قراءة في سوق المال

حمود بن علي الطوقي

خلال متابعتي لعمليات التداول على أسهم شركة العنقاء، والتي تعتبر أحدث شركة مساهمة عامة؛ تمّ إدراجها في البورصة وتفاعل المستثمرين مع عمليات البيع والشراء في الأسهم خلال فترة تعويمها حسب قانون سوق مسقط للأوراق المالية، ومتابعتي أيضاً للتجاذب بين المواطنين المستكتبين على أسهم هذه الشركة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لاحظت أنّ الأغلبية يطالبون بإعطاء أولوية الاكتتاب للعمانيين وأن يسبق ذلك فتح المجال للوافدين والشركات للاستكتاب، ولابد أنّ للهيئة العامة لسوق المال وجهة نظر في عملية التخصيص. ولا أود الخوض في هذا الموضوع الفني.

ولكن يجب الإشارة إلى واقع السوق كما أعرفه، من خلال قراءتي له على مدى 20 عاماً، قضيتها وأنا أتابع التطورات التي مرّ بها السوق منذ تأسيسه عام 1986، وأبرز محطات هذا السوق الذي يعتبر الأفضل من ناحية التنظيم والتشريع.

ونظراً لما يوديه السوق من خدمات للاقتصاد وما يلعبه من أدوار إيجابية، يمكن القول بأنّ سوق رأس المال يُمثل المحور الرئيسي في عملية تنشيط الاستثمار من خلال توفير الاحتياجات التمويلية للمشروعات الاقتصادية لكونه الوعاء الذي تصب فيه المدخرات المُجمدة حتى يتم توجيهها إلى إقامة مشاريع عملاقة في مختلف قطاعات النشاط الاقتصادي، الأمر الذي يسهم في إيجاد اقتصاد حقيقي يتميز بشراكة وطنية بين كل أطياف المجتمع في عملية بناء الكيانات الاقتصادية الواعدة.

والأهمية التي تحظى بها سوق رأس المال لم تشفع لها حيث لا تزال مساهمتها في الاقتصاد الوطني العماني دون المستوى المأمول، مقارنة بما وصلت إليه اقتصاديات الدول المتقدمة من حيث الاعتماد الكبير على أدوات التمويل ذات الأجل الطويل.

فرغم التطورات الملحوظة في بعض مؤشرات سوق مسقط للأوراق المالية والمعطيات الإيجابية في أداء الاقتصاد الوطني، إلا أنّ واقع سوق المال العماني يعاني ويواجه العديد من التحديات التي تحد من تطوره وقيامه بالدور المأمول، وقد انعكس ذلك جلياً على أداء سوق مسقط للأوراق المالية متأثراً بجملة من التحديات ممثلة في ضعف سوق الإصدارات الأولية حيث بلغ إجمالي حجم الإصدارات الأولية خلال العام المنصرم 2014م، أربعة إصدارات فقط بقيمة نحو 74,8 مليون ريال وتعتبر هذه الإصدارات متواضعة مقارنة بانتعاش السوق الأولوية في دول المنطقة، وبالنظر إلى القيمة السوقية فإن ارتفاعها خلال العام 2014، كان طفيفاً لم تتجاوز نسبته 3%، حيث بلغت القيمة السوقية حتى نهاية العام 2014 نحو 14,6 مليار ريال.

والمطلوب أن يعزز السوق نشاطه بإنعاش السوق الأولية حتى يصلح من وضعه بين أسواق المنطقة.

ورغم ما تبذله هيئة سوق المال من جهود مقدرة للارتقاء بالسوق وتحسين وضعه وزيادة كفاءته، إلا أننا نلاحظ أن هناك بطئاً في هذا الجانب ويتطلب أن تتكاتف الجهود لدفع هذا القطاع حتى يتمكن من أن يقود القاطرة خاصة ونحن نعيش هذه الأيام حالة من عدم الاستقرار والتذبذب في قطاع النفط الذي يمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني.

والواضح أن هناك حاجة ملحة لتعميق السوق ولا يمكن للسوق أن يحقق هذا المطلب إلا بقناعة من قبل الحكومة بتخصيص جزء من استثماراتها للاكتتاب العام أمام الجمهور من أجل حشد السيولة والمشاركة من قبل المواطنين في اقتناء أسهم ذات قيمة مضافة تعود على الاقتصاد الوطني، وقد أكد معالي الوزير المسؤول عن الشؤون المالية في أكثر من مرة أنّ الحكومة تنظر بجدية في هذا الأمر إلا أنه لم يحدث أي تطور فيه حتى الآن.

وللنظر بتعمق حول ضعف السوق العمانية أذكر أنه في عام 2013 ومن خلال استطلاع أجرته مجلة سوق المال التي تصدرها الهيئة العامة لسوق المال وجدنا أنّ من بين أهم الأسباب ضعف نمو السوق أن تسييل الأسهم في السوق بسيطة جدًا حيث إن المضاربات تتم ببطء شديد بسبب تمركز الملكية وخاصة لدى المستثمرين المؤسسين فحوالي100 مساهم يمتلكون أكثر من 75% من قيمة الشركات المدرجة في السوق في ظل أحجام رؤوس أموالها الصغيرة وضعف أحجام التداول.

إنّ استحواذ مجموعة معينة على القيمة السوقية في أسهم الشركات المدرجة في سوق مسقط لا يساعد على النمو، بخلاف أسواق دول المنطقة التي تشهد تداولات نشطة تساهم في تنويع المحافظ الاستثمارية لدى الجمهور.

وتعاني سوق مسقط أيضاً من غياب بعض القطاعات المهمة الداعمة للأسواق المالية بشكل عام، كقطاعات النفط والعقار وتكنولوجيا المعلومات والنقل وشركات الأدوية، كما تعاني قلة الأدوات الاستثمارية.

كل هذه التحديات التي تواجهها صناعة الأوراق المالية تقتضي ضرورة العمل على مراجعة كافة المعطيات والعوامل المساهمة في بناء هيكل الاقتصاد الوطني.

وإنني على قناعة تامة بأن الهيئة العامة لسوق المال تدرك أهمية تعميق السوق وفتح قنوات وإضافة منتجات لدعمه بغية الوصول إلى سوق مالي يتمتع بمكانة مالية عالية من أجل تحقيق الأهداف المرجوة منه في رفد الاقتصاد الوطني.

تعليق عبر الفيس بوك