وظيفة الخطباء والأئمة توعية الأمة بناء على الوسطية.. وعلى كل الدعاة السعي لتطبيق هذا المبدأ

إدريس بابه باحامد

مما لا يخفى على المتأمل في واقع الأمة الإسلامية اليوم وما يحاك لها، وما يراد لها، وما يخطط لها، ليلحظ وبكل وضوح مدى تكالب عدّة أطراف عليها، لا لمصلحتها عادة بل لنقيض ذلك، الأمر الذي يجعل تقييمَ الظرف الحالي، والتخطيطَ وِفْقَهُ - وبناءً على ما مضى - أمرًا لا يقل أهمية عن إعداد الحلول لذلك؛ ذلك أنّ الكثيرين يهتمون بنبش التاريخ، أو النظر في الواقع دون أن يكون هنالك مزجٌ بينهما وفي إطار ما يمكن من خلاله التوصل إلى وحدة إسلامية عالمية، تبني أسس الاتحاد وَتُنَمِّي أَوَاصِرَ التَّقَارُبِ لاَ العَكس، فأضحى واجبا على المفكرين والسادة العلماء المسلمين على اختلاف انتماءاتهم الفكرية والعرقية النَّظر في هذا المعنى العام والبناء لأجله، موقنين أن الله تعالى سنَّ الاختلاف بين خلقه وجعله سنَّةً من سُنَنِهِ: )وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ(، )وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً(، وعلى هؤلاء العلماء أن يُبيِّنُوا للناس أن الاختلاف الذي سنه الله تعالى إنما هو اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد وشقاق، الأمر الذي يكفل بمشيئة الله تعالى التعايش الآمن والأمين، في ظِلِّ مَبْدَئِ الوسطية التي تدعو لاحترام الآخر كيفما كان شأنه أو انتماءه.

فإذا كان الله تعالى يأمرنا بالقسط والحق والعدل والإحسان مع غير المسلمين فكيف بمن يقول ويشهد أن: لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله!، بمعنى أنه ينتمي إلى الأمة الإسلامية على أي هيئة كان منسكه، وتوجهه الفكري، مادام مُؤَطَّرًا ومنتميا إلى هذه الراية راية الإسلام المنبثق من الشهادتين، دون غُلُوٍّ أَوْ إِجْحَاف.

ولعل الكثيرين يتساءلون كيف يمكن لهذا الأساس أن يتحقق؟، ولهذا الشعار أن يُرفَع؟ ويستفيد منه الخلق فيؤمنوا به إيمانا عَمَلِيًّا وَاقِعِيًّا لا مجرَّد ألفاظ وشعارات تُرفع ؛ حينما تُمَسُّ ذات الله تعالى العلية أو كرامة نبي من أنبياء الله تعالى، ثم سرعان ما تخبوا هذه الثورة وتزول الشعارات ويتأزم الوضع بين المسلمين أنفسهم فيتفرقون جماعات وأحزابا كل حزب يدّعي الأحقية، ساعيا لإثبات النقيض على غيره ولو بلغ الأمر إلى النطاح والنزاع واستعمال مختلف الوسائل في ذلك.

لذا فعلى كل من سبَّلَ نفسه للدعوة الإسلامية الحقة؛ كلٌّ في مجال عمله وتخصصه أن يسعى ويعمل جاهدا لتطبيق هذا الشعار المهم وهو شعار الوسطية، والتعامل بالحسنى وما التعامل بالحسنى إلا ثمرة من بين ثمار الأخذ بمبدئ الوسطية في الإسلام، فالعالِمُ في رسالته العلمية سواء أكان ذلك في جامعة أو أي صرح علمي، والموظف في وظيفته على اختلاف ذلك، والداعية إبَّان دعوته في أي زمان ومكانٍ كانْ، ولعل من بين هؤلاء الذين أخصهم بالحديث في هذا المقال: هم الأئمة والخطباء، هؤلاء الذين ينظر إليهم ويشار إليهم بالبنان، وهم لا محالة يشَكِّلُونَ عَصَبًا مُهِمًّا فِي حياة الفرد والمجتمع، بما يقومون به من دور إما إيجابي أو سلبي، الأمر الذي يحتِّمُ عليهم ويضعهم أمام رهانٍ مُهِمٍّ أَلاَ وَهُوَ التَّمَسُّكُ بمبدأ الوسطية والدعوة إليه، وتقديمه للعالم واقعا ملموسًا، مُجَسَّدًا ِفي الأَفْعَالِ وَالأَعْمَال، وكذا الأقوال؛ ذلك أن القول منهم قد يكون بمثابة قنابل موقوته قد تنفجر أمام كل من لم يعتقد بمعتقده أو ينتصر لفكره، في حال أنه لم يعلم أن ذلك مما يسوغ فيه الخلاف كما أشرنا. كما قد يكون القول منهم عبارة عن برد وسلام لكل قول أو فعل من شأنه إحداث شرخ أو فتنة على الصعيد العام والخاص للأمة الإسلامية.

وَلَعَلَّ مَسْؤُولِيَةَ الأَئِمَّةِ وَالْخُطَبَاءِ لاَ تَقِلُّ أَهَمِّيَةً مِنْ مَسْؤُولِيَةِ حُمَاةِ الْحُدُودِ فإن كان حماة الحدود الوطنية لأي دولة من الدول يهيَّأُ لهم كل الوسائل المطلوبة لذلك العمل الجاد الشاق من دبابات وأسلحة وما شابه ذلك تحسبا وترقبا لأي معتدي على الحدود، فإنه ولا بد أن يُنْظَرَ إِلىَ الخطباء والأئمة كذلك؛ فهم حماة للحدود الفكرية مع ما للحدود الفكرية من أهمية وخطورة في آن واحد، وقد تفوق الحدود الجغرافية أحيانا، ذلك أن الفكر ينتقل دون حاجة إلى انتقال الشخص بحد ذاته، مع ملاحظتنا لهذه الطفرة الرقمية والإلكترونية التي يعيشها العالم اليوم، على عموم إيجابياتها وسلبياتها، فواجب الأئمة والخطباء من أهم وأوكد الواجبات لحماية الفكر الإسلامي المعتدل من الزيغ، والوقوع في شراك التكفير ، و التفسيق، والتضليل، بالنظر إلى مبدئ الوسطية الذي يتكفل بذلك؛ انطلاقا من الأصول الدينية المتفق عليها، بين أفراد الأمة الإسلامية مَشْرِقِهَا وَمَغْرِبِهَا شمالها وجنوبها، ولعل ما نراه اليوم - بعين دامعة وأفكار حائرة - حاصلا بين المسلمين فيما بينهم وبإشكال غريبة وعجيبة، وتفنن رهيب قد يكون نتيجةً لفتوى أو درس أو خطبة نطق بها إمام أو خطيبٌ فحملها البعض ممن لا ترقى عقولهم إلى فهم مبدئ الاختلاف الممكن؛ فيقع ما يقع من كوارث ومآسي، على خلفية الدين والمعتقد.

فواجب الأئمة والخطباء ومهمتهم مهمَّةٌ بالغةُ الأهمية، وهم ركن أساسي وحجر من أحجار زاوية قيام الأمة الإسلامية بعد سقوط، وصحة بعد وَهَنْ، ذلك أن الكثيرين يستمدون تبريرات لأفعالهم من خلال ما يسمعونه ويلقَّنونهُ.

فما هو واجب هؤلاء الأئمة والخطباء؟ وماذا ينبغي عليهم أن يقدموه سعيا لتجسيد وتحقيق خلافة الله تعالى في الأرض؟ بناء على مبادئ الإسلام السامية ومن ذلك مبدأ الوسطية، وزرع التآلف والتآخي بن أفراد الأمة الإسلامية، ونبذ الفرقة والخلاف المؤدي للوهن والضعف لا محالة.

فمن واجب الأئمة والخطباء ما يلي:

1- الفهم العميق: وهذا في أمور الحياة وفي مقدمة ذلك الفهم العميق لمعاني كتاب الله تعالى العزيز الحكيم، وذلك من خلال الاطلاع على أقوال العلماء وجهابذة الفكر الإسلامي المعتدل، المتمكنين في العلم الساعين إلى لمِّ الشمل، والحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية. وبالتبع الفهم العميق لنصوص السنة الشريفة إذ أن السنة مصدر ثاني من مصادر التشريع الإسلامي، ينبغي الرجوع للعلماء للفهم الصحيح لها، دون تحميل النصوص ما لا تحتمل أو فهمها على سطحيتها. فكم من نص حُمِّلَ عَلَى غير معناه، أو أول تأويلا غير صحيح، فتلقفه البعض واستدلوا به واحتجوا به لتبرير مواقف وأعمال، ونصر توجهات وتيارات.

2- التأمل الدقيق: وهذا من خلال معرفة الواقع الذي يعيش فيه، ليعرف كيف يصل إلى أسباب الهداية والتوجيه السليم، إذ أن الناس متفاوتين في المدارك والقدرات، فكيف يوصل الإمام أو الموجه الفكرة المرجو وصولها على وجه صحيح ليعالج أمرا من الأمور أو قضية من القضايا، مع الدقة في تحديد ما هو أمر عادي وما هو قضية كبرى، فالمجهود الذي يبذل في معالجة أمر أو موقف، قد لا يكون نفس الجهد الذي يبذل في معاجلة قضية أو ظاهرة، فتحديد المفاهيم بدقة يجعل العملية الإصلاحية يسيرة ودقيقة بمشيئة الله تعالى.

3- التعامل الرفيق: وهذا مبدأ من المبادئ المهمة التي ينبغي على الأئمة والخطباء على الخصوص مراعاته إبان عمليتهم التوعوية، فكم من شخص لم ينته عن أمر، أو لم ينتصح لناصح ليس لعدم معرفته بالخطأ، أو لتكبره على الحق وإنما لعدم تعامل الناصح معه برفق وأناة، وليونة ويسر، فالشدة لا تقتضي دائما التجبر والعبوس، فقد يكون الإنسان شديدا في الحق يسيرا في التعامل، سرعان ما تظهر النتائج الإيجابية لعمله التوعوي الإصلاحي. ومن أساليب التعامل الرفيق، التماس الأعذار، الابتسامة، تقبل الأعذار،

4- مراعاة الواقع، وفهمه فهما دقيقا فهو وسيلة من وسائل المعرفة والتعارف و الا عتراف والعيش وفق مبدأ الاحترام والتقدير مع الحفاظ على الهوية الاسلامية المعتدلة كما أرشدنا ربنا الكريم وبيَّن، ولنا في رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم القدوة الحسنة.

وفي ظلال هذه المبادئ المقتضبة ولعل هنالك مبادئ كثيرة مجملها الدعوة بالحسنى، قولا وعملا، وفق منهج إسلامي معتدل، ذلك أن المولى عز وجل أمرنا في كثير من الآيات بالدعوة الحسنة، وكذا نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، لما لهذا المبدأ من نتائج على كافة المستويات، والديانات، والتوجهات، والاعتقادات.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة