ماذا وراء الأسطورة العُمانيَّة؟ (2-2)

عُهود الأشخريَّة

إلحاقا بما طرحته في المقال السابق حول الأسطورة العمانية، أواصل هنا بداية من أن الأسطورة لها قيمة في كشف أسرار القدامى، ووجودها غالبا في قالب ديني يعكس تصورات كثيرة لهذه القيمة، كما أنها تعكس الذاكرة التراثية للأسلاف. وهناك بواعث كثيرة خلف هذه الأساطير، رغم ذلك لا توجد دراسات حقيقية وأعني بحقيقية هنا (تفصيلية) حول هذا الموضوع.

لو جئنا مثلا لقصة المسجد الذي بنى نفسه في ولاية أدم وهي قصة تضرب في عمق الأسطورة؛ حيث تقول هذه القصة: "إنَّ أهالي المنطقة اختلفوا فيما بينهم أثناء إنشاء هذا المسجد وتعميره وباتوا عند هذا الخلاف، وما إنْ حلَّ الصباح حتى فوجئ الجميع بأنَّ هذا المسجد قد تم بناؤه دون وجود آثار لمواد البناء على سقفه. وإن كانت تلك الرواية الاسطورية قديمة، إلا أن الاسم الحالي للمسجد يجعلها ماثلة في الأذهان باستمرار حيث يسمى "مسجد باني روحه"؛ أي المسجد الذي بنى نفسه". غريبة جدا هذه القصة، ولو سألنا أجدادنا عن السبب سيرجعون الأمر إلى قوى أخرى -تحديدا الجن- حيث إنَّ هنا كل شيء خارق ولا طبيعي مُرتبط بالجن!

هناك نموذج لأسطورة أخرى فيما يتعلق بالقالب الديني للأسطورة في نزوى تحديدا، وتقول هذه الأسطورة: "إنه كان هناك رجل علم يريد أن يرسل اثنين من أبنائه للتعلم؛ فقصر أحد الأبناء في الذهاب فعاقبه الأب بضربه، فقال الابن: أنا أتعلم أكثر من علمك، ولكن ليس مع المعلم. فقال الأب: أرني ما تتعلمه؛ فجاء الابن بعيدان برسيم، فاقتاد الحصاة من أعلى الجبل إلى أسفله فانبهر الأب، وخاف على الابن من أن يطغى بهذا العلم، فقسم الحصاة نصفين، ورمى عمامته، ثم أمر الابن بأن يحضرها ففعل الابن، فأغلق الأب الحصاة، وبقت حتى يومنا هذا رمزا بجانب المسجد الأثري الذي سُمِّي بمسجد حصاة، ولا يزال الأهالي هناك يعرفون هذه القصة". هذا معناه أنَّ هذه الأساطير تحتفظ ببريقها لفترات طويلة، ثمة قاسم مشترك يجمع كل هذه الأساطير حتى وإن اختفلت في أشياء أخرى ألا وهو القوى الخارقة عن قدرة الإنسان العادي، وما كان وراءها ربما بدأ بحدث بسيط جدا، ثم بدأت تتضخم القصة حتى وصلت إلى ما وصلت إليه.

كلُّ ما ذكرته سابقا كان يتعلق بآثار مادية، مساجد وآثار قديمة وأفلاج وغيرها؛ إذ بالنسبة للجانب المادي فهو محصول ضخم جدا لما خلفته السنوات الماضية، فيما يتعلق بطرق التداوي والوقاية من الضّر وأسباب المرض والفشل، وكذلك قصص لأشخاص كانت لهم تصرفات غريبة، وغالبا لا يمكن للعقل تصديقها، إلا أنَّ الناس كانوا يؤمنون بها بسبب الجهل؛ فالجاهل يمكن لأي فكرة جديدة القدرة على السيطرة عليه؛ فمثلا من يستطيع تصديق أسطورة (كبيكب) المتعارفة في قريات وصور، وملخص الأسطورة التي تحكي عنه: (كبيكب اسم غير عربي، وهو رجل سكن في المنطقة وكان حارسا عليها وكان يستولي على أموال الناس بالقوة وبنى منزلا وقُتل في إبراء، وهي قصة يتجاوز عمرها مئات السنين، لكن أجدادنا إلى اليوم يذكرونها وهي متعارفة بينهم، وهي في الحقيقة اسم أبراج هناك كانت الفكرة القديمة أنها مقابر، وهي تتبع لنيابة طيوي بولاية صور. وكبيكب هو من بنى القرية بقصِّ الحصى بـ"الكتارة" وبنى أكثر من برج. وأحد ابناء القرية يقول عن حقيقة كبيكب: لا أحد يعرفه من الإنس أو الجن ، لكن يقال إنه كان يأكل كل من يقترب من المنطقة وهو يقطن داخل غار صنعه بنفسه، وأن هناك امرأة دلتهم على قتله، وقالت: إذا أردتم قتله فخذوا الكتارة منه وهو فاتح العينين ولا تضربوه إلا ضربة واحدة؛ لأن الضربتين تحييانه، فذهب أحد أبناء القرية وقتله)، فهذه واحدة من الخرافات التي تعكس أثر تلك المنطقة، وهي وجود الأبراج لأغراض متعددة في وقت ما، ثم تلاشت وظائفها وبقيت أثرا سياحيا في الوقت الحالي.

وواجبنا نحن من هذه الأسطورة دراسة ما خلفها من بقايا مادية، خصوصا للمهتمين بعلم الجيولوجيا... أتوقع أنَّ هذا الأمر سيكون مهما جدا، وهي دعوة لظهور دراسات متخصصة في ربط الأسطورة بالآثار الباقية أو أفكار القدامى حولها، وما مدى اليقين الذي يمكن أن يصل له الإنسان عند اطلاعه على هذه القصص التي تواترت عبر أزمنة بعيدة، وكذلك الحرص على الأخذ بالقيمة المعنوية بين الشك واليقين.

Ohood-Alashkhari@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك