يوم النهضة وإنجازات وطن

صالح البلوشي

تحتفلُ السلطنة، غدا، بالذكرى الخامسة والأربعين ليوم النهضة المباركة، التي انطلقتْ في الثالث والعشرين من يوليو المجيد سنة 1970. ويعتبر هذا اليوم من الأيام المجيدة والخالدة في الذاكرة العمانية، ويحتلُّ مكانة عالية في نفوس العمانيين؛ باعتبار أنه اليوم الذي انطلقت فيه النهضة العمانية بعد سنوات عِجَاف شكَّلت مرحلة صعبة في التاريخ العماني؛ فكان يَوْم النهضة يومًا استثنائيًّا في التاريخ العماني القديم والحديث، بل أستطيع القول بأنه يوم عمان الأعظم، وعيدها الأكبر، بل ربما لا أبالغ إنْ قُلت إنَّه تجاوز الزمن العماني والجغرافيا العمانية ليكون يومًا للإنسانية أجمع، فإن الحكمة القابوسية تجاوزتْ حدود النهضة والتنمية في عمان، لتحمل راية نشر السلام في العالم، وما الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى الذي جرى مؤخرا إلا أحد الأمثلة على ذلك. في الثالث والعشرين من يوليو سنة 1970، انطلقت السفينة العمانية بكل قوة واقتدار من أجل بناء الإنسان العماني أولا، ثم بناء هذا الوطن التي كادت العواصف الداخلية والخارجية أن تعصف به إلى التقسيم، وربما الانهيار لا قدر الله، ولكن شاءت الإرادة الإلهية والأقدار الغيبية أن ترسل إليه أحد أبنائه الأوفياء البررة، ليعيد البسمة إلى شفاه أبناء الوطن، الذين افتقدوها سنوات طويلة، فكانت النهضة العمانية، التي تجلت فيها مظاهرُ التطورِ والتقدمِ والازدهار في كافة أنحاء الوطن.

ويأتي الاحتفال بعيد النهضة المباركة هذا العام مختلفا عن الأعوام السابقة؛ إذ إنَّه يتزامن مع مناسبات مختلفة -داخلية وخارجية- فعلى الصعيد الداخلي ابتهج أبناء الشعب العماني، وعمت الفرحة الغامرة نفوسهم؛ وهم يشاهدون عبر شاشة التليفزيون صاحب الجلالة السلطان قابوس المعظم -حفظه الله وأمد في عمره- وهو يقوم بوضع حجر الأساس لمشروع "متحف عُمان عبر الزمان"، وقد انتشرت صور جلالته إثناء وضع حجر الأساس في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة بين أبناء الشعب، وهم يلهجون بالدعاء بأن يحفظ الله جلالته من كل سوء ذخرا لهذا الوطن وشعبه الأبي، وسوف يعمل المتحف على إبراز الحقب التاريخية العريقة التي شهدتها السلطنة، وصولًا إلى عصر النهضة المباركة، وما شهدته مسيرة النهضة من إنجازات مستمرة، حتى يرى العالم قصة هذه البقعة الجغرافية التي تسمى عمان منذ فجر التاريخ إلى العهد المبارك لصاحب الجلالة المعظم حفظه الله. ثم تكتمل البهجة في عيد الفطر السعيد، الذي احتفل فيه العمانيون هذا العام والسلطان بينهم، بعد أن شاءت الإرادة الإلهية أن يكون خارج البلاد العام الماضي. وأما على الصعيد الخارجي واستمرارا لسياستها في نشر السلام بين دول العالم، وإنجازاتها التاريخية في مجال العلاقات الدولية، نجحت الدبلوماسية العمانية في تقريب وجهات النظر وإزالة الخلافات بين إيران والدول الكبرى أو ما يسمى بمجموعة 5+1، من أجل الوصول إلى الإنجاز التاريخي المتمثل في التوقيع على الاتفاق النووي، الذي تم توقيعه الأسبوع الماضي في فيينا. وقد أعربت إيران والدول الكبرى عن امتنانها الكبير لدور السلطنة في تحقيق هذا الإنجاز؛ فقد قام الرئيس الإيراني حسن روحاني بالاتصال هاتفيا بصاحب الجلالة المعظم تعبيرا عن شكر إيران للسلطنة لدورها في إنهاء الأزمة النووية بين إيران والدول الكبرى. كما شكر نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن صاحب الجلالة المعظم على دعمه للمفاوضات النووية ودوره الإيجابي في الوصول إلى هذا الاتفاق التاريخي.

وإضافة إلى دور السلطنة في تحقيق الاتفاق التاريخي بين إيران والدول الكبرى، فإنَّ الدبلوماسية العمانية لم تهدأ منذ اللحظات الأولى لبدء الأزمة في اليمن في تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع هناك؛ من أجل تحقيق السلام والعودة إلى طاولة المفاوضات. وقد لعبت السلطنة دورا كبيرا في محاولة فرض هدنة من اجل المساعدة في أعمال الإغاثة وتوصيل المساعدات الإنسانية للمدنيين في المناطق اليمنية المختلفة. ولا تزال السلطنة -حتى اليوم- تواصل اتصالاتها من اجل إعادة الأمن والاستقرار إلى هذا البلد؛ الذي لم يهدأ منذ تنازل الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن السلطة في إطار المبادرة الخليجية عام 2011. هذه الإنجازات العمانية في السياسة الخارجية جعلت كثيرًا من المراقبين ووسائل الإعلام العالمية يتساءلون عن سر نجاح السلطنة في الوساطات الدولية التي تقوم بها، حتى إنه يقال عند وجود مشكلة ما: "استعينوا بعُمان". من يتأمل في السياسة الخارجية العمانية يدرك أنها تتميز بالهدوء والصراحة والوضوح في التعامل مع جميع الأطراف، إضافة إلى أنها تتميز بالتعبير عن مواقفها بثقة تامة مع الحرص على بذل كل ما هو مُمكن لدعم أي تحركات خيّرة في اتجاه تحقيق الأمن والاستقرار والطمأنينة، وفض النزاعات بالطرق السلمية، مما يؤكد على أهمية الدور العماني في المنطقة، وحرصها على نشر مبدأ السلام والتعاون بين الدول.

وأخيرا.. يأتي الاحتفال بيوم النهضة المباركة هذا العام؛ ليؤكد أنَّ السفينة العمانية التي يقودها صاحب الجلالة المعظم -حفظه الله- تتجه إلى أهدافها المرسومة لها بكل ثقة واقتدار، إنها سفينة نوح زماننا الذي من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى.

تعليق عبر الفيس بوك