"جامع أبي قحطان".. كتاب يتعمَّق في أصول الشريعة وفروعها

فهد السَّعدي

تزخَر عُمان -بل والعالم الإسلامي- بعلماء ومفكرين لهم باع طويل في نشر العلم والمعرفة من خلال مؤلفاتهم؛ لذا نقدِّم للقارئ في هذا اليوم كتاب "في أصول الشريعة وفروعها"، مؤلفه أبو قحطان خالد بن قحطان الخروصي الهجاري -من فقهاء النصف الثاني من القرن الثالث الهجري- حدث عن أبي عبدالله محمد بن محبوب، وتوجه إليه بالسؤال، وأخذ عن ابنيه بشير وعبدالله ابني محمد بن محبوب. من آثاره العلمية: سيرة في أحداث الفتنة الناتجة عن خروج موسى بن موسى وراشد بن النظر.

وجامع أبي قحطان يتألف من 3 قِطَعٍ على ما يبدو:

- القطعة الأولى: في الأديان؛ تضمنت مسائل في الإيمان والتوحيد، والولاية والبراءة، وعزل الإمام، والكبائر، وخلق القرآن...ونحو ذلك. وتوجد نسخةٌ منها بمكتبة السيد محمد بن أحمد؛ برقم (36)، وهي منسوخةٌ بالقرن العاشر الهجري، ولكنها منقطعة الأول، وسقطت منها العديد من الصفحات.

- القطعة الثانية: في الدماء؛ وتتضمَّن أحكام اليمين والنذر والاعتكاف، والعتق، والنكاح والطلاق، والحيض، والعدة، والجروح وأروشها، والحدود. توجد نسخةٌ منها بمكتبة السيد محمد بن أحمد؛ برقم (37).

- القطعة الثالثة: في الأحكام؛ تضمَّنت ذكر الشهادة والبينات، والنفقة، وصدقات النساء، وأحكام الأعجم والمعتوه واليتيم، والشفعة، وأحكام المضار والطرق، وأحداث الدواب، والتهم والريب، والضمان، والبيوع.. وأولها: "الحمد لله على شرائع الإسلام، وعلى ما أوضح من الأحكام، وبين من الحلال والحرام". وتوجد منها نسختان بدار المخطوطات؛ برقم (3346)، ورقم (1696)، ويبدو أن الأولى منهما نسِخت قبل القرن العاشر الهجري.

واعتمد أبو قحطان بشكلٍ ظاهرٍ في القطعتين الثانية والثالثة من جامعه على جامع أبي جابر محمد بن جعفر، إضافة إلى جامع الفضل بن الحواري في القطعة الثالثة، وأضاف إليهما ما انتقاه من آثار المسلمين من كتاب عمرو بن سعيد بن محرز، وكتاب سعيد بن الحكم...وغيرهما. وقد صرح أبو قحطان بمنهجيته هذه في القطعتين المذكورتين في العديد من مواضع كتابه؛ فهو يقول مثلًا: "باب النكاح مما ألف ابن جعفر على ما بلغنا عنه نسخة من كتاب سعيد بن محمد بن حازم، وقد زدت فيه من آثار المسلمين، وثبتت الزيادة في موضعها"، ويقول في موضعٍ ثانٍ: "هذا كتاب الطلاق مما ألف محمد بن جعفر، وفيه غير ذلك من آثار المسلمين"، ويقول في موضعٍ ثالثٍ: "انقضى تأليف ابن جعفر، وهذا الآن الذي ابتدأته عن أبي عبدالله من كتاب عمرو بن سعيد وغيره من الفقهاء"، ويقول في موضعٍ رابعٍ: "انقضى تأليف ابن جعفر في الإيلاء، وهذا الذي ابتدأته من كتاب عمرو بن سعيد بن محرز".

أما القطعة الأولى فقد اعتمد فيها على آثار شيخه بشير بن محمد بن محبوب، ووالده محمد بن محبوب...وغيرهما.

توجد على القطعة الأولى من الجامع زياداتٌ كثيرةٌ مأخوذةٌ عن كتاب الضياء لسلمة بن مسلم العوتبي، وآثار كل من أبي محمد عبدالله بن محمد بن بركة، وأبي الحسن علي بن محمد البسيوي.

لم يكن أبو قحطان مجرد ناقلٍ عن الكتب التي تقدمته فحسب، بل كان يضيف، ويعلق ويعقب، ومن ذلك تعقيباته على بعض ما نقله عن كتاب جعفر بن مبشر المعتزلي (ت: 234هـ).

ويعتبر جامع أبي قحطان من الكتب الإباضية المهمة؛ فهو من أوائل ما وصلنا إلينا من المؤلفات العُمانية ذات التبويب الفقهي، كما أنه يتضمَّن نقلًا عن عددٍ من الكتب التي تعتبر الآن من عداد المفقودات؛ ككتاب سعيد بن الحكم (ق3هـ)، وكتاب عمرو بن سعيد بن محرز (ق3هـ)، وكتاب غسان بن خليد إلى محمد بن خالد (ق3هـ)...وغيرها.

وقد قرظ الكتاب الشيخ محمد بن ربيعة بن خلفان بأبيات شعرية، تقع في عشرة أبياتٍ:

((كتاب أبي قحطان في القلب شائق...

كشهْدٍ مصفَّى وهو في النظم فائق

حوى كل معنىً في الشريعة إنه...

له الشرف السامي بالحق ناطق

مسائله تغنيك يا صاحِ حكمةً...

فنور الهدى فيه لك الرشد شارق

فإن كنتَ محتاجًا إلى الكتب طالبًا...

عليك به فيه المنى والحقائق

فيكفيك لا تحتاج تطلب غيره...

من الكتب فيه يا أخي دقائق

فكن راغبًا لله فيه وعاملًا...

به فاستمعْ فهو الخليل الموافق

فأسأل ربي حفظ ما فيه والهدى...

يوفقني منه الرضا فهو رازق

مؤلفه أعني ابن قحطان خالدًا...

هو المرتضى الزاكي له الفضل سابق

هو العالم المفتي في الشرع لم يكنْ...

سواه إذا في عصره وهو حاذق

وصلى على الهادي النبي إلهنا...

وأصحابه والآل ما لاح بارق)).

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة