضافتْ بأنه لا يزال هناك من يُفضِّلون الزواج من الفتاة الفقيرة أو متوسطة الحال، والتى قد تصبح على أحسن حال باجتهادها وسعيها؛ حيث قال رسولنا الكريم "ليس الغنى كثرة المال، ولكن الغنى غنى النفس".. مشيرة إلى أنَّ كثيرًا من الناس يعتقدون أن السعادة فى الأموال والسكن في القصور...وغيرها من متع الحياة الدنيا الزائلة، رغم أنَّ المال قد يكون سبباً للتعاسة ومصدرًا للشقاء إذا لم يُستغل بالطريقة الصحيحة ويكون مالكه في حالة قلق وتوتر دائم، وربما يكون بعيدا عن ربه ولا يتمتع بالحياة ويكون في صراع وخوف مستمر، لكنَّ ذلك لا يمنع أن يكون مصدرا للسعادة في حال تم استخدامه بالطريقة الصحيحة؛ ومنها: حل بعض الخلافات والمشاكل الأسرية والمساعمة في إسعاد الناس.

 

وأشارتْ الدكتورة إلى أنَّ الماديات أصبحت أولوية بعد اختفاء الدعم المعنوي والاجتماعي في العلاقات وتغير نظرة الفتاه تجاه شريك مستقبلها؛ فمن يدفع أكثر ويحقق المطالب هو الشخص المناسب، وهو ما ساهم في زيادة نسبه العنوسه بعد أن اعتقد هؤلاء أن المال والمكانة العلمية والاجتماعية سبب السعادة، وأصبح فارس الأحلام الحقيقي من يركب السيارات الفخمة، وليس من يمتطى الفرس في الأحلام. وتجاهل هؤلاء أنَّ الحياة الزوجية يجب أن تنهض على أساس الاحترام الكامل لكرامة الإنسان؛ حتى لا يتكرر مشهد أزواج وزوجات من أجل مظاهر الحياة الدنيا، يحولون بيوتهم إلى ميادين للحرب والصراع، بدلا من أن تكون أعشاشاً دافئة بالحب.

 

 

 

الوظيفة أساس الاختيار

 

وقال سالم بن محمد البلوشي، إنَّه وخلال العشر السنوات الأخيرة أصبح المال والوظيفة أهم عوامل الاختيار بين الأزواج؛ حيث يضعُ كلُّ طرف في اعتباره وظيفة الطرف الآخر وكم يتقاضى من راتب، خاصة وأنَّ هناك بعضَ الأسر تطلب مبالغ خرافية لمهر الفتاة نظير درجتها العلمية أو منصبها وراتبها، وهو ما زاد من انتشار ظاهرة العنوسة وعزوف الكثير من الشباب عن الزواج بسبب غلاء المهور. وأشار البلوشي إلى أنَّ المجتمع العماني مُتعدد الدرجات، والمناصب متنوعة بين الشباب، والبعض لا يقبل بالزواج إلا من فتاة لها منصب وجاه، والبعض الآخر يبحث عن الفتاة ميسورة الحال؛ ربما لقلة المهور أو لتجنب ما يمكن تسميته "الضرائب الأسرية" من رواتب الزوجات. ولفت إلى أنَّ المال ربما يكون سببا للسعادة أو الشقاء؛ فالبعض يعتقدون أنَّ المال قد يفتح ابواب السعادة الزوجية ويجلب ما عجز عنه المرء سنوات طويلة، على عكس نظرة البعض فهم يرون أن السعادة لا يمكن أن تمر عبر بوابة المال فقط وقد تنقلب لتعاسة بسبب ما قد تمليه بعض الزوجات من طلبات، وحينها قد يلجأ البعض للبنوك بهدف إسعاد زوجاتهم، فتتحول السعادة إلى تعاسة. وأكد أنَّ الزواج الذى يقوم على المنفعة المالية لا يدوم لأنه في الأصل لابد أن يكون سكينة ومودة ورحمة وليس سوقا للمال، ولا خير فيمن جعل من المال سلماً لمآرب أخرى.

 

 

 

عصر التنافس المادي

 

وقال مُحمَّد بن عبدالله الغافري إنَّ مواصفات فتاة وفتى الأحلام يغلب عليها الجانب المادي أكثر من الجانب اﻻجتماعي والخلقي من قبل الشباب والشابات المقبلين على الزواج؛ لأن المال في نظرهم هو أساس الحياة الزوجية، خاصة وأننا نعيش في عصر التنافس والموضة والمال والسفر، وكثير من العائلات تنظر إلى الشاب المقبل على الزواج من زاوية طبيعة عمله ووضعه المادي، وهناك كثير من الشباب الذين يعملون في القطاع الخاص تمَّ رفضهم بسبب تدني الرواتب، لكن لا يزال هناك من ينظر إلى الدين والأخلاق قبل المال.

 

وأضاف الغافري بأنَّ بعضَ الشباب أصبحوا يتنافسون في اختيار شريكة حياتهم؛ من حيث حجم العائد المالي للزوجة المستقبلية، والكثير منهم يبحثون عن الفتيات الموظفات ويبتعدون عن الأسر الفقيرة، رغم أنَّه إذا كان المال هو أساس اختيار الزوجه، فيُمكن لتلك العلاقة أن تنتهي مستقبلا عند حدوث أي خلاف بسيط بسبب المال أو الالتزامات البنكية...وغيرها، كما يجب على الشباب مراعاة عدة عوامل عند اختيار الزوجة بغضِّ النظر عمَّا إذا كانت موظفة أو باحثة عن العمل؛ فالزوجة التي تكون ربة منزل لزوجها وأبنائها هي الزوجة الصالحة؛ لأن تربية الأبناء أهم مقومات العائلة الصالحة. وأوضح الغافري أنَّ المال يُمكن أن يكون مصدرا للسعادة أو التعاسة بحسب استخدام الزوجين له، ونلاحظ أنَّ كثيرًا من العلاقات الزوجية تصل إلى الطلاق بسبب المال والضغوط والديون المترتبة على الزواج؛ لأن منظور اختيار الزوجة أو الزوج في البداية كان قائما على أساس مالي. ومن الطبيعي أنْ تؤدي اﻻختلافات البسيطة إلى الخلافات والنزاعات، وأن تتطوَّر لتصل إلى حاﻻت الطلاق، لكن وفي المقابل هناك أسر أكَّدتْ أنَّ المال هو سرُّ سعادتها؛ وذلك عن طريق الموازنة بين الحبِّ والمال في العلاقة الزوجية؛ فإذا توفر الأول يمكن التحكم والسيطرة على اﻵخر. وأضاف بأنَّ العلاقات القائمة على منفعة مالية ﻻ يمكن لها اﻻستمرار فالمال ليس كل شيء، وإنما الحبُّ والإخلاص هو السبب الحقيقي في استمرار العلاقة الزوجية، ويُمكن توفير المال وادخاره عند مراعاة الزوج لزوجته والعكس.

 

 

 

مواجهة ظروف الحياة

 

وقال أحمد بن عبدالله الحوسني: إنَّ البعضَ يبحثون عن الزوجة الموظفة لتساعدهم على مواجهة ظروف الحياة، وتُكمل معهم المسير، وكذلك بعض النساء يبحثن عمَّن يكون لديه مصدر دخل قوي يُوفر لها كلَّ متطلبات الحياة دون نقصان.. واستدرك بأنَّ الموضوع لا يُمكن تعميمه باعتبار أنَّ كثيرًا من الناس يبحثون عن الاستقرار فى الحياة الزوجية بعيداً عن النظرة المادية؛ بحيث يُمكن لشاب أنْ يتزوَّج بفتاة من أسرة فقيرة طالما وجد الحب والتوافق بين الطرفين. وأضاف بأنَّ المال يمكن أن يكون مصدر لتعاسة او لسعادة الزوجين؛ حيث إنَّ المال والبنين زينة الحياة الدنيا؛ لذلك فإنَّ وجوده يعني وجود مفتاح لمعظم أبواب الحياة، لكنَّ الزواج الذى يقوم على المنفعة المالية لا يدوم؛ لأنه خالٍ من الحب والود، ومتى ما انتهت المنفعة المالية ينتهي الزواج.

 

 

 

الاختيار العقلي

 

وقال عبدالله القاسمي إنَّ "زواج المصلحة" يبقى ارتباطاً خاليًا من الحب والألفة، ومبنيا على الاستغلال من أجل الوصول لشيء معين؛ ليكون ارتباط الشخصين ببعضهما، حتى تنتهي مصلحتهما، حتى ولو بعد سنين. ونرى فتيات يوافقن على الزواج من شاب من أجل الحصول على الشهره، وشباب يتزوجون ممن هن أكبر منهم في العمر، وكلُّ ذلك من أجل المال والثراء أو مركزاً مرموقاً؛ بحيث تمثل الزوجة لهم الخزنة المتنقلة، وسرعان ما يتوقف قطار الحياة الزوجية بعد أن يحصل الطرفان على ما يخططان له.

 

وأضاف القاسمي بأنَّ زواج المصلحة أصبح واقعاً تطبعه المصلحة الشخصية، بدلاً من الحب والقدرة على احتواء كل طرف للآخر...وغيرها من العوامل الأخرى، التي ظلت منذ زمن بعيد أساسا متينا للعلاقة الزوجية؛ فزواج المصلحة أصبح ينتشر يوماً بعد آخر، ويتأسس على تحقيق منفعة شخصية؛ حيث يستمر ارتباط الشخصين إلى أن تنتهي مصلحتهما ولو بعد سنين، واستدرك بأنَّ المتورطين في هذا الزواج دائماً ما يحاولون إثبات أن اختيارهم كان عقلياً وكأن الاختيار العقلي بات اسما حركيا لزواج المصلحة.

 

تعليق عبر الفيس بوك