مجلس الشورى بين قرار الاستبعاد وتطلعات المواطنين

صالح البلوشي

تابعتُ خلال الأيام الماضية بَعْضَ ردود الأفعال والمقالات التي نُشرت في الصُّحف ومواقع التواصل الاجتماعي، حول تداعيات استبعاد بعض الأسماء من الترشح لعضوية مجلس الشورى في دورته القادمة، وقد اختلفت التأويلات في قراءة هذا القرار وتباينت ردود الأفعال؛ فكثير منها اتسم بالطابع العاطفي المتشنّج، والغارق في النظرة السلبية إلى القرار، دون انتظار معرفة أسباب الاستبعاد وخلفياته، بينما اتسمت أخرى بالعقلانية ودعت إلى التريث وانتظار معرفة أسباب هذا القرار.

هذه الضجة التي أُثيرتْ كشفت عن بعض الجوانب السلبية لدى بعض المُستبعدين من أعضاء مجلس الشورى الحالي من عملية الترشُّحْ بالمجلس؛ منها: تغليب الجانب الشخصي (الأنا) على المصلحة الوطنية التي يجب أن تكون فوق كل اعتبار، عبر الادعاء أن القرار جاء نتيجة لنشاطهم في الدورة الحالية للمجلس، وأن غيابهم في الدورة المقبلة سوف يؤثر وبشكل كبير على عمل المجلس. كما استغل بعضهم القرار المذكور للادعاء بأن الحكومة لا تملك الرغبة الحقيقية في إرساء وتمكين تجربة برلمانية مستقلة وجادة في البلاد؛ لذلك ذهبوا إلى اعتبار القرار تدخلا سافرا في تحديد اختيارات الناخبين. هذه الادعاءات، وغيرها، أجابت عنها وزارة الداخلية بتاريخ 17 يونيو الماضي؛ عندما كَشَف سعادة المهندس خالد بن هلال بن سعود البوسعيدي وكيل وزارة الداخلية رئيس اللجنة الرئيسية لانتخابات مجلس الشورى أسباب استبعاد بعض أسماء المترشحين، وإنها جاءت حسب قانون انتخابات مجلس الشورى الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (2013/58).

وإضافة إلى الجوانب السلبية التي ذكرنا جانبا منها؛ كشفتْ رُدود الأفعال تلك عن جوانب إيجابية أيضا؛ ومن أبرزها: أنها كشفت للمراقبين اهتمام المواطن بهذه الانتخابات، ورغبته الأكيدة في انتخاب الأشخاص الذين يعتقد أنهم الأصلح والأنسب لتمثيله بالمجلس في دورته المقبلة. ولولا هذا الوعي والاهتمام لما أصبح قرار الاستبعاد حديث الناس في المجالس ومواقع التواصل الاجتماعي طوال الفترة الماضية. وأزعم أن تجارب الانتخابات السابقة أثبتتْ أن المواطن العماني وصل إلى درجة من الوعي؛ بحيث يستطيع انتخاب الشخص الكفء القادر على خدمة الوطن في المجلس، ومراقبة الأداء الحكومي وكشف الجوانب السلبية فيه والعمل على تطويره، دون أن يكون في حاجة إلى من يرشده إلى انتخاب هذا العضو أو ذاك، ودون الحاجة -أيضا- إلى البهرجة الإعلامية والحركات البهلوانية التي لم تعد تنطلي على أحد، مثل: رفع الصوت والصراخ أثناء المناقشات داخل المجلس وضرب الطاولة بالقوة؛ فهذه الممارسات اللاعقلانية والخارجة عن السلوك الصحيح للحوار، لا يمكن اعتبارها دليلا على المشاركة الفاعلة في عملية صنع القرار، وإنما هي أقرب إلى عدم احترام المجلس وأعضائه، ولامبالاة بتطلعات الناخبين الذين لم ينتخبوه من أجل ذلك؛ وإنما من أجل إيصال صوتهم ومطالبهم إلى المسؤولين.

كما لم يعد يُؤثر فيه الشعارات البراقة، والأماني المعسولة، والوعود الزائفة؛ فالمرشح الذي يعتقد في نفسه الكفاءة والأهلية للترشح للمجلس ليس بحاجة إلى كل هذا، وإنما يستطيع أن يثبت جدارته لدخول المجلس بسمعته وتاريخه وكفاءته. إنَّ المواطن يريد من عضو مجلس الشورى أن يكون عضوا فاعلا في توصيل صوته إلى الحكومة، وأن يؤدي دوره بجدارة داخل المجلس في خدمة قضايا المواطن وترجمتها إلى واقع ملموس؛ فالناس ليسوا في حاجة إلى مهرجانات خطابية أو استعراض عضلات، وإنما إلى إيجاد حلول لمشاكلهم خاصة في مجال الإسكان والصحة والتعليم...وغيرها، وأن يسعى إلى تعزيز الرقابة في مكافحة الفساد والاستغلال، والقضايا التي تهم المواطن، وألا يستغل المنصب لمصالحه الشخصية أو الفئوية.

وللأسف الشديد، في الوقت الذي استطاع فيه مجلس الشورى -في دورته الحالية التي تنتهي قريبا- مناقشة كثير من القضايا المهمة، فإن موقف بعض الأعضاء من بعض القضايا؛ منها ما يتعلق في الجانب الثقافي؛ أثارت تساؤلاتٍ في المشهد الثقافي العماني حول حقيقة موقفهم من حرية التعبير عن الرأي، والحق في الإبداع، إذا كان بعيدا عن المس بالثوابت الدينية أو الوطنية، مثل: الموقف من بعض الكتب الأدبية التي صدرت العام الماضي وأثارت جدلا كبيرا في مواقع التواصل الإجتماعي، فقد سارع بعضهم إلى إطلاق حملة عبر حساباتهم الشخصية بتويتر لمهاجمتها والدعوة إلى منعها، وأثاروا ذلك داخل المجلس نفسه أيضا. ونتمنى من المجلس في دورته القادمة التركيز على القضايا التي تهم المواطن أولا، وجعلها مركز اهتمامه، بعيدا عن إثارة القضايا الهامشية التي لا يجني منها الوطن والمواطن سوى إضاعة الوقت والجهد على حساب القضايا الأساسية.

تعليق عبر الفيس بوك