النهضة العمانية.. الإنجازات والتحديات

عبد القادر عسقلان

ما تحقق على أرض السلطنة من تطورات في كافة المجالات الحياتية للوطن والمواطن يعتبر معجزة في مفهوم التنمية، بفضل مدى الإخلاص ومفهوم الانتماء للوطن لدى القيادة والتي وضعت الارتقاء بالمجتمع العماني إلى قمة التقدم والحضارة هدفا، وتم تحقيق ذلك، وهو ما يقر به كل من عايش هذا التطور وتابعه ولمس نتائجه، سواء كان مواطنًا أو مقيمًا أو زائرًا أو محللا.
والجميع يتحدث بأنّ ما تمّ إنجازه يعتبر قياسيًا وغير مسبوق، وأشبع المحللون مقالاتهم وتحليلاتهم إعجابا بهذا الإنجاز.
الآن يعيش في عمان المواطنون  والمقيمون بكافة أطيافهم ومذاهبهم ومعتقداتهم وتياراتهم الدينية في مجتمع حضاري، وحدتهم حكمة القيادة بقدرة نادرة وجعلتهم لا يفكرون إلا في حماية الوطن والرفع من شأنه، بعيدين عن الأحقاد والمنازعات السياسية والدينية؛ فالكل يصلي في جامع واحد والكل يعتنق مبادئ المحبة والسلام والإخاء، ومن هنا برزت عمان كدولة يقر الكل بأنّها تسعى للسلام والوئام والبعد عن المنازعات والدفاع عن حق الشعوب، وتشهد مواقفها من الأزمات الإقليمية والعالمية بذلك.
تحتفل عمان الآن قيادة وشعبًا بعيدها 45، تحتفل بكونها رائدة في تحقيق الرفاهية لشعبها، رائدة في تحقيق الأمان والاستقرار على أرضها، رائدة في تكريس سياسة التعايش السلمي بعيدة عن الحروب والمنازعات، رائدة في تحقيق وحدة الأمة بجميع طوائفها ومذاهبها.
وهذه الإنجازات لابد من العمل على تأمين استمراريتها والدفاع عنها والتخطيط السليم للمحافظة عليها، وانتهاج السياسات والأنظمة والقوانين التي تدعم مسيرتها في كافة المجالات الاقتصادية والتعليمية والسياسية والإدارية وأن نعمل كأفراد أينما كانت مواقعنا بما يتفق ومبادئ هذه المسيرة وبأن نضع الوطن ورفعته هدفنا الأسمى، وأن نبتعد عن كل ما يسيء إلى أهدافنا ومبادئنا التي قامت عليها هذه النهضة وحققت من أجلها هذه الإنجازات.
لذلك فهناك عدة نقاط وتحديات أرى أنّ لها أهميّة كبيرة أوجزها في عدد من النقاط وعلى رأسها أن نعمل على صياغة رؤية اقتصادية ومالية بحيث يمكن تعديلها وفقا للظروف ومصلحة الوطن، وأن نعمل على إرضاء المواطن ولكن ليس على حساب المبادئ التي قامت عليها هذه النهضة.
لابد أيضا من المراجعة المستمرة لبرامج الإصلاح والتأكد من صحة مسيرتها وانتهاج مبدأ المحاسبة لمن يحاول المس بهذه المسيرة، وكذلك من المهم الالتزام بأرقام الموازنة وعدم السماح بتجاوز الإنفاق للايرادات؛ فزيادة الإنفاق الحكومي رغم نقص الإيرادات يشكل خطرًا على اقتصاد الدولة.
الابتعاد عن سياسة زيادة الرواتب غير المدروسة لأنّها تؤثر سلبا على ميزانية الدولة وأرباح الشركات وبالتالي جذب الاستثمار، كما وتؤدي إلى تعثر الشركات الصغيرة والمتوسطة وكذلك إرباك الوضع بين أصحاب الأعمال وإدارات الشركات والعمال مما يؤدي إلى الإضرابات والمشاكل العمالية.
ومن الأهمية بمكان تضمين سياسة الحكومة إجراءات لتحفيز القطاع الخاص على الإنتاجية والمشاركة في مشاريع التنمية والتي تساهم وتعمل على زيادة الدخل القومي غير المعتمد على النفط، وعليها أيضا ألا تعمل على منافسة القطاع الخاص في المشاريع الانتاجية، إضافة إلى إقامة شراكة حقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص في كل المجالات التشريعية وسن القوانين وعلى الجميع تحمل مسؤوليته.
نقطة أخرى مهمة وهي تضمين البرامج التعليمية الفهم الصحيح للوظيفة وتطبيق سياسات وضوابط مكافحة الفساد وترسيخ أخلاقيات السلوك الوظيفي، ووفقا للتطور يجب أن نستثمر في بناء مجتمع المعرفة الذي يؤدي إلى التنمية الحديثة المتطورة، وفي سياسات التوظيف ينبغي أن يكون هدف تنمية الدخل الوطني هو الأساس والهدف الذي يجب الاعتماد عليه في سياسة التوظيف وليس من خلال قيام الحكومة بخلق الوظائف دون احتساب الدخل. كما أنّه من الضروري إعادة هيكلة القطاع العام بحيث يتم التركيز على تخفيف الإجراءات البيروقراطية ويعمل على زيادة الإنتاج ويؤدي إلى تحسين الخدمات للمواطن وسرعة إنجازها والتركيز على استعمال تقنيات المعلومات والاتصالات ومبادئ حسن الإدارة.
وأخيرا وليس آخرًا من الضرورة الدعوة الدائمة لليقظة والحذر وعدم الاعتماد على بث الاطمئنان عن الوضع الاقتصادي، فاليقظة والتفكير والصدق هو المفتاح لحل مشاكلنا ولذلك يتوجب علينا الصدق والشفافية في الإفصاح عن إحصائياتنا ومشاكلنا وعلى وسائل الإعلام بث الحقائق في كافة المجالات مهما كانت حتى يصبح المواطن شريكا في المسؤولية، فالموالاة المخلصة والمعارضة المخلصة كلاهما ضروري للمصلحة العامة ويشكلان المواطنة الصالحة.
فليكن احتفالانا بيوم النهضة هو تمجيد للإنجازات ووقفة مراجعة لما تمّ اتخاذه من أجل المحافظة على هذه الإنجازات، وندعو الله أن يطيل في عمر باني هذه النهضة ومحقق إنجازاتها؛ حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه- حتى يديم الله علينا نعمة الأمن والوئام، وتبقى عزة الوطن ورفاهية المواطن هي غايتنا جميعاً.

تعليق عبر الفيس بوك