تداعيات سقوط "الثعلب"!

حسين الغافري

جاء خبر استقالة "بلاتر" رأس الهرم في الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بعد ما يقارب أسبوعين من ترشحه لدورة انتخابية جديدة بعد صراع مُحتدم مع الأمير علي بن الحسين الذي فضّل حينها الانسحاب قبل الجولة الثانية للانتخابات .. الخبر جاء على صورة "مفاجأة منتظرة" يمكن القول بأنها كانت "مسألة وقت" لا أكثر خصوصاً بعد العاصفة الكبرى التي هزت عرش الفيفا برمته وقضايا الفساد المكتشفة التي طفت على السطح مُفرزةً عدة تساؤلات عن معايير وأسس بعض الأحداث الحاصلة سابقاً، وأهمها أرسى شرف تنظيم بطولات عملاقة سابقة .. أو أخرى منتظرة مستقبلاً.

.. يمكن القول بأن الأقلام سالت بوفرة حول (تلاعب قد تمّ) في اختيار الملفات المُترشحة، مما أفرزت عناوين مثيرة وتساؤلات متعددة حول ضوابط التقييم ومن ثمّ الفوز!. والمسألة ليست سهلة في أن تفوز دولة معينة بشرف تنظيم بطولة ككأس العالم على أراضيها.. وخسارة تنظيم البطولة يعدّ انتكاسة تلقي بظلالها بعيداً .. كيف لا وهو سبق اقتصادي ذو عائد للدولة المستضيفة للحدث من جميع الجوانب سياحياً واقتصادياً ورياضياً، وجميعها متراكبة ببعضها؛ كونها تعد أبرز الاستثمارات الناجعة من حيث "الاستثمار المربح المضمون".

.. "فيفا بلاتر" إن صحت تسميته، أسس قاعدة من قواعد الغابة، حكمه وأحكامه يظهرها القوي على منهم دونه متسلطاً فيها على البقية؛ فجعلهم يعيثوا فساداً في الرياضة وسارت بهم التلاعبات في الإستحقاقات والبطولات الكبرى وتسابقوا في جمع المال منها .. حتى أضحت البطولات "تُباع بيعاً"، وأصبحت كتلك الدجاجة في حلقات الكرتون التي تبيض ذلك "البيض الذهبي" فقرّبوا من قبل بالدفع وأبعدوا من لا يستجيب لمطالبهم ولا يدفع! إلى أن اشتغلت دول لها مكانتها التاريخية وجذورها العريقة في اللعبة كإنجلترا والاتحادات الأخرى في الاتحاد الأوروبي، أضف لهم الاتحاد الأمريكي ووقفوا في وجه هؤلاء "المُتنمّرين" بيد واحدة .. وهنا يمكن القول بأن وقوفهم بوجه بلاتر وسياسته ليس بحثاً عن الشفافية والنزاهة وإحقاق الحق، وإنما هم أيضاً لهم أسبابهم ومصالحهم، إلى أن جاء خبر كشف سويسرا المفاجأة المدوية بضلوع ثلاثة رؤوس داخل أروقة الفيفا جل همهم ما يحدث تحت الطاولة من رشاو ولعب بممتلكات الاتحاد الدولي في وقت كان من المفترض أن تُعلي "الفيفا" أسس اللعب النظيف والروح الرياضية كأحد أبرز الوسائل تقريباً بين الشعوب، وتعميم المفاهيم الواسعة السامية على مستوى العالم أجمع في سائر الرياضة الأعرق والأكثر شعبية!.

.. وإذا ما نظرنا من ناحية أخرى فتبدو مسألة توقيت إعلان خبر فساد بعض أعمدة الاتحاد الدولي له وعليه، فقد تشابكت الرياضة بالسياسة وتلاحمت الأحداث وتداخلت المعطيات وهو ما ساهم في تقوية صوت الإنجليز الذي كانوا ولا زالوا ضد سياسة بلاتر وأظهروا رفضهم المستمر لتواجده على قمة الهرم آخرها وقت الإنتخابات وحاربوه خصوصاً بعد أن خسروا شرف تنظيم كأس العالم لعام 2022م لصالح الأشقاء في قطر وهو ما ينبىء عن إصرارهم في إستضافة البطولة لليوم! وغيرها من الصراعات بين الأمريكان والروس الموالين للسويسري، والملفات التي يلوح بها القضاء الأمريكي في فساد بلاتر والمناورات التي دخلت في الرياضة بعدما أوجدتها السياسة في حرب القوى الكبرى سياسياً بين الدولتين!... من كل تلك التفرعات تبدو مسألة فصل السياسة عن الرياضة مطلب هام يستحق أن يكون واقعاً رغم تعقيدات المهمة، والأمل يحذونا بإعادة الشفافية والإتزان إلى "الرأس" حتى تستقيم باقي أعضاء الجسد، وتقليل صلاحيات الأعضاء وسلطتهم الكاملة حتى لا يحدث شكل جديد مستقبلاً الفساد وقوانين الغابة التي إضلطعت وأنتجت قضايا الفساد والتحيّز لطرف معين، من خلال سن قوانين جديدة شاملة لا تتيح ثغرة ضعف، وإعادة هيكلة النظام المعمول به في الاتحاد الدولي وأعضاء المكتب التنفيذ حتى تتحقق العادلة ويكن التنافس وفق القوانين الضامنة فوز "الأحق"، وإبعاد الخلافات السياسة برمتها عن الرياضة وإيجاد أنفاق واسعة تتيح التقريب والتآلف والوحدة ونشر السلام من خلال كرة القدم .. فهل سيحدث ذلك أم أن هناك ثعالب أخرى لا تقتصر في شخص "الثعلب بلاتر" وهل القوى الكبرى ستقبل بإبعاد صراعتها السياسية عن الرياضة؟!.

تعليق عبر الفيس بوك