صلاة في مصلى نسائي

 

زينب الغريبيَّة

شُعوب العالم اليوم تلتفتُإلى هويتها -سواء بشكل رسمي، أو شعبي- لأنَّ تلك الهوية هي الأشياءالتي تميِّزهم عن غيرهم من الشعوب. ورغم أنَّ لنا هوية راسخة في المنطقة العربية، إلا أننا نحتاج لنلتفت أكثر لمعاني وتطبيقات هذه الهوية حتى نحافظ عليها، ونجعلها مُجسَّدة حيَّة للأجيال الصغيرة التي تنشأ في عالم تحاول فيه عدَّة هويات أنْ تخطفها من هويتها الأصلية.. ما قادني للحديث عن هذا الموضوع هو بعض الممارسات التي شاهدتها في رمضان، الذي أعتبره الشهر الذي يُمكن أن تنعكس فيه هويتنا الإسلامية بشكل أكبر من غيره من الشهور. وفي ما يلي، سأتناول بعض تلك المشاهدات: المشاهدة الأولى كانت في المساجد أثناء صلاة التراويح، وهي مرتبطة بقيمة الاستماع للنصح، سيما وإنْ كان مرتبطا بكيفية أداء العبادة واحترام آداب التواجد في بيوت الله. ومشاهدتي هذه كانت في مصليات النساء، وفي أكثر من مسجد، وما شاهدته كل يوم دقَّ ناقوس الخطر بداخلي حول الوعي الديني لدى النساء مُربيات الأجيال بالمدارس الدينية المقيمة داخل البيوت، فلا يُعقل أن يوجد وعي ديني حين تأتي المرأة ومعها طفل رضيع إلى المسجد يصرخ طوال الصلاة بما لا يُتيح خشوعا لبقيةالمصليات، ولا يُمكن أن يُوجد وعي ديني حين تتقدم البنات الصغيرات النساء في الصفوف الأولى. لماذا لم تعلِّم الأم بناتها قبل الذهاب أنَّ عليهن الوقوف في الصفوف الأخيرة، وعدم تقدُّم مَنْ هُنَّ أكبر سنا؟! ولا يمكن أن يوجد وعي دينيحين ترفض بعض النساء إكمال الصفوف الناقصة، بل إنَّ بعضهن نظرن إليَّ بعين الغضب عندما كُنت أطلب منهن إكمال الصفوف الناقصة حتى يتقبل الله صلاتنا التي وَضَع لها شروطا وآدابا لابد أن نتقيَّد بها. ومنهن من كان يشيح بوجه وتصر على البقاء في مكانها، حتى وإن كانت الصفوف الأمامية ناقصة لا لشيء إلا لأنها لا تحب أن تظهر بمظهر غير العارفة، ولكن: هل يُعقل أنْ يكون هذا في لحظة أداء أهم العبادات؟ سؤال لايزال يُحيِّرني ولا أجد له إجابة حتى والشهر الكريم في أيامه الأخيرة، ولا تزال هذه المشاهد قائمة في المساجد على الرَّغم من أنَّ كثيرًا من النساء والبنات اللاتي يذهبن إلى المسجد مُتعلمات -أي لديهن القدرة على الاطلاع الواعي لفهم دينهن بشكل صحيح- حتى لا ينتقل ضعف الفهم هذا إلى البنات الصغار اللاتي يُمثل الذهاب إلى المسجد درسًا عمليًّا ليس فقط في أداء العبادة، وإنما أيضا في تعلم آداب المسجد وفي تعلم أخلاقيات التعامل مع الآخرين الذين يقدمون لنا النصيحة.

... إنَّ ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع هو تكرار هذه السلوكيات أمامي في أكثر من مكان وأكثر من عام؛ حيث كُنتُ ألاحظ استسلاما كبيرا لما يجري وكأنَّ ديننا ليس الدين الذي أمرنا بالنصح والمبادرة لما فيه خير للجميع، وخير المرأة أن تتثقف في دينها بالطريقة الصحيحة، لا أن تذهب للمسجد لأداء صلاة هي لا تعرف شروطها وأحكامها وآدابها، أو أن تبعث بعشرات الرسائل الدينية للآخرين دون أن تتوقف مع بعضها لتدبُّر دينها. لقد آلمني الحوار الذي استمعتُإليه -دون قصد- بين فتاتين أثناء خروجنا من أداء الصلاة في الأسبوع الماضي؛ حين كانت تقول لصاحبتها: "لم أنتبه لأي شيء مما قرأه الإمام، فردت عليها الأخرى: ولا أنا أيضا"، وآلمني قيام بعض النساء العام الماضي بمطالعة "الواتساب" بين الركعات؛ فأين الخشوع في صلاة يدخل فيها الهاتف إلى قاعة الصلاة، ويوضع قريبا من مكان السجود؟!

يحتاج الأمر إلى وقفة جدية فعلا من قبل النساء قبل أي أحد آخر، يحتاج منهن أن يبدين مرونة للاستماع للآخرين لبناء وعي ديني حقيقي تكون قوته ليس لصالح المرأة فقط، ولكن لصالح المحتمع الذي يهمه أن ينشأ أجياله على مبادئ وأداب اسلامية راسخة، وهناك جوانب كثيرة متعلقة بالمرأة ولها أحكام فقهية لابد أن تعيها المرأة حتى لا تخالفها نتيجة عدم الوعي فلا يعذر الإنسان المتعلم والقادر على سؤال أهل الذكر، ولأهمية الموضوع أتمنى أن يكون موضوعا لإحدى حلقات برنامج "سؤال أهل الذكر" الذي يحظى بمتابعة كبيرة حتى نتمكن من توجيه رسالة علَّنا نتمكَّن من التقليل من هذه السلوكيات في مساجدنا ولدى نسائنا.. تقبَّل الله من الجميع الصيام والقيام، وجعلنا أمة واعية قادرة على نقل الوعي للآخرين.

تعليق عبر الفيس بوك