هاوية الصف الخامس

إبراهيم الهادي

اعتمدت وزارة التربية والتعليم قبل عقد من الزمان نظام عدم الرسوب للصفوف من الأول وحتى الرابع؛ دون إفصاح عن الغاية من وراء ذلك الأمر، والذي جعل الطلبة والطالبات يصلون إلى الصف الخامس وهم لا يحملون في أذهانهم سوى بعض الفتات من العلوم، وبعضهم ربما لا يفقه في القراءة ولا الكتابة شيئا، بل وكثير منهم لا يعرفون حتى الحروف الأبجدية ولا حتى الأرقام، ولكن برغم هذا وذاك وجدوا أنفسهم في الصف الخامس أمام كابوس مخيف ووحل غرقت معه قدراتهم وانطوت معها أحلامهم..

كانوا مطمئنين بسبب النجاحات الوهمية التي يتلقونها في الصفوف التي سبقت، فوجدوا أنفسهم أمام مواد أصعب وعقاب أشد؛ وهو الرسوب..! ففي الصف الخامس هنا لا مجال لـ"التنجيح" خاصة أنّ الصفوف التي سبقته كانت مُتاحة للفشل! وما ساعد على تنامي هذا الفشل عدم إدراك الطلبة واستيعابهم لأهميّة ذلك بسبب صغر سنّهم وبراءة طفولتهم فهم لم يكونوا مبالين لما هو أمامهم بسبب نظام التقفيز وصعوبة المنهج نفسه، فمن المسؤول عن هذا يا تُرى؟ أهم الطلبة ذوي البراءة أم المسؤولون الذين اعتمدوا هذا النظام؟ والغريب أنّ وزارة التربية والتعليم اعتمدت هذا المنهج بحجة الضغط على أولياء الأمور ليساعدوا أبناءهم في الدراسة المنزلية، والأغرب من هذا كله أن الوضع استمر أكثر من عشر سنوات وتلاحظ جليًا الفشل في عدم اهتمام الأسرة بأبنائها نظرًا لتراكم الأعمال على الوالدين، ومشى الحال كما تلاحظون لهذا المنهج المتخم بكميّات كبيرة من الحشو والمبهر بصعوبته غير المبررة!

إنّ الوضع القائم هذا جعل العديد من التساؤلات تفرض نفسها وتتطلب الإجابة الحقيقية عنها لا الإجابة الإنشائية من قبل المعنيين بالتربية والتعليم، تساءلت في مقالات سابقة عن مغزى المنهج الدراسي والحشو الذي فيه، وتساءلت عن الدروس غير المجدية وما تحتويه، مع التساؤل المشروع عن الهدف الخفي من عسر المنهج وصعوبة هضمه مع وضع أسئلة لا تغني العقل شيئًا ولا تسمنه، إنّ أمامنا طلبة يتطلبون منهجًا يتدرّج مع أعمارهم ومع حجم استيعابهم للدروس، وليس منهجا يحطم الأفكار والرغبات والتحفيز، كل تلك الأسئلة وغيرها لم تُحظ ولا بإجابة واحدة إلى اليوم، كما تساءل أيضًا غيري بنفس هذه الأسئلة، ولم يحظون بإجابات أيضًا، إنّ موضوع المنهج الدراسي ونظام التعليم إن لم يستقم ويواكب ما يتطلبه العصر فإنّه سيكون كارثة مستقبليّة للوطن، وإن لم تتدارك الحكومة هذا الأمر فإنّ مستقبلا مبهما ينتظر الوطن ستتضح معالمه في جيل قادم غير قادر على إدارة شؤون الوطن بسبب مترهلات المنهج وعدم الاهتمام به، أنا وغيري لسنا متشائمين لما يجري في هذا الصدد لكن مكوث المنهج ونظام التعليم بهذا المستوى لأكثر من عقد من الزمن يجعلنا نستصرخ الجهات المعنيّة بهذا الشأن بمعالجة المنهج الدراسي ونظام التعليم ونطالب بأن تشكل لجنة تدرس الوضع الحالي للمنهج ومخرجاته، وأسباب فشله والوقوف على نظام التعليم، وما يتطلب من معالجة؟! وأن تجري دراسة فاحصة تقف على مدى استفادة الطلبة من المنهج الحالي وما يتطلبه سوق العمل والحياة العصرية، ومدى تقبل الطلبة للمنهج وحجم استيعابهم مع أعمارهم الزمنيّة وأعمارهم العقلية وتدرجها في الصفوف!؟

ibrahim@alroya.net

تعليق عبر الفيس بوك