"كلنا أخوة": حين تصبح الصورة واقعا

زينب الغريبيَّة

عندما عرض برنامج خواطر (11) الأسبوع الماضي القصة التي قمتُ بتأليفها عن الأخوة الإسلامية بعنوان "كلنا أخوة"، ظهرتْ إحدى رسومات القصة لتجسِّد بصريا -ولأول مرة- الفكرة التي يتحدَّث عنها الجميع حول التسامح بين المذاهب؛ حيث يظهر ثلاثة أطفال يُصلون بثلاث هيئات تجسِّد ثلاثة مذاهب إسلامية، هذه الصورة البصرية بسيطة في رسالتها وهي لأننا جميعنا مسلمون؛ فنحن أخوة وبإمكاننا أن نصلي معا؛ لذا فإنَّ هؤلاء الأطفال في عُمر سبع سنوات كانوا ينظرون إلى بعضهم البعض مُستغربين: لماذا هذه الفوارق بينهم في الصلاة؟ فهم لأوَّل مرة يعرفون أن هناك اختلافات بينهم كأبناء مجتمع واحد في العبادة؛ وبالتالي ما الذي يُمكن أن يعلم لهؤلاء الأطفال في هذا الموقف؟ وما الإجابة التي يمكن أن تقدَّم لاستغرابهم؟ هذه الإجابة -التي وضعتها في القصة، وعرضها البرنامج- هي دعوة للتركيز على الجانب المشترك: "لا بأس في ذلك أحبتي؛ فنحن جميعا مسلمون، وهذا الاختلاف يعني أن كلًّا منا على مذهب يتبعه، ولكنه في إطار ديننا الحنيف، وتوحيد الله جل جلاله".

... إنَّنا لا يجب أن ننتظر حصولَ فواجع كتلك التي حدثت في الكويت...وغيرها من البلاد الإسلامية نتيجة عدم الفهم الصحيح للإسلام؛ حيث أصبح البعض يحاول الترويج لنسخة محدَّدة يزعم أنها الصحيحة ولمقبولة، بينما بقية النسخ التي تمارس وفقها بقية المذاهب الإسلامية عباداتها غير صحيحة، ولابد من دعوة أصحابها مرة أخرى للإسلام، فإن لم يقبلوا فلابد من قتلهم؛ وبالتالي يتمركز الجميع حول أنفسهم في أماكنهم الخاصة، لا يعرف جيرانهم في الوطن الواحد عنهم إلا المعلومات المضللة التي يروج لها دعاة الفتنة من الحاقدين على الإسلام قبل أن يكونوا حاقدين على بقية المذاهب، وينشأ الأطفال في ظل هذا التمركز لا يعرفون الفئات المختلفة لمجتمعهم، وعندما يكبرون يكتشفون وجود آخرين يختلفون عنهم في طريقة الصلاة على سبيل المثال، ويقال لهم إنَّ هؤلاء على ضلال؟ ألم يكن من الأفضل أن يتعلموا هذه الفوارق منذ البداية عندما كانوا لا يزالون على الفطرة بحث ينشأ لديهم تقبل لبيقة أفراد مجتمعهم الذين يعيشون معهم في نفس الحارة أو في نفس المنطقة؟

لقد أسعدتني الصورة التي جسَّدها الكويتيون في نفس المسجد الذي تعرَّض للتفجير، عندما ذهبوا للصلاة معا ليوجهوا رسالة "كلنا أخوة" يمكننا أن نصلي معا كلٌّ وفق مذهبه وما وَجَد عليه أهله وأجداده، إنها صورة تشبه الصورة التي رسمتها في القصة والتي أرغب في أن أراها مجسَّدة في عالم الكبار في أكثر من مكان من العالم الإسلامي؛ وبالذات خلال هذه الفترة التي يتزايد فيها حقد أصحاب النفوس الضالة على الإسلام وأهله، وستكون هذه الصورة أكثر قوة لو جسدها علماء المسلمين من مختلف المذاهب؛ حيث دورهم لا يجب أن يتوقف عند الشجب والإدانة، بل لابد أن يركز على تقديم المثال والنموذج لبقية المسلمين من حيث التركيز على القواسم المشتركة. إنَّ اجتماع هؤلاء العلماء في أي بلد إسلامي للصلاة معا كلٍّ على مذهبه، سيبعث برسالة أقوى للعالم، وسوف ينقذ هؤلاء العلماء بهذه الصورة عشرات الآلاف من الأرواح التي لا تزال تسأل "بأي ذنب قتلت"، فهل يُمكن أن نرى الصورة التي خرجت من عُمان وعرضها برنامج خواطر "11" كمثال، والتي جُسِّدت في الكويت في ظرف استثنائي، تجسد خلال هذه الأيام في أكثر من بلد عربي وإسلامي؟

... إنَّ تزايد حدة الطائفية لا يمكن مواجهته إلا بتزايد التسامح والفهم الصحيح للإسلام، الذي حقَّق أهم إنجاز في التاريخ الإنساني عندما تمَّت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، هذه المؤاخاة مثلت قمة التجرد من الأنانية التي عادة ما تتغلب على الإنسان؛ حيث تخلَّى الأنصار عن أراضيهم وأموالهم وبعض زوجاتهم من أجل المهاجرين، مُجسِّدين الحديث النبوي الشريف: "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو، تداعتْ له سائر الأعضاء بالسهر والحمى". إنَّ الأخوة التي جسَّدها هؤلاء في بداية الإسلام ربما لن يستطيع المسلمون في القرن الحادي والعشرين -الذي تسيطر عليه المادة- أن يصلوا إليها؛ وبالتالي إن لم يكونوا قادرين على تقديم كل تلك المساندة، فعليهم أن يكفوا أنفسهم من أن يكونوا مصدر الأذى الذي يلحق بإخوانهم في الدين.

"كلنا أخوة".. هي الرسالة التي يجب أن نبعث بها للأطفال في المنطقة العربية، وهي المنهج الذي يجب أن يُدرَّس لهم، وأتمنى أن تكون هذه القصة على طاولات الطلاب في المدارس العربية، نستطيع أن نتغلَّب على كلِّ هذه الكراهية، لو بدأنا في حماية الأطفال الصغار منها منذ البداية؛ من خلال تعليمهم أنَّ الإسلام دين محبة وتعارف وتعاون وأخوة، مثل هذا النهج هو الذي سيقود إلى حماية هذه المجتمعات على المدى الطويل، كما أنَّني أتمنى لو يُخصَّص جامع في كل بلد يُجسَّد فيه للأطفال معنى "كلنا أخوة"؛ حيث يجدون الكبار في بلدهم يصلون معا، ويجسد لهم معنى الوحدة الإسلامية، ومعنى التماسك في ظل الإسلام، وإذا لم ينجح الكبار في تحقيق ذلك فلن نصل إلى الخلاصة التي خرج بها مقدِّم برنامج خواطر من عرضه لقصة "كلنا أخوة" حين قال: "تقبلوا بعض، وربوا الأولاد هكذا، حتى إذا ذهبوا إلى المساجد ووجدوا كل المذاهب موجودة في مسجد واحد".

تعليق عبر الفيس بوك