اليونان أمام مفترق طرق مع منطقة اليورو.. ولعبة "عض الأصابع" تؤلم سكان أثينا

اليونان تفشل في خفض العجز المطلوب لمواصلة برنامج الإنقاذ

الغرق في بحر الديون يدفع الدولة الساحلية إلى التمسك بطوق نجاة "الإنقاذ" أو مواجهة الإفلاس

حجم السيولة المالية في اليونان مليار يورو فقط

الرؤية- نجلاء عبدالعال

تقف منطقة اليورو اليوم على أطراف أصابعها انتظارًا لما سيسفر عنه استفتاء الحكومة اليونانية لشعبها حول ما إذا كان يقبل بالإجراءات التقشفية التي يريد الاتحاد الأوربي أن تلتزم اليونان بها حتى يستمر بدوره في محاولة انتشالها من الإفلاس، بعد أن بلغت ديونها 355 مليار يورو، 75% منها للاتحاد الأوربي، و240 مليار يورو لصندوق النقد الدولي.

وفي لعبة عض الأصابع فإن من يصرخ أولا يخسر، وكذلك الحال في لعبة اليونان الجديدة فهي تتألم أكثر مما يتألم الاتحاد الأوربي إن تركته، لكنها تريد أن تصل إلى تحسين شروط الإذعان ليس إلا، وهذا ما عبّر عنه رئيس الوزراء اليوناني ألكسيس تسيبراس بلا مواربة قائلا "إذا فاز معسكر لا وكان أقوى، أؤكد لكم أنني سأكون في بروكسل اليوم التالي، وسأوقع على اتفاق". وأضاف "إذا فاز معسكر نعم فإن البنوك ستفتح أبوابها باتفاق ولن يكون قابلا للاستمرار. لكن إذا كان هذا هو قرار الشعب اليوناني سنحترمه". وهو أيضا ما أكده وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس، قائلا إنه توجد مئة بالمئة فرصة للتوصل إلى اتفاق مع دائني أثينا بعد استفتاء الأحد مهما كانت نتيجته.

قلق وتوتر

القلق والتوتر إذا من الاستفتاء يعني أن القدرة على الانتظار تعني الانتصار، انتصار في فرض شروط المنتصر، وهذه الشروط معلنة من الجهتين ووصلت مراحل التفاوض ومحاولة الالتقاء في منطقة وسط بينهما إلى طريق مسدود، وتعني أيضا في لغة السياسة تثبيت أقدام الوافد اليوناني ذي الأربعين عامًا كقامة لا يستهان بها بين رؤساء حكومات أوروبا وهو من قال حتى قبل أن يصبح رئيسا للحكومة "لا للشروط الأوربية".

تسيبراس الاشتراكي مقتنع أنّ اليونان شعبا وحكومة ودراخمات (العملة اليونانية) كانت ضحية لإدارة احترفت تزوير الحقائق المالية، ولتغطية فشلها في إدارة اقتصاد البلاد، وتغطية الضرر الجسيم الذي سببته للدولة قدمت حكومة اليونان برئاسة كوستاس ألكساندرو كرامنليس الذي أصبح رئيسا لوزراء اليونان في 10 مارس 2004 بعد فوز حزبه في الانتخابات. وفي هذا الوقت وعلى مر 4 سنوات كانت البيانات تظهر وجود عجز في الميزانية لكنه كان أبعد كثيرًا عن العجز الحقيقي وعبر الأشهر والسنوات لم يكن هناك مشكلة ضخمة سواء في الاتحاد الأوربي أو خارجه في أن تقرض الدولة لتستمر في علاج عجزها بينما كانت "تغطية العجز" في أداء حكومة كرامنليس تغطية من نوع آخر، تغطية إعلامية وتزوير حتى على الجهات الرسمية في الدولة وعلى رأسها البنك المركزي.

ودخل العالم في أزمة مالية في 2008 بدأ كل يبحث في دفاتره القديمة فبدأوا بتقليل القروض مع المطالبة بالديون المستحق سدادها، وعندما راجع الاتحاد الاوروبي دفاتره في مراجعة شاملة لبيانات الدول الأعضاء وجد أنّ العجز اليوناني العام والديون للأعوام الأربعة حتى 2009 فاقت كثيرًا الأرقام التي أعلنتها الحكومة، وأظهرت أرقام الاتحاد التي جاءت نتيجة عمليات تدقيق مفصلة أجرتها بروكسل أن العجز في الميزانية اليونانية بلغ 15.4 بالمئة.

بل وعُدّلت حسابات المالية العامة اليونانية خلال السنوات التي سبقت 2009، وبناء على التعديل ارتفعت نسبة العجز من 6.3 بالمئة الى 7.5 بالمئة في عام 2006، ومن 5.1 بالمئة الى 6.4 بالمئة في عام 2007، ومن 7.7 بالمئة الى 9.4 بالمئة في عام 2008، وهو ما أدى إلى كشف التدهور الكبير لوضع الحكومة اليونانية المالي قبل لجوئها لطلب المساعدة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، حيث بلغت الديون، التي تظهر تراكم العجز السنوي، نسبة 126.8 بالمئة من اجمالي الناتج المحلي في عام 2009.

أوضاع سيئة

انكشاف الوضع السيء لمالية اليونان وضع الاتحاد الأوروبي في أزمة وقلقا أشبه بالوضع الحالي وكان فيها أيضا "خطة إنقاذ" و"تمديد آجال السندات" و"تهديد عرش اليورو" و"تفكك الاتحاد الأوربي" وغيرها من التعبيرات المستخدمة حاليا، بل وفي عام 2009 لجأ أيضا رئيس الوزراء اليوناني للشعب في استفتاء كآخر ورقة تهديد للاتحاد الأوربي، لكن جورج باباندريو- رئيس الوزراء في ذلك الوقت- لم يكن يمتلك حماسة الشباب الموجودة لدى تسيبراس (أصغر رئيس وزراء يوناني في 150 سنة)، كما لم يكن يمتلك شعبية مماثلة لما لدى الأخير، وكانت نهاية الاستفتاء الذي نادى الشعب إليه قبل أن يبدأ بسحب البرلمان تأييده لإجراء الاستفتاء وبالتالي لم يتم، وهو ما أدى بباباندريو للاستقالة في نوفمبر 2009، تاركا الأزمة المالية على أشدها والأزمة التفاوضية تميل بكفتها بشدة نحو أباطرة الاتحاد الأوربي الكبار.

وحسب تقارير رويترز في هذا الوقت فإنّ الحكومة اليونانية قدمت طلبا رسميا في 23 يونيو 2010، وبعد كثير من التفاوض خرجت خطة الإنقاذ المالي إلى النور؛ حيث وافقت جميع دول الاتحاد الأوروبي إضافة إلى صندوق النقد الدولي على منح اليونان سلسلة من القروض المالية بمجموع 110 مليارات يورو على مدى 3 سنوات خلال الفترة من مايو 2010 حتى يونيو 2013- منها 80 مليار يورو مقدمة من دول الاتحاد الأوروبي، فيما قدم صندوق النقد الدولي 30 مليار يورو، وبلغت الفائدة على هذه القروض نحو 5.2% يتم سدادها خلال 3 سنوات، وقد خفضت الفائدة في قمة بروكسل لقادة الاتحاد الأوروبي في مارس 2011؛ حيث تقرر تخفيض الفائدة بنحو 1% لتصبح 4.2%، فيما زيدت فترة السداد لتبلغ 7 سنوات ونصف، واشترط على اليونان للحصول على القروض القيام بإجراءات تقشف تهدف إلى خفض الإنفاق.

وبحسب الخطة التي يريد الاتحاد الأوربي أن تزيد اليونان الالتزام بها يتعيّن خفض العجز في ميزانيتها إلى 8.1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2010، ثم إلى 7.6 في المائة في عام 2011، على أن ينخفض إلى 6.5 في عام 2012، وبحيث ينخفض العجز إلى أقل من 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2014، لكن ذلك يعني أيضا أن يرتفع الدين العام إلى نحو 150 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في 2013 قبل أن يبدأ تراجعه بداية من عام 2014.

وكما هو واضح فإنّ هذه الخطة لم تنجح في أي عام منذ أن تم إقرارها، بل أخذت ديون اليونان في تزايد حتى اضطر الاتحاد الأوربي إلى إقرار خطة إنقاذ ثانية تتضمن تقديم دعم إضافي لليونان، بقيمة 130 مليار يورو، أي ما يعادل نحو 173 مليار دولار، لإنقاذها من الإفلاس بعد تراكم الديون السيادية التي يخص الاتحاد الأوربي منها نحو 75%. وفي هذا الوقت قدمت خزائن منطقة اليورو حزمة مساعدات إضافية تشمل مساعدة أثينا في تسديد ديون مستحقة عليها بقيمة 14.5 مليار يورو بشكل عاجل فيما تظل هناك ديون تمثل 129 في المائة من الناتج الإجمالي لليونان، وهو معدل فاق ما وضعه وزراء مالية منطقة اليورو في ذلك الوقت كحد أقصى لديون اليونان التي يمكنها سدادها.

ومن حال إلى أسوأ وكان الاقتصاد اليوناني ينحدر وكلما باتت الدولة البحر متوسطية على الغرق في الديون يلقي اتحاد اليورو بحزمة جديدة أو إضافية مكررا أن على اليونان أن تتعلم العوم أو حتى الطفو بمفردها لكن حبل يربط الدولة بالاتحاد يخشى كلاهما قطعه، وفي المراجعة الدورية لطلبات أوروبا من جارتهم العجوز طالبوها بأن تخرج ما وافقت عليه من شروط إنقاذ إلى أرض الواقع وتنفذه بل وزادوا بـ"حزمة جديدة من إجراءات التقشف" تشمل خفض النفقات وزيادة الضرائب بما في ذلك خفض الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص.

أّما اليونان فتفرض شروط المقترض لأنّها تعرف تمامًا خشية العالم كله من تداعيات لا يعلم حجمها، إذا ما انفرط العقد وتركت اليونان تخرج من الاتحاد الأوربي، وليس ببعيد عن حالتها المالية الصعبة كل من إيطاليا وإسبانيا، لكن ألمانيا الدولة الأغنى والأقوى لم يعد بابها يحتمل طرقات المتعثرين من دول قارتها، وأكثر من مرة ينتفض وزير من وزرائها متحدثا عن فيضان الكيل والتكلفة الزائدة التي تتحملها ألمانيا لمجرد الحفاظ على عائلة يستفيد فيها الجميع أكثر مما تستفيد ألمانيا نفسها.

العملة النقدية الأوربية الموحدة "اليورو"، هي وحدها فيما يبدو ما تخشى عليه جميع الأطراف؛ لذلك يقبلون بلعبة عض الأصابع على أمل أن يأتى الوقت الذي إمّا أن تتحول وحدتهم إلى واقع أو يكون لديهم تصور حقيقي لما يمكن أن يؤدي إليه عودة كل منهم إلى عملته القديمة، فيعود الفرنك والدرخما والمارك وتطالب كل دولة بديونها بعين مفتوحة وصوت أعلى.

السيولة المالية

ولم يعد لدى اليونان سيولة مالية كبيرة، حيث قال لوكا كاستلي رئيس اتحاد المصارف في اليونان إنّ البنوك اليونانية لديها "وسادة سيولة" قدرها مليار يورو لكن توفر الأموال بعد غد الإثنين يعتمد على البنك المركزي الإوروبي. وأغلقت البنوك اليونانية يوم الإثنين الماضي لمدة أسبوع بعد انهيار المفاوضات حول اتفاق جديد لمساعدات مالية في مقابل إصلاحات من شأنه أن يجعل اليونان تتفادى عجزًا عن سداد الديون وذلك في أعقاب قرار الحكومة الدعوة إلى استفتاء على بنود الإنقاذ المالي. وأبلغ كاتسلي الصحفيين "السيولة مضمونة حتى يوم الإثنين وبعد ذلك فإنها ستعتمد على قرار البنك المركزي الإوروبي... وسادة السيولة التي لدينا حوالي مليار يورو".

تعليق عبر الفيس بوك