وجوه الخير كثيرة

مريم العدوية

ها هو شهر الرحمات والمغفرة قد بارك أعمارنا من جديد، وفيه قد شمرت النفوس عن سواعد الجد والاجتهاد في الطاعات، حيثُ تكثر مبادرات الخيرات التي تدعو إلى تزكية النفوس والأموال.

وفي الحقيقة وإن كانت أخبار مبادرات المجتمع والأفراد في هذا الشهر وغيرها من سائر الأشهر الخيّرة تثلج الصدر، إلا أنها كذلك بحاجة إلى الوقوف عليها.

فكثير من الناس يعتقد بأن الإسلام صلاة وحسب وعمل الخير صدقة وزكاة، "إن الدين كل الدين هو ما نقدمه من خير للناس" هكذا اختصرها وآسيني الأعرج مرة في إحدى كتاباته. وحقاً نحن بحاجة اليوم إلى أن نوسع أفق رؤيتنا لأعمال الخير والتطوع من جديد؛ لأن مجتمعنا بحاجة للخروج من دائرتنا الضيقة لمفاهيم الخير؛ فلا تقتصر أعمال التطوع والوقف مثلاً على المساجد.

فبناء مسجد على سبيل المثال لا الحصر بقيمة باهظة من أجل الوقوف على زخارفه وكمالياته ناهيك عن وجود مسجد يفي بالغرض أساساً من قبل، ليس بأفضل من بناء مشروع أو اثنين ربما بنفس المبلغ لخدمة المجتمع.

لماذا لا تكون هناك أعمال تطوعية لإنشاء دورات مياه والعناية بها في الطرقات؟ أو لإقامة متنزهات بل قل نوادٍ للشباب؟.

إنّ المسلم يبحث عن وجوه الخير بل ويستقصي ما فيه خير ومنفعة للناس أكثر من غيره، ومناحي الحياة كثيرة ولا تقتصر على المساجد وتوزيع المصاحف وإقامة مبادرات إفطار صائم؛ فالدين الحياة والمعاملة وليس فقط الشعائر الدينية.

إن مجتمعنا وبلا مبالغة ما زال شحيحاً جداً في الكثير من المشاريع التنموية التي بتخلفنا عن الركب ما زلنا نرزح تحت وطأت مسمى مجتمعات العالم الثالث، فأين الأيادي البيضاء وطالبي الخير من إقامة المشاريع التي تخدم ذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب الابتكارات والاختراعات وغيرها؟ أين هم أولئك الباحثين عن الخير وخدمة الأمة من الكثير من المشاريع التي لو أن بعضاً من الأموال المصروفة على شكليات لا تقدم ولا تؤخر في المشاريع الواقعة تحت بند أعمال البر والخير صرفت عليها؛ لأتت ثماراً طيبة على هذا البلد وأبنائه.

وللإجابة على السؤال أعلاه خيار واحد، ألا وهو أنهم لا يبصرون سوى طريقة تقليدية واحدة وهي صدقة تدفع لفقير، أو مسجد يقام للصلاة! ولاشك أبداً أن المسجد ركيزة أساسية لقيام الأمة المسلمة والصدقة عمود مهم من أعمدة المجتمع المسلم، ولكننا نهفو إلى رؤية أوسع تلحُ علينا بها متطلبات هذا العصر.

ولأن نظرتنا إلى أعمال الخير تقتصر على دفع المال وخدمة الدين بطريقة مباشرة، بات الكثيرون يتقاعسون عن البذل، متعللين بضيق ذات اليد، على الرغم من أن المال ليس سوى وسيلة واحدة وحسب من وسائل العطاء!

فكل شخص يستطيع المساهمة بعلمه، ووقته بل وحتى إبداعه وأفكاره من أجل خدمة الآخر، والإسلام كان شديد الوضوح في تقرير هذا الأمر حيثُ شرع بأن (الكلمة الطيبة صدقة، وابتسامتُك في وجه أخيك صدقة).

إنها لفرصة طيبة وشهر الطاعات والمغفرة في ضيافة بيوتنا والكثير منّا نال قسطا من الراحة حيثُ الإجازة الصيفية؛ لنمنح أرواحنا تزكية ومساحة لاستشعار العطاء والبذل في سبيل الله، ويتوجه كلُّ بما يملك من وقت أو علم أو مال لخدمة هذا المجتمع، ولنستشعر لذة العمل لأجل الإنسان ولوجه الله محكمين ضمائرنا ومرتقين بأرواحنا. وذلك خيرٌ سنلمس أثره بعد انتهاء الشهر الفضيل، وهو بكل تأكيد خير ألف مرة من العربدة والسهر وتضييع الوقت على غير هدى، حيثُ يعتمد الكثير من الشباب هذا الأسلوب العابث للأسف في تصريف أيام هذا الشهر المبارك، ومن ثم يسفوا الندم والحسرة في نهايته ولعمري لا يستشعرون للعيد أي معنى.

نرجو أن يتردد على مسمعنا في الفترات القادمة أسماء للكثير من المشاريع التي آن لها الوقت أن تخرج من دائرة التمني وانتظار سياسات الحكومة إلى يد المبادرين من المجتمع، وحينها سيحق لنا أن نطالب برفع حصار مسمى المجتمع الثالث عنا، الذي وبحق يشكل تناقضاً بشعاً مع هوية مجتمعنا الإسلامية، حيثُ الإسلام سيد الحضارة والمبادرات والعمل.

إذن وجوه الخير كثيرة، والطريق إليها ميسر وسهل وكل ما تحتاج إليه الجدّ والعزم والصدق في القصد والله لا يضيع عملا كانت نيته لوجهه الكريم بإذنه تعالى.

تعليق عبر الفيس بوك