وقت الأزمات تظهر معادن الرجال

علي بن راشد المطاعني

الأزمات والأحوال الاستثنائية والظروف القاسية دائمًا تكشف عن معادن الشعوب وأصالتها، وقدرتها على تجاوز المعضلات؛ والشعب العماني بكل أطيافه وشرائحه وفئاته بالأمس واليوم والغد، يرسم صورة رائعة من صور الوفاء للوطن والتفاني في خدمته، والالتفاف في مثل هذه الظروف، ولعلّ صور العمل في الحالة المدارية التي شهدتها السلطنة في الأيام الماضية تعيدنا دائما إلى تجربتين سطر فيهما العمانيون أروع الأمثلة في التآزر والتآخي والتلاحم في المحن والأزمات، فإعصارا جونو وفيت وغيرهما اللذان ضربا السلطنة في السنوات الماضية يظلان ماثلين للعيان.

فعندما يستحضر الفرد تلك التجارب القاسية التي مرت بها السلطنة بدون أي مساندة خارجية، يطمئن بأن الأمور في هذا الوطن العريق بخير، بأبنائه الأوفياء أعزاء النفس والكرامة، وأنّ أي أزمة مهما بلغت ذروتها وقوتها فإنّها لا تلين من عزم العمانيين، وأنّ الظروف الاستثنائية لا تنال من شكيمة أبناء عمان الأجلاء، فهذه العاصفة المدارية ما هي إلا ذرة من جونو الذي شهدنا فيه تلك الأهوال التي سببها ذلك الإعصار المهول، وما هذه الحالة المدارية التي شهدناها إلا تجربة بسيطة من التجارب التي عاشتها السلطنة، فطوبى لكل المخلصين الذين يلتفون حول بلدهم وطوبى للإخوة الذين تفانوا في العمل في مثل هذه الظروف غير العادية.

فبلا شك أنّ الأزمات تصنع الرجال وتخرج مكامن القوة في الشباب، وتستنهض الهمم الشماء التي تناهز قاماتها بهذه الأعمال الجليلة قمم جبال عمان الراسية في جنبات الوطن المعطاء، فصور العمل والتكاتف التي تضرب هنا وهناك من أبناء الوطن المخلصين وحالات الطوارئ والاجتماعات والاستعدادات والتفاني والإيثار على الأنفس التي تتجسد في أرض الواقع يثلج صدورنا جميعا بأن عمان بخير، وأن شعبها الأبي قادر على تجاوز كل الصعاب.
فمن العقول التي تعمل في الأرصاد الجوية التي تراقب مشاهد العاصفة المدارية في صور عبر الأقمار الصناعية وتحليل التنبؤات المناخية ليلا نهارا لإعطاء صورة واضحة لمسار العاصفة أو الحالة المدارية إلى تدفق البيانات عبر وسائل الإعلام لإنهاء الإشاعات المغرضة، والتحليل الدقيق الذي يظهر كفاءة العمل في هذا المجال الدقيق، فشكرا لكم تفانيكم الكبير في العمل وقدراتكم الهائلة وعظيم عملكم المتقن وعطاءاتكم الهائلة في بحر من علوم الأرصاد الجوية.

لقد سطر أبناء ولايات المحافظات المتأثرة صورا رائعة من التلاحم والالتفاف والعمل المضني في الاستعدادات العالية لهذه الحالة الاستثنائية من خلال التجهيزات والإعداد بشكل كبير في تجهيز مراكز للإيواء وتزويدها بالخدمات والمواد اللازمة، والتواصل مع المواطنين وتلبية رغباتهم والعمل على حل إشكاليات حلت بهم، فهذه الجهود المقدرة بالطبع أثمرت عن تخفيف وطأة مثل هذه العواصف وأظهرت حالة الالتفاف التي عليها أبناء الوطن.
ومن المواقف النبيلة التي يسطرها أبناء قوات السلطان المسلحة وشرطة عمان السلطانية في بذل الجهود الكبيرة في إنقاذ الأرواح وتهيئة السبل أمام المواطنين في المناطق المتضررة والعمل على تسهيل حركة الناس في مواقف تشهد لهذه القوات بقدراتها وكفاءتها العالية في مثل هذه المواقف الكبيرة، ومشاركتها بالطبع في مثل هذه الأزمات يبعث الثقة والطمأنينة في النفوس أنّ الأزمات سيتم تجاوزها مهما بلغت وطأتها فطوبى لأبناء قوات السلطان المسلحة وشرطة عمان السلطانية على ما أظهروه من دور كبير في مثل هذه المواقف.

لا يغيب عن هذه المواقف رجال الإعلام الذين أسهموا بتفان كبير في التغطية الإعلامية وموافاة ملتقين بالصوت والصورة والكلمة في ظروف استثنائية صعبة وانتشار المراسلين والموفدين في المحافظات ينقلون بالصوت والصورة مجريات الأحداث الطبيعية، والجهود التي تبذل في إزالة آثار العاصفة، فهذه الأزمات بالطبع تكسب أجهزة الإعلام خبرة في كيفية التعاطي مع الأحداث والتفاعل معها بطرق احترافية تنقل الأحداث والوقائع.
هناك اللجنة الوطنية للدفاع المدني والإطفاء التي هي الأخرى لا تألو جهدا في إنقاذ الأرواح في المناطق التي تتعرض لجريان الأودية والمياه الجارفة، وتعمل بصمت في هذا الجانب، وقدمت خدمات جليلة في المناطق المتضررة.
ولا تغيب في هذا المقام الجهود الأهلية المجتمعية التي تظهر الالتفاف الكبير في هذه الظروف وتتفانى في تقديم خدمات جليلة ومقدرة في كل المجالات تسهم وتخفف من وطأة هذه الأزمات وتفرح الأنفس عندما تبذل جهودًا مجتمعيّة بالغة الأهميّة في تجاوز مثل هذه الظروف.


وكذلك الجهود التطوعيّة من الشباب الذين يعملون على بلورة أفكار جديرة بالتقدير في الإسهام الفاعل في مساعدة الآخرين وغرس ثقافة التطوع، فهذه الفرق والحماس الذي تبدو عليه في العمل في الأزمات يعكس ما يتمتع به شبابنا من روح عالية ومسؤولية كبيرة في تقديم خدمات جليلة للأهالي ومساعدة الآخرين.
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي التي عملت على إظهار المسؤولية في التعاطي مع هذه الظروف من خلال تحفيز المجتمع وبث الحماس في نفوس العاملين في الميدان، وإظهار المواقف المتميّزة والإطراءات التي تطلقها كانت إيجابية تعكس روحًا عالية يتمتع بها أبناؤنا في هذا المجال والترفع في مثل هذه الظروف عن كل ما يعكر صفو المجتمع فتحية للذين يعززون من القدرات الوطنية.
بالطبع الجهود التي بذلت كبيرة ومقدرة، والحالة المناخية كبيرة فليس هناك وجه للمقارنة بين حجم الحالة وهذه الجهود وهذا يحصل في الكثير من الدول في مثل هذه الظروف التي تكون في العادة أكبر من الطاقات المتوفرة باعتبارها استثنائية وغير متوقعة لحجم التأثيرات وأين وكيف.
نأمل أن تكلل كل الجهود بالتوفيق لما فيه خير هذا الوطن العزيز تحت قيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله - الذي أرسى دعائم البناء في هذا الوطن وبلور مفاهيم العمل الوطني في نفوس أبنائه ورسخ معاني المسؤولية الوطنية والاجتماعية في المجتمع، وبوركت كل الجهود التي أسهمت وتساهم في تجاوز هذه العاصفة والحالة المدارية، وعمان ستبقى على العهد وفيّة بأبنائها المخلصين، وناهضة بسواعدهم إن شاء الله.

علي بن راشد المطاعني

تعليق عبر الفيس بوك